أبوظبي: عبير مشخص تستعيد جزيرة السعديات في أبوظبي الكثير من تألقها وحيويتها مع انعقاد الدورة السنوية لمهرجان الفنون «آرت أبوظبي» وتدب حالة من النشاط المحموم خلال اليومين السابقين للافتتاح الرسمي ما بين مسؤولي الحدث وما بين أصحاب الغاليريهات المشاركة، وأيضا بين العمال المسؤولين عن إضافة اللمسات الأخيرة لقاعات العرض. وما بين هؤلاء وهؤلاء يتجول الصحافيون ومنسوبو الصحافة العربية والعالمية ليحظوا بالحصول على النظرة الأولى على الصالات المشاركة، وأيضا بالتعرف على الأقسام المختلفة التي تشارك هذا العام. يصاحبنا خلال الجولات عدد من مسؤولي المعرض، وكانت الانطلاقة من قسم «تعابير إماراتية»، حيث نرى مجموعة من الأعمال الفنية الحديثة التي كلف بإنجازها نخبة من الفنانين الإماراتيين المتمرسين، هم ابتسام عبد العزيز، وعبد الله السعدي، وليلى جمعة، ومحمد أحمد إبراهيم، ومحمد كاظم، ومحمد المزروعي، الذين يمثلون الجيل الثاني من الرواد في الإمارات العربية المتحدة. تصاحبنا خلال الجولة على القسم ريم فضة، المنسق الفني المشارك في قسم فنون الشرق الأوسط، مشروع جوجنهايم أبوظبي، مؤسسة سولومون آر جوجنهايم، والمشرفة على هذا القسم. تقول فضة: «التركيز في هذا المعرض على الفنانين المفاهيميين الشباب، وهناك علاقات وتواصل بين الفنانين». تشرح لنا أنها توجهت للفنانين المشاركين بسؤال: «إذا كان لديكم مشاريع لم تتحقق بعد فماذا ستكون؟». السؤال أنتج أعمالا فنية متميزة انقسمت على عدد من القاعات وكونت «تعابير إماراتية». نمر على عرض الفنان محمد كاظم «اتجاهات» الذي مثل الإمارات في بينالي البندقية الأخير وأعيد إنتاجه لـ«فن أبوظبي». العمل لا يفقد تأثيره القوي المتلقي، فداخل غرفة مظلمة نجد أنفسنا على متن باخرة تتهادى على الماء ويمتد البحر أمامنا وحولنا غامضا وعميقا ولامنتهيا. نعيش التجربة عبر الفيديو المحيط على 360 درجة ونحس بحركة الموج، ولكننا أيضا نشعر بالضياع وتساورنا فكرة استكشاف الأفق للبحث عن معلم جغرافي أو ميناء. على الأرض تحت أقدامنا شاشة تعرض لنا أرقاما، هي إحداثيات جغرافية تحدد، فرضيا، موقع الباخرة. يشير الشرح المرفق بالعمل إلى أن «المشهد المرئي يهدف إلى خلق تجربة واقعية للضياع في وسط البحر، ويرمز أيضا إلى كسر الحواجز والحدود غير المرئية بين الناس من خلال فتح المجال أمامهم لطرح تساؤلات حول مفهوم العالمية والانفتاح الفكري». استوحى الفنان فكرته من تجربة شخصية مر بها أثناء رحلة صيد، حيث وقع من القارب من دون أن يشعر به أحد وضل طريقه لمدة نصف ساعة قبل أن يتم إنقاذه. أما عمل الفنان محمد المزروعي فيستحضر الأيقونات المسيحية في محاولة لتناول مفاهيم التسامح والتضحية. أما عمل الفنانة ابتسام عبد العزيز «الحرية الزرقاء» فهو أداء فني على عدة وسائط قامت به بدهن كرة ضخمة شفافة بالطلاء الأزرق. عدة انطباعات تتركها لدينا الكرة الضخمة التي تتوسط القاعة، أيضا الصور الفوتوغرافية التي نرى فيها الفنانة داخل الكرة وهي تقوم بطلاء الكرة. هل نرى محاولة اختراق الحدود من خلال دهن الكرة بلون السماء؟ هل تعبر عن تحد الواقع والحدود والعوائق؟ وهل يرتبط ذلك بوضعها كامرأة؟ كل هذه أسئلة تترك للمتلقي ليجد الإجابات عليها. خارج الجناح تأخذنا العنود الحمادي، المتحدثة باسم هيئة أبوظبي للثقافة، بجولة على جانب آخر من المشروعات التي تقام بالتوازي مع العروض الفنية. نبدأ بقسم بعنوان «البساطة سر الجمال»، وهو يضم أعمالا فنية مصغرة، كما تقول لنا العنود: «هنا غاليري مصغر لأعمال الفنانين نعرضها بطريقة مختلفة، حيث وضعت في غرفة مظلمة تحت أضواء مسلطة على كل قطعة على حدة». ويشارك في دورة هذا العام 50 صالة عرض فنية من مختلف أنحاء العالم (بمعدل استقطاب 91 في المائة من صالات العرض التي تعود للمشاركة مجددا في هذه الدورة) ستعرض باقة متنوعة من الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة والتصميم. كما ستقدم الدورة الحالية أوسع برنامج للأنشطة والفعاليات العامة خلال مسيرة الحدث تتناول أبرز الموضوعات والاتجاهات الرئيسية في قطاع الفن والتصميم. وتشهد الدورة الحالية من «فن أبوظبي» إطلاق قسم جديد بعنوان «الفنان.. والإبداع»، يجسد مفهوما جديدا من نوعه يهدف إلى اكتشاف وإعادة اكتشاف الفنانين عبر معرض فني يبرز دينامية الحركات الفنية الجديدة وأهم التحولات في المفاهيم الإبداعية. وعلى العكس من المعارض الفنية التقليدية، فإن الأعمال الفنية المعروضة في هذا القسم اختيرت من قبل لجنة من المنسقين الفنيين، وليس من قبل صالات العرض الفنية التي تمثل الفنان؛ الأمر الذي يؤكد على أهمية الفنان كونه السبب وراء حضور صالة العرض في المعرض، وليس العكس كما جرت عليه العادة. وللتأكيد على أهمية التراث والتقاليد الإماراتية، يحتضن «فن أبوظبي» سوقا للتصميم أنشأه المعماري شيغيرو بان خصيصا لهذه المناسبة، مستوحى من الأسواق التراثية الإماراتية. كما ستشهد دورة هذا العام إطلاق برنامج «دروب الطوايا» لفنون الأداء الذي ستمتد فعالياته خارج جزيرة السعديات، وستتخلله مداخلات فنية وعروض أداء تقدم في جميع أنحاء أبوظبي وتسلط الضوء على نضج المشهد الفني في الإمارة. ويقدم «دروب الطوايا»، البرنامج الجديد لعروض الأداء بإشراف المنسق الفني طارق أبو الفتوح، الذي يشرح لنا أصل فكرة المشروع «الأصل في كلمة (الطوايا) الإماراتية ومعناها (آبار الماء العذب)». ويضيف أن المشروع صمم على شكل رحلة بين أربع محطات في المدينة. والجمهور مدعو لتتبع هذه المسارات على حافلات النقل العامة التي ستتحول إلى «أعمال فنية معاصرة أبدع تصاميمها مجموعة من الفنانين الإماراتيين والعالميين، إضافة إلى الكثير من عروض الأداء وورشات العمل». وتتضمن قائمة الفنانين والشعراء والمؤسسات الفنية المشاركة في البرنامج الكثير من الأسماء العالمية والإماراتية، بمن في ذلك: هو تزو نيان، وزينب الهاشمي، ووائل شوقي، وإيليا وإيميليا كاباكوف، وريان تابت، وهيروكي أوميدا، وسلمى وسفيان عويسي، و(98 أسبوع)، ومركز الصورة المعاصرة، وعفراء الظاهري، وسالم القاسمي، وحمدان الشامسي، وديمة الأتب، بالإضافة إلى عيضة بن مسعود، ونورة النومان وهدية بدري، وهالة العاني، وريم حسن، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
مشاركة :