على مدار ثمان ساعات متواصلة، يجتمع سبعة عمال فلسطينيين في مصنع صغير في جنوب قطاع غزة من أجل فرز وتنظيف وتكسير كميات كبيرة من نفايات البلاستيك. وتعتبر هذه الآلية المرحلة الأولى من إعادة تدوير مخلفات البلاستيك من أجل إعادة تصنيعها إلى العديد من المنتجات التي يمكن استعمالها مرة أخرى. ويلتزم العمال بتعليمات وإرشادات صحية اعتمدتها وزارة الصحة للحد من تفشي مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) بارتدائهم الكمامات والكفات الطبية وحفاظهم على التباعد الاجتماعي. ويقول مالك المصنع مأمون اصليح، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه يتم فرز النفايات البلاستيكية حسب نوعها وسمكها وألوانها أيضا، موضحا أن هذه الطريقة هي أساس عملية تكسير البلاستيك. ويضيف اصليح البالغ من العمر (35 عاما)، وهو أب لثلاثة أبناء، أنه بدأ في هذه المهنة منذ عام 2006، بعدما فشل في الحصول على عمل مناسب يعينه على صعوبات الحياة، وذلك بعد أن بدأت إسرائيل بفرض حصارها على القطاع. في ذلك الوقت، لم يكن اصليح هو الوحيد الذي كان يبحث عن عمل، خاصة مع ارتفاع ملحوظ في نسبة البطالة بسبب عدم استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية. ودفع سوء الظروف الاقتصادية بالعديد من الشبان إلى حاويات القمامة لجمع البلاستيك والمعادن القابلة للبيع في محاولة منهم لتأمين جزء من مصاريفهم اليومية. ويقول اصليح إنه "على الرغم من أن الهدف الأساسي كان الحصول على المال، لكن الوضع تغير مع مرور الوقت". ويضيف "أصبحت أعرف أن هناك نسبة كبيرة من النفايات غير عضوية، وهي غير قابلة للتحلل، ما يسبب أضرارا بيئية، من بينها البلاستيك". ويتابع "لذلك قررت أن أساعد المجتمع من خلال التخلص من البلاستيك، ولكن بطريقة صحيحة عبر تهيئته لعملية إعادة التدوير لضمان عدم تواجدها بشكل ملحوظ في البيئة بما يضر الإنسان". ويبلغ متوسط النفايات المنزلية في فلسطين حوالي 716 طنًا يوميا، حوالي 12 في المائة منها هي بلاستيك، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2018. وعادة ما يتم التعامل مع هذه النفايات بالحرق، ما يسبب تلوثا خطيرا في الهواء، وهذا ما شجع اصليح وعماله على زيادة عملهم في تكسير البلاستيك لعلهم يحمون بيئتهم من تلك الملوثات. ويقول اصليح إن مصنعه "أصبح ركنا أساسيا في إعادة تدوير البلاستيك وجزءا رئيسيا في حماية البيئة"، منوها بأنه يعمل على تكسير بضعة أطنان من البلاستيك أسبوعيا. وانضم الخمسيني أحمد أبو طير، إلى العمل مع اصليح منذ أكثر من ثمان سنوات من أجل تأمين المصاريف اليومية لعائلته. ويقول أبو طير، وهو أب لثمانية أبناء ل((شينخوا)) إنه يشعر بالسعادة عندما يساعد في حماية البيئة من النفايات غير العضوية، التي قد تسبب مشاكل صحية. ويضيف بينما يتوسط مجموعة من زملائه لفرز نفايات البلاستيك "هناك احتمالية لإصابتي وزملائي ببعض الأمراض، لكننا نعلم أنه ليس لدينا أي فرصة أخرى لكسب المال في ظل الظروف الراهنة"، مشيرا إلى أنه يجني حوالي 40 شيقل فقط يوميا (الدولار الأمريكي يساوي 3.2 شيقل إسرائيلي). ويعتمد أكثر من 75 مصنعًا في قطاع غزة على البلاستيك المهروس في خطوط إنتاجهم، بعضها ينتج الكراسي ولعب الأطفال وخراطيم المياه والجالونات، بينما ينتج البعض الآخر الحصير، بحسب وزارة الاقتصاد التي تديرها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة. ويقول المتحدث باسم الوزارة عبد الفتاح أبو موسى، ل((شينخوا)) إن جميع المصانع التي تعتمد على البلاستيك المعاد تدويره ممنوعة من إنتاج الأدوات التي تستخدم في الاستهلاك الآدمي، بما في ذلك الأدوات المنزلية. من جهته، يقول الفلسطيني فلاح عودة، وهو صاحب مصنع للحصير، إن 85 في المائة من خطوط الإنتاج في مصنعه تعتمد على نفايات البلاستيك المكسرة التي يشتريها من مصانع وورش إعادة التدوير. ويضيف عودة البالغ من العمر (50 عاما) ل((شينخوا))، أنه اضطر للاعتماد على نفايات البلاستيك المهروسة "بسبب الحصار الإسرائيلي وتدهور الاقتصاد، الذي أثر على مختلف جوانب الحياة في قطاع غزة، وتدهور الوضع المالي بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام لتشغيل المصنع". ويشير إلى أن سعر الكيلوجرام من البلاستيك الخام يقدر بحوالي ثمانية شواقل إسرائيلية، في حين أن تكلفة البلاستيك المهروس لا تتعدى شيقلين ونصف فقط بعد إجراء تعديلات عليه. ويعاني قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة، من أزمات اقتصادية عديدة على رأسها ارتفاع معدلات البطالة، التي تقدر بنحو 49 في المائة، بحسب إحصائيات فلسطينية رسمية. وتعد مستويات البطالة في القطاع من المعدلات الأعلى عالميا بالنظر إلى الكثافة السكانية وفق تصنيفات البنك الدولي.
مشاركة :