عندما أمر محمد على باشا بحفر وإنشاء ترعة المحمودية بـالإسكندرية في ٨ مايو ١٨٠٧ لتبدأ من النيل قرب قرية بهبيت وقتها، حتى تصل مياه النيل للإسكندرية عبر البحيرة، ولتكون ممرًا مائيًا للمراكب التجارية بين الإسكندرية ونهر النيل؛ كان طبيعيا أن ينتج عن هذا الحفر كمية كبيرة من الرمال والصخور والأتربة، وكان عليهم بالطبع أبعادها إلى مكان مناسب بعيدا عن المجرى الملاحى للترعة، وكان من بين هذه الأماكن المختارة منطقة "كوم الدكة" بالقرب من جامع النبى دانيال، والذى سمى الحى بكوم الدكة نسبة إلى كوم التراب.وعرفت المنطقة قديما باكروبوليس أى المكان المرتفع عن المدينة الذى أقيمت عليه المعابد والمبانى الدينية، ولا نعلم لماذا تم اختيار هذا الموقع تحديدا لوضع جزء من ناتج الحفر.وظل ناتج حفر الترعة مستقرا في مكانه "باكروبوليس" أو "كوم الدكة" حتى عام ١٩٦٠، حيث بحثت بعثة بولندية عن مقبرة الإسكندر الأكبر، واعتقدوا أنه كان مدفونا في ذلك المكان. وتمت إزالة هذا التل من الرمال فعثروا على بعض الأعمدة الرخامية، وباستكمال الحفر والتنقيب، تم اكتشاف ما يسمى حاليا بالمسرح الرومانى والمنطقة الأثرية المحيطة، وناتج حفر ترعة المحمودية والتى أزيلت ليكتشف مكانها المسرح الرومانى وآثار أخري.والمسرح الرومانى بالإسكندرية في كوم الدكة، أحد آثار العصر الرومانى وتمت إقامته في بداية القرن الرابع الميلادي، وهو المسرح الرومانى الوحيد في مصر، واكتشف المبنى بالصدفة أثناء إزالة التراب للبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر بواسطة البعثة البولندية في عام ١٩٦٠.والمبنى مدرج على شكل حدوة حصان أو حرف U ويتكون من ١٣ صفا من المدرجات الرخامية مرقمة بحروف وأرقام يونانية لتنظيم عملية الجلوس أولها من أسفل ويتسع لنحو ٦٠٠ شخص، واستخدام المبنى كصالة لسماع الموسيقى حيث إنه كانت تتوافر فيه عنصر الاستماع بفضل وجود القبة ومنطقة الأوركسترا، وفى العصر البيزنطى استخدم المبنى كصالة للاجتماعات.ويقول أحمد فتحي، مؤرخ مصرى وباحث في شئون الآثار المصرية، إن المدرج الرومانى بمنطقة كوم الدكة يعد من أهم المواقع الأثرية، التى تزخر بها مدينة الإسكندرية فهو رابع أكبر مدرج رومانى متبقى على مستوى العالم والوحيد في مصر وحتى الآن لا نزال غير متأكدين من سبب استخدامه بشكل قطعي، فلا نستطيع أن نطلق عليه مصطلح مسرح بشكل عام، وذلك لسببين الأول أن تخطيطه على شكل حدوة فرس، وهو ما يختلف عن تخطيط بقية المسارح الرومانية المتبقية سواء بروما أو غيرها التى عادة ما كانت تأخذ شكل نصف دائري.وتابع: « والثانى أنه على مدى تاريخه تم استخدامه في عدة وظائف اخرى لذا فيرجح أنه كان يستخدم كقاعة لسماع الموسيقى تعرف بالأوديون وكان به قبة ومقاصير تساعد على تجميع الصوت وتركيزه وإعادة تردده، وخلال العصر البيزنطى كانت تعقد به اجتماعات دينية وسياسية ولا أدل على ذلك من النقوش البيزنطية التى لا تزال محفوظة به وعلى رأسها الصليب البيزنطى الشهير».واختتم: «ويمكن أن يكون استخدم كقاعة للدرس وعثر بالفعل بجواره على العديد من الخلاوى أو المكاتب الصغيرة والحجرات للطلاب، وخلال العصور الإسلامية استخدم المكان أيضًا كجبانة للموتى ويحوى العديد من المقابر واستخرج منه المئات من شواهد القبور لذا فمصطلح المسرح غير دقيق والأجدر بنا أن نطلق عليه مصطلح المدرج الرومانى الأعم والأشمل من حيث الوظائف والاستخدامات التى شغلها عبر العصور المختلفة».
مشاركة :