شهدت العقود القليلة الماضية تزايدا ملحوظا في الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية للشركات في معظم البلدان، وأصبح لها الأولوية من حيث تحويل الشركات إلى شركاء في تحقيق التنمية المستدامة، وهذا ما تدعو إليه الحكومات في معظم دول العالم وبرامج الأمم المتحدة للتنمية وغيرها من المنظمات الدولية المهتمة والداعية إلـى تقنين ممارسات المسؤولية الاجتماعية. وعلى الرغم من ذلك أوضحت العديد من المراكز البحثية وأظهرت نتائج كثير من الدراسات العلمية أن مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات وقيام تلك الشركات بالإفصاح عن ذلك مازال يحتاج إلى مزيد من الدراسات المتعمقة والنقاشات المستفيضة من خلال إعداد الدراسات العلمية وعقد النـدوات وورش العمـل وتنظيم المؤتمرات لتوضيح مفهوم ومجالات ومنافع المسؤولية الاجتماعية. وقد تحققت إنجازات ملحوظة في هذا المجال في العديد من الدول، منها مملكة البحرين وباقي دول مجلس التعاون، إلا انه لا تزال العديد من الدول وخاصة الدول النامية تواجه كثيرا من التحديات المحلية التي تمس بيئتها الاقتصادية والاجتماعية مثل ارتفاع معدلات البطالـة وانخفـاض مستويات المعيشة وتدني معدلات الادخار والاستثمار ما يترتب على ذلك من ضعف في البنية التحتية ومستويات التعلـيم، إضافة إلى العديد من المشـكلات التي تهدد عملية التنمية بشكل عام. ولا شك أن هذا يتطلب إيجاد الحلول المناسبة لتلك المشكلة بما يسهم في الحد من تفاقم أضرارها، وذلك من خلال تضافر الجهـود بين الحكومة والجهات المنظمة في تلك الدول من ناحية، والشركات العاملة في تلك الدول من ناحية أخرى. ولا شك أن المفهوم الأشمل للمسؤولية الاجتماعية يتجاوز حدود العمل الخيري المعتاد حيث يتعداه إلى مفهوم أكثر عمقا ينتهي بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بأثره من خلال ترسيخ العديد من المفاهيم والمبادئ التي تحفز علـى الاهتمام بمختلف الجهات، أهمها العاملون بمستوياتهم المختلفة وبخاصة المستويات التنفيذية، والبيئة المحيطة والمجتمع بأثره، وذلك من خلال وضع التشريعات الضرورية وسن القـوانين المنظمة في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات ومتابعة تطبيقها. واستكمالا للاهتمام بممارسات المسؤولية الاجتماعية، اهتم العديد من الدراسات المحاسبية بموضوع الإفصاح عن معلومات المسؤولية الاجتماعية للشركات، إلا أن الغالب من تلك الدراسات اتخذ الدول المتقدمة مجالات للتطبيق، فيما ضعف الاهتمام بالدول النامية عامة ومنطقة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي خاصة. وفي دراسة شارك في إعدادها كاتب المقال اعتمدت على مقياس مكون من 47 عنصرا لتقييم الإفصاح عن معلومات المسؤولية الاجتماعية لعينة من الشركات المسجلة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الست. ولقد تم إعداد هذا المقياس بحيث يغطي معظم عناصر معلومات المسؤولية الاجتماعية كمقياس متكامل، بما يمكن من الحصول على المعلومات اللازمة لتقييم درجة الإفصاح عن تلك المعلومات للشركات المتضمنة في عينة الدراسة. ومن أبرز النتائج التي كشفت عنها الدراسة أن معظم شركات عينة الدراسة أفصحت عن كل أو جزء من عناصر معلومات المسؤولية الاجتماعية، إلا أن مستوى ذلك الإفصاح كان أقل في مجالي البيئية ومعلومات المنتجات مما هو في معلومات العاملين بالشركة ومعلومات الالتزام المجتمعي. وأظهرت النتائج أيضاً وجود تفاوت ملحوظ فيما بين الشركات داخل الدولة الواحدة أو ما بين دولة وأخرى من الدول الست. وقد أظهرت نتائج الدراسة وجود ارتباط بين ربحية الشركة ونوعها وحجم الشركة ودرجة الخطر بها من ناحية، والإفصاح عن معلومات المسؤولية الاجتماعية من ناحية أخرى. وأظهرت النتائج أيضا أن هناك اختلافات معنوية فيما بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي وبعضها البعض من حيث مستوى الإفصاح، مع وجود بعض الاختلافات المعنوية في مستوى الإفصاح عن معلومات المسؤولية الاجتماعية فيما بين مجموعتي الشركات الصناعية وغير الصناعية. وتوصي الدراسة بضرورة التركيز الآن أكثر من أي وقت مضى على ممارسة أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم والمتمثلة في جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID 19) وما ترتب عليها من مشكلات متنوعة تواجه فئات متعددة من المجتمع، بل تواجه الشركات ذاتها وأيضا حكومات الدول المختلفة.
مشاركة :