أكد مسح لبنك التسويات الدولية، حول مواجهة التحديات، التي يطرحها تطوير التمويل في مجال المعلومات، ازدهار مصادر البيانات الضخمة بسرعة وبالتوازي مع تطبيقاتها اللازمة للاستفادة من المعلومات الجديدة. وجاء الازدهار بدعم من تأثير الرقمنة، وتطور "إنترنت الأشياء”، واستراتيجيات جمع البيانات بعد الأزمة المالية الكبرى (2007- 2009)، وتدفق كميات هائلة من البيانات في المجالات الإدارية والتجارية والمالية، وزيادة القدرة على معالجة المعلومات رقميا. ولم تشكل البنوك المركزية استثناء من هذه الصورة العامة، إذ أظهرت اهتماما متزايدا باستخدام البيانات الضخمة في الأعوام الأخيرة، بحسب المسح. وتغطي الأعمال المتعلقة بالبيانات الضخمة، التي يقدمها المصرف المركزي مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك السياسة النقدية والاستقرار المالي، والبحوث وإنتاج الإحصاءات الرسمية، غير أنه، على النقيض من الوتيرة السريعة للابتكار، التي يشهدها القطاع الخاص، كانت تطبيقات البيانات الضخمة، التي تدعم العمل التشغيلي للبنوك المركزية محدودة في البداية، وفقا للمسح. ويعكس ذلك عدد من القيود، مثل الافتقار إلى الموارد الكافية، والتحديات الجوهرية المرتبطة باستخدام مصادر البيانات الضخمة لدعم السياسات العامة. ويسأل بنك التسويات الدولية، وهو البنك المركزي للبنوك المركزية في العالم: إذا تطلعنا إلى المستقبل، هل ستلحق البنوك المركزية بالركب؟ وهل ستحوّل هذه الفوائد جذريا لجني ثمار ثورة المعلومات بالكامل؟ أم أن استخدامها لمصادر البيانات الضخمة وتطبيقاتها لن يحدث إلا تدريجيا بسبب الخصائص المتأصلة في ولاياتها وعملياتها؟ لتسليط الضوء على هذه القضايا، نظم بنك التسويات الدولية أواخر 2020 مسحا شاملا حول استخدام البنوك المركزية للبيانات الضخمة ومدى اهتمامها بها. واستجاب للاستقصاء 52 مصرفا مركزيا، من ضمنها البنك المركزي السعودي، أو نحو ثلثي أعضاء بنك التسويات الدولية الـ 92، المسح هو تحديث لدراسة سابقة أجريت قبل خمسة أعوام. ركز المسح على أسئلة رئيسة: ما الذي تشكله البيانات الكبيرة للبنوك المركزية، وما مدى قوة اهتمام البنوك المركزية بها؟ هل زادت البنوك المركزية من استخدامها للبيانات الضخمة، إذا كان الأمر كذلك، ما التطبيقات الرئيسة التي تم تطويرها؟ ما القيود، التي تواجه البنوك المركزية اليوم؟ وكيف يمكن التغلب عليها؟ عموما كان هناك 16 سؤالا مركزيا تفرع عنها نحو 90 سؤالا فرعيا. الاستنتاجات الرئيسة للمسح لدى البنوك المركزية رؤية شاملة للبيانات الضخمة، تشمل أنواعا مختلفة جدا من مجموعات البيانات، كالبيانات الكبيرة "غير التقليدية" (أو غير المنظمة)، التي غالبا ما تتسم بالحجم والسرعة والتنوع، وهي التي ينبغي معالجتها باستخدام تقنيات مبتكرة. لكن بالنسبة لثلثي المجيبين، تتضمن البيانات الضخمة أيضا مجموعات بيانات "تقليدية" كبيرة (أي منظمة تنظيما جيدا) التي غالبا ما تجمع كمنتج عرضي للتجارة (مثل معاملات الدفع)، والمالية (علامات الاقتباس، التي يتم ملاحظتها في الأسواق المالية) والأنشطة الإدارية (الملفات التي تجمعها المؤسسات العامة)- غالبا ما يشار إلى هذه البيانات باسم "البيانات المالية الضخمة". ويقول المسح إن البنوك المركزية أخذت تستخدم بشكل متزايد البيانات الضخمة، حيث يستخدم الآن نحو 80 في المائة من البنوك المركزية البيانات الضخمة بشكل منتظم. على النقيض من ذلك، في مسح 2015 ذكرت ثلث البنوك المركزية فقط أنها تستخدم مصادر البيانات الضخمة. كما أن الاهتمام بموضوع البيانات الضخمة على مستوى السياسات العليا يعد حاليا "مهما جدا" في أكثر من 60 في المائة من الحالات، مقارنة بأقل من 10 في المائة في 2015. يقول المسح إن الاهتمام بالبيانات الضخمة قوي بشكل خاص بين الاقتصادات المتقدمة، ويلحق بالركب عدد كبير من اقتصادات الأسواق الناشئة. وأكد المسح أن استخدام البيانات الضخمة لا بد أن يزداد على الرغم من التحديات العديدة، التي تواجهها البنوك المركزية، لكن ذلك سيتم بشكل متفاوت: الأغلبية العظمى من هذه البنوك (أكثر من 70 في المائة) تخطط لتنفيذ مشروع بيانات كبيرة في 2021. لكن بالنسبة للبنوك المركزية في البلدان المتقدمة، كان معظم المجيبين منها تقريبا (90 في المائة) على استعداد للقيام بذلك، على النقيض من ذلك، كان هذا الحال بالنسبة لـ 60 في المائة فقط من البنوك المركزية في اقتصادات الأسواق الناشئة. السبب الرئيس لم يكن عدم الاهتمام، الذي أخذ 6 في المائة فقط من إجابة البنوك المركزية في اقتصادات الأسواق الناشئة، بل نقص الموارد (16 في المائة). وعن الأغراض المحددة، التي يستخدم فيها البنك المركزي للبيانات الضخمة؟. في مجال التنبؤ: أجاب 32 في المائة من البنوك لأغراض تتعلق بأسعار التجزئة/ السكن، و31 في المائة لأغراض الناتج المحلي الإجمالي، و28 في المائة لأغراض الاستهلاك الخاص، و25 في المائة مبيعات التجزئة في الصناعة، و21 في المائة لأغراض المدفوعات، و18 في المائة في معدل مستويات البطالة. وتستخدم التطبيقات أيضا لحساب المؤشرات الاقتصادية التقليدية "الصعبة"، مثل استهلاك الكهرباء ومبيعات التجزئة والأسعار عبر الإنترنت (وهو نهج أفاد عنه 25 في المائة من البنوك المركزية للتنبؤ بالتضخم) وتقييم ظروف سوق العمل والبطالة الحالية أو التنبؤ بمبيعات السيارات، وهي مكون رئيس للاستهلاك الخاص، والانكماش. وفي مجال الحلول التنظيمية وأعمال الإشراف والمراقبة، أجاب 40 في المائة من البنوك المركزية أنها تستخدم مجموعات البيانات المالية الضخمة لأغراض تتعلق باستخراج رؤى على مستوى الاقتصاد مع الهدف الرئيس المتمثل في دعم سياسات تحقيق الاستقرار الكلي. و37 في المائة لأغراض تصميم أنظمة للإنذار المبكر، وربع الحالات (26 في المائة) لكشف الاحتيال- عن طريق فحص عقود الائتمان للشروط والأحكام المشبوهة لتعزيز حماية المستهلك بتقييم سوء السلوك، و24 في المائة لحساب أسعار الفائدة على الديون والودائع المصرفية. ونحو خمس البنوك (19 في المائة) تستخدم خوارزميات البيانات الضخمة لأغراض مكافحة غسل الأموال ومواجهة نشاطات تمويل الإرهاب، على سبيل المثال، عند تحليل معاملات الدفع لتحديد الأنماط المشبوهة. وأيضا، تحليل الشبكات لتحديد أوجه الترابط بين المشاركين في السوق، فضلا عن المخاطر النظامية، وإجراء تقييمات مفصلة لجودة الائتمان- مثل تقديرات احتمالات التخلف عن السداد أو التقصير في الخسارة، وحساب أداء النظام المالي، ما يساعد على رصد تسويات المدفوعات في الوقت الحقيقي. ويقول بنك التسويات الدولية، لقد ثبت أن هذا مفيد بشكل خاص في أوقات عدم اليقين المتزايد أو الاضطراب الاقتصادي، مثلما لوحظ خلال جائحة كوفيد-19. ونطاق مصادر البيانات الضخمة، التي تستعملها البنوك المركزية متنوع، من المصادر الرئيسة للقطاع الخاص "إنترنت الأشياء"، ضمنها تطبيقات للتخلص من بوابات الشبكة العنكبوتية للحصول على معلومات رقمية (مثل أسعار السلع المبيعة على شبكة الإنترنت) أو الحصول على نموذج نصي (مثل الرسائل المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي). هناك مصدر مهم آخر للمعلومات هو الحصول على نص من المواد المطبوعة، التي تم تجهيزها باستخدام التقنيات الرقمية. كما تستخدم البنوك المركزية على نحو متزايد مجموعات البيانات المالية الضخمة، التي يتم جمعها بطريقة "تقليدية"، مثل معلومات الميزانية العمومية المتاحة في سجلات الائتمان، وقواعد بيانات القروض، وقواعد البيانات الأمنية، والصفقات المالية، ومعاملات الدفع. وأكد المسح الاستقصائي أيضا الحاجة إلى وجود بنية أساسية كافية في مجال تقنية المعلومات وتأمين رأسمال بشري كفء. في هذا المجال، اتخذ عديد من البنوك المركزية مبادرات مهمة لتطوير منصات البيانات الضخمة من أجل تيسير تخزين ومعالجة مجموعات البيانات الكبيرة والمعقدة جدا، لكن مصرف التسويات الدولية يقول إن التقدم المحرز قد تباين، ما يعكس ارتفاع تكلفة هذه الاستثمارات والحاجة إلى مقايضة عوامل مختلفة عند متابعة هذه المبادرات. علاوة إلى ذلك، تحتاج البنوك المركزية إلى توظيف وتدريب الموظفين، وهو أمر صعب بسبب محدودية العرض من المرشحين ذوي المهارات الكافية (مثل علماء البيانات). هناك عديد من التحديات الأخرى، التي تواجه البنوك المركزية، تشمل هذه الأساس القانوني لاستخدام المعلومات الخاصة، وما ينطوي عليه من شواغل تتعلق بحماية الخصوصية، و"عدالة" ودقة الخوارزميات المدربة على مجموعات البيانات، وجودة البيانات، لأن كثيرا من البيانات الضخمة الجديدة، التي يتم جمعها كمنتج عرضي للأنشطة الاقتصادية أو الاجتماعية تحتاج إلى تنسيق قبل إجراء التحليل الإحصائي السليم. هذا يتناقض مع المصادر التقليدية للإحصاءات الرسمية، التي صممت لغرض محدد، مثل الدراسات الاستقصائية والتعدادات السكانية. وإحدى المسائل الرئيسة، التي يطرحها مصرف التسويات الدولية هي ضمان ألا تكون التنبؤات المستندة إلى البيانات الضخمة دقيقة فحسب، بل أيضا "قابلة للتفسير"، من حيث إن تنفيذ سياسات البنوك المركزية القائمة على الأدلة يحتاج إلى تحديد أسباب أو عوامل تفسيرية محددة. وأيضا، فإن شفافية المعلومات، التي ينتجها مقدمو البيانات الضخمة أمر أساسي لضمان إمكانية التحقق من جودتها واتخاذ القرارات العامة على أساس سليم ومعلن بوضوح. أخيرا هناك قيود قانونية مهمة تقلل من هامش فسحة البنوك المركزية عند استخدام البيانات الخاصة والسرية. ويشدد المصرف على أهمية التعاون الدولي في استخدام البنوك المركزية للبيانات الضخمة، ولا سيما من خلال جمع وعرض المشاريع الناجحة، وتيسير تبادل الخبرات لتجنب تكرار أخطاء الآخرين عند إنشاء بنية تحتية في مجال تقنية المعلومات، أو عن طريق تجميع الموارد معا. ويقول إن تطوير المناقشات التقنية بين المؤسسات، إنما هو وسيلة قوية لبناء المهارات اللازمة بين الموظفين وتطوير أدوات وخوارزميات تقنية المعلومات، التي تناسب احتياجات البنوك المركزية الذاتية. ويؤكد أنه يمكن للمؤسسات المالية الدولية أن تساعد على تعزيز هذا التعاون في تطوير معارف البيانات الضخمة الداخلية، ما يقلل من اعتماد البنوك المركزية على مقدمي خدمات البيانات الضخمة، وهو ما قد يكون مكلفا وينطوي على مخاطر قانونية وتشغيلية كبيرة.
مشاركة :