يعد الدكتور محمد جابر الأنصاري أحد كبار رواد الفكر والسياسية في الوطن العربي. وقد غطت كتاباته، ودراساته، وتحليلاته السياسية ورؤاه الفكرية وتنبؤاته مساحات واسعة من صحافة الوطن العربي من خليجه إلى محيطه. تبنى الأنصاري مشروعًا فكريًا وثقافيًا بالغ الأهمية تمثل في دراسة البنية الذهنية والبنية المجتمعية للواقع العربي. كما لامس الخطوط الحمراء أثناء بحثه عن أسباب التأزم السياسي عند العرب، وهي حالة مزمنة أخذت من وقته الكثير، إلا أنه استطاع بفضل جهوده المتواصلة البحث عن جذورها، وهي جذور حساسة تلافاها العديد من المفكرين العرب لأنها تلامس المحظور وتكشف المستور. أمتاز الأنصاري بصدق تنبؤاته التي تم توثيقها في كتب أصدرها عبر سنوات مختلفة. وقد تحققت جميع توقعاته التي قدمها وفق دراسات متأنية، مستندًا في ذلك على بيانات ومعلومات دقيقة، وهي توقعات وتنبؤات تتعلق بوضع بعض الدول ومصيرها من مختلف النواحي. فقد تنبأ في عام 1985 م بتفكك تفكك الاتحاد السوفيتي، وبروز القوة الصفراء المتمثلة في الصين وكوريا، وتم توثيق ذلك في كتابه (العالم والعرب سنة 2000م) الذي صدر فيما بعد، سابقًا بذلك توقعات ريتشارد نيكسون التي ذكرها في كتابه (الفرصة السانحة) الذي صدر بعد توقعات الأنصاري، ليذكر تحليلات وتوقعات سبقه اليها الدكتور الأنصاري. تعد المحاضرة التي القاها في عام 1985م ضمن الموسم الثقافي لإدارة الثقافة والفنون بوزارة الإعلام بنادي الخريجين، من بين أهم محاضراته التي استعرض فيها العوامل التي كفلت لليابان التقدم في شتى المجالات الاقتصادية والعلمية، مؤكدًا على أهمية التجربة اليابانية باعتبارها تجربة ناجحة أثبتت جدارتها، وعلى العرب الاستفادة منها، مبينًا أهم المؤشرات التي أخذت تبدو واضحة في الأفق والمتمثلة في التقارب الصيني - الياباني الذي يمكن أن يمثل أخطر تكتل في العالم بين أوسع كثافة بشرية، وأقوى قوة تكنولوجية في الشرق. تطرق الأنصاري في محاضرته التي القاها بعنوان (العرب أمام التجربة اليابانية والقوة الصفراء)، إلى النهوض الصناعي والحضاري العام لليابان والقوة الصفراء المتمثلة في الصين وكوريا، وفيتنام، ومنطقة الهند الصينية بصفة عامة، مؤكدًا ان القرن الحادي والعشرين سيكون قرن القوة الصفراء، أو قرن «الخطر الأصفر» كما يقولون في الكتابات الغربية عن هذه الظاهرة. وهذه هي القوة تختلف عن القوة البيضاء في مواقفها من العرب من عدة أوجه جوهرية. فهي كما يذكر الأنصاري تلتقي معنا في إطار الرابطة الشرقية، وهي على اتصال حضاري وودي دائم معنا منذ عهود قديمة عن طريق المحيط الهندي وبحر العرب والخليج العربي. وهي لا تحمل ضدنا الرواسب الصليبية والاستعمارية، كما أنها لا تريد السيطرة علينا سياسيًا، أو محاربتنا دينيًا وقوميًا إن تلك المعطيات تعني أن على العرب التعاون مع هذه القوة الشرقية الجديدة المستقلة عن الهيمنة الغربية في معركتهم الحضارية من أجل التقدم، ومعركتهم القومية ضد عدوهم، أو استخدامها على الأقل كقوة توازن وتحييد لضغوط القوة الغربية. توقع الأنصاري أن تكون منطقة الخليج والجزيرة العربية، واجهة التعامل والتفاعل مع منطقة القوة الصفراء لاعتبارات جغرافية واستراتيجية واقتصادية. ومستقبل علاقة هذه القوة مع العرب سيتقرر إلى حد كبير بالكيفية التي سيتفاعل بها عرب الجزيرة والخليج مع المعطيات الحضارية لهذه القوة. إن الرؤى والتنبؤات التي طرحها الأنصاري في ثمانينيات القرن العشرين، لا زالت تؤكد صدق توقعاته وقوة حدسه. وإن المحاضرة التي القاها منذ 36 عامًا حول ما سيحدث في القرن الحادي والعشرين، تصلح لأن تدرس هذه الأيام ونحن نعيش بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. فقد ضمت العديد من النقاط المهمة والأفكار المتقدمة، وإن الأخذ بها يؤدي بالدول العربية إلى تحسين حالها وتقوية اقتصادها.
مشاركة :