كيف تطورت الحياة اليهودية في ألمانيا بعد الهولوكوست؟

  • 2/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد جريمة النازيين بقتل 6 ملايين يهودي في الهولوكوست، كان مستقبل الجالية اليهودية في ألمانيا موضع شك. وبينما تحتفل البلاد بمرور 1700 عام على بدء حياة اليهود فيها، تستعرض DW أبرز تطورات حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الأجيال الجديدة من أحفاد الألمان الذي عاصروا الهولوكوست لم تعد ترى الإقامة في ألمانيا وضعاً مؤقتاً مع أكثر من 200 ألف شخص، وفيما يتزايد هذا العدد، تعتبر الجالية اليهودية في ألمانيا الوحيدة في أوروبا التي ينمو عددها بسرعة، وهذه حقيقة مدهشة بالنظر إلى عملية الإبادة شبه الكاملة لليهود التي وقعت في ألمانيا خلال الهولوكوست. تم تحرير حوالي 15000 يهودي ألماني المولد من قبل قوات الحلفاء بعد الحرب. نجا معظمهم من خلال الاختباء والبعض الآخر تم إنقاذه من معسكرات الاعتقال. كان لدى العديد ممن بقوا في ألمانيا شريك حياة أو والد غير يهودي ما مكن من استمرار ارتباطهم بالدولة، وربما سهل التعافي والاندماج إلى حد ما لاحقاً. "لن نستقر مجددا على ارض ألمانيا" عقد المؤتمر اليهودي العالمي أول تجمع له بعد الحرب في يوليو 1948، حيث أصدر قرارًا يعبر بوضوح عن "تصميم الشعب اليهودي على عدم الاستقرار مرة أخرى على أرض ألمانيا الملطخة بالدماء". يوضح أنتوني كاودرس، أستاذ التاريخ في جامعة كيلي في المملكة المتحدة، أن "بعض الذين بقوا في ألمانيا قد نجوا بمساعدة الألمان غير اليهود، ورفضوا أن يساووا بين جميع الألمان في تحمل ذنب ما جرى لليهود. وكان آخرون ببساطة أكبر سنًا أو أضعف من أن يهاجروا". كان اليهود في ألمانيا يتألفون من مجموعتين متميزتين للغاية: اليهود الذين ولدوا في ألمانيا، والذين كان معظمهم مندمجين للغاية مع المجتمع. أما المجموعة الثانية فكانت من اللاجئين اليهود النازحين من دول أوروبا الشرقية الذين وجدوا أنفسهم في ألمانيا عن غير قصد. كان لديهم موارد محدودة ومعرفة محدودة باللغة الألمانية. غادر أكثر من 90 بالمائة من اللاجئين اليهود الذين وصلوا إلى ألمانيا البلاد في غضون 3 إلى 4 سنوات، واتجه معظمهم إلى الولايات المتحدة ودولة إسرائيل التي تأسست حديثًا، فيما بقي حوالي 15000 منهم فقط على الأراضي الألمانية. أصبح العديد من يهود أوروبا الشرقية في نهاية المطاف من الألمان المتجنسين. وهم حديثو العهد بالدولة، حيث اعتمدوا على المجتمع كنظام دعم لاحتياجاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية. توحيد المجموعات اليهودية رغم الصعاب في تموز/يوليو عام 1950، وحدت الجماعات المتباينة قواها وأنشأت منظمة جامعة لتمثيلها: المجلس المركزي لليهود في ألمانيا. أدى هذا الإصرار الجريء من الجالية اليهودية الألمانيةإلى تعاون براغماتي من جانب المؤسسات اليهودية الدولية. وقال المجلس اليهودي العالمي/ WJC عند تأسيس المجلس المركزي الألماني: "بينما كان رأي وسياسة المؤتمر اليهودي العالمي تقضي بأنه على اليهود مغادرة ألمانيا، فإن أولئك الذين اختاروا البقاء في ألمانيا سيحصلون على المشورة بكل سرور". بحلول عام 1954، أصبح لدى المجلس اليهودي العالمي والعديد من المنظمات اليهودية الدولية الأخرى علاقات تعاون وثيقة مع المجلس المركزي الألماني. في غضون ذلك، ظلت معاداة السامية مشكلة في ألمانيا، إذ أشار تقرير صدر في ديسمبر 1946 عن ذلك نشره الجيش الأمريكي أن 18بالمائة من الألمان ما زالوا "معاديين متطرفين للسامية" وأن 21 بالمائة "معادون للسامية". وفي عام 1947 أظهر استطلاع  للرأي أن أكثر من ثلث الألمان شعروا أنه من الأفضل ألا يكون هناك يهود في ألمانيا. يقول المؤرخ كاودرس إن الأجواء تغيرت عندما اتخذت حكومة ألمانيا الغربية موقفا ضد معاداة السامية. "من أجل التغيير، كانت الحكومة تحارب معاداة السامية رسميًا، وهذا بالطبع ما أحدث فارقًا كبيرًا. هذا شيء لم يره [اليهود] من قبل في ألمانيا أو دول أوروبا الشرقية التي نشأوا فيها. وقد منح ذلك لليهود في ألمانيا نوعاً من الأمن ". الدولتان الألمانيتان تم تشكيل دولتين ألمانيتين على أنقاض الرايخ الثالث: جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية/ GDR)، وهذه كانت ضمن الكتلة الشرقية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي ، وجمهورية ألمانيا الاتحادية المتحالفة مع الغرب (المعروفة باسم ألمانيا الغربية ). في كل منهما ، كان الاندماج الناجح لليهود في المجتمع يعتبر اختبارًا حقيقيًا. انجذب العديد من اليهود أصحاب المثل السياسية واليهود من اصل ألماني إلى الشرق في البداية. في هذا السياق تقول عالمة الاجتماع والكاتبة إيرين رونغ ، والتي انتقلت مع والديها في عام 1949 عندما كانت طفلة صغيرة من الولايات المتحدة إلى ألمانيا: "لم يأت أحد ليعيش كيهودي في ألمانيا الشرقية - لقد أرادوا العيش كشيوعيين". تقول رونغ وتضيف " لقد اضطهدوا في أنفسهم كل شيء يمت إلى اليهودية بصلة". وترى رونغ أن هذا كان "السبيل الوحيد للعيش في ألمانيا الشرقية. كان عليك أن تظل مركزًا على الهدف السياسي. كان الموقف من هذه المسألة يقول:" لن نسمح للألمان أن يبقون بمفردهم في هذا البلد، سنجعلها دولة أفضل من أي وقت مضى ". إسرائيل كضمان للبقاء على الورق، كان الوجود اليهودي في ألمانيا الشرقية غير موجود تقريبًا، حيث كان عدد أفراد المجتمع اليهودي المسجلين في الخمسينيات من القرن الماضي نحو 1500 شخص فقط. عندما أقامت إسرائيل وألمانيا الغربية العلاقات الدبلوماسية عام 1965، كان ذلك بمثابة خطوة مهمة إلى الأمام. أخذت الجالية اليهودية في ألمانيا على عاتقها مهمة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. "بالنسبةلليهود الألمان ، أكثر من غيرهم من اليهود الآخرين، وبسبب الهولوكوست، أصبحت إسرائيل مهمة جدا. كانت هناك دائمًا فكرة" العيش مع حقائب السفر "، بمعنى أنه إذا ساءت الأمور، فسوف نغادر بعيدا" كما يشرح كودرس في إشارة إلى أهمية إسرائيل كوطن بالنسبة لهم.    تدفق اليهود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أدى تدفق المهاجرين بعد حقبة الاتحاد السوفيتي إلى تنشيط المجتمعات اليهودية. ومع مرور العقود، نشأ الجيل الثاني والثالث الذي لم يعد ينظر للعيش في ألمانيا كحل مؤقت. لكن التحول الأكثر أهمية حدث مع تفكك الاتحاد السوفيتي أواخر عام 1991، ذلك أنه بعد فتح الحدود بين شرق وغرب ألمانيا وكذا الحدود السوفيتية، هاجر ما يقرب من 220.000 يهودي من الاتحاد السوفيتي السابق إلى ألمانيا التي أعيد توحيدها حديثًا وتم منحهم وضع اللجوء. أدى تدفق "اليهود الروس" إلى تنشيط المجتمع الراكد وأنقذه من الانهيار الديمغرافي. لكن اندماجهم في المجتمع شكل أيضًا تحديات كبيرة، لأن معظم الوافدين الجدد كانوا أكثر علمانية من المجتمعات التقليدية المحلية. واليوم، يشكل اليهود المولودون في الاتحاد السوفيتي وذريتهم، الأغلبية الساحقة من يهود ألمانيا. جيل جديد بتوجه علماني استقر يهود قدموا من دول غربية مثل الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وإنجلترا في ألمانيا على مدار العقدين الماضيين - خاصة في برلين ، التي يرون أنها وجهة جذابة للحياة الشخصية والترقي المهني. بالإضافة إلى ذلك ، وصل ما يقرب من 15000 إلى 20000 شاب إسرائيلي ممن تلقوا تعليماً عالياً ويحسبون على التوجه العلماني ولهم ميول يسارية سياسية. ويرتبط العديد من هؤلاء بالناجين من المحرقة، ويحمل بعضهم جنسيات أوروبية من خلال آبائهم وأجدادهم ، مما يسهل استقرارهم في ألمانيا. لكن ظلال معاداة السامية لم تختف بعد. قبل فعاليات هذا الأسبوع المخطط لها للاحتفال بـ 1700 عام من الحياة اليهودية في ألمانيا ، كشف تقرير جديد للشرطة عن ارتفاع في معدلات جرائم الكراهية المعادية للسامية ، مع أكثر من 2275 حادثة في عام 2020. يقول المؤرخ كاودرس إن انتقال اليهود إلى ألمانيا اليوم والذين نجا أجدادهم من الهولوكوست وفروا هو تحول تاريخي صارخ. "في الحقيقة إنه من الرائع أن يتواجد الإسرائيليون في برلين الآن، دون الشعور بالذنب ، تظهر التعددية في المجتمع الإسرائيلي ، والألماني أيضًا. أننا تجاوزنا أوقات الحرب". شاني روتزانيس/ع.ح.

مشاركة :