منعطف حاد شهدته ساحة الحرب والأزمة في اليمن، قبل أسبوع، من شأنه أن يُعجل من الحسم العسكري للأزمة المحتدمة والنزاع الدامي منذ أكثر من خمسة أشهر، أو يفترض كذلك، بعد التصعيد والحشد العسكري من قبل قوات دول التحالف والحكومة الشرعية اليمنية. بعد الهجوم الصاروخي لميليشيات جماعة الحوثي والمخلوع صالح على تجمع جنود وآليات قوات التحالف في منطقة صافر بمحافظة مأرب، الذي استشهد جراءه عشرات من جنود الإمارات والسعودية والبحرين، بدأت مؤشرات تحول حاد في سير العمليات العسكرية بزيادة وتيرة الغارات الجوية لطيران دول التحالف منذ الجمعة الماضية وتدفق متتالٍ لقوات وآليات جديدة للتحالف إلى محافظة مأرب. وأعقب هذا المنعطف مؤشر حاد، ايضا، تمثل في انتكاسة مسار الجهود المكوكية لمبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ، بعد الكشف عن مغادرة وفدي جماعة الحوثي وصالح للعاصمة العمانية مسقط، الاثنين الماضي، بالتزامن مع تجديد الرئاسة اليمنية وخلفها دول التحالف بضرورة انصياع المتمردين لكل بنود قرار مجلس الأمن الدولي، غير أن عدم الإعلان رسمياً، عن فشل مشاورات مسقط من أي طرف، يُبقي الباب موارباً في سياق الحل السياسي. ووفقاً لرسالة مسربة، صحفياً، بعثها إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى جيفري فيلتمان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، يرى أن الاجتماعات التي عقدت في مسقط كانت تتأثر بالطبع بشدة من جراء التطورات العسكرية في اليمن. ولم تكن قوات التحالف قادرة على إحراز تقدم سريع منذ نجاحاتها في عدن وأبين وشبوة في أغسطس/ آب الماضي. وتشير التطورات على الأرض إلى صعوبات تواجهها قوات التحالف التي تتحرك شمالاً ، وأن هجوماً ناجحاً على صنعاء يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتأني والتخطيط. التصعيد في وتيرة الضربات الجوية على مواقع وتجمعات وتحركات ميليشيات الحوثي وصالح والتركيز على أهداف نوعية في العاصمة صنعاء، سبق وتم استهدافها وبعنف ملحوظ، تزامن مع تدفق نوعي لقوات من دول التحالف مصحوبة بأسلحة متطورة، مع تأكيدات بأن يصل تعداد تلك القوات إلى عشرة آلاف جندي، يتم استقدامهم تباعاً من الدول المشاركة في التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن. ورغم تحرك بعض تلك القوات من مركز التجمع والحشد في محافظة مأرب، باتجاه منطقة بيحان، الأحد الماضي، إلا أنه لا يمكن القول ببدء المعارك البرية فعلياً، بالنسبة لقوات التحالف، فمهمة ضرب قوات المتمردين هناك، من حيث انطلق الصاروخ الذي ضرب صافر، ما زالت منوطة بسلاح الجو، كما في بقية المناطق. وبقراءة لتطورات المشهد العسكري حول صنعاء وفي محافظة تعز وبلدة مكيراس في محافظة البيضاء وبلدة بيحان في محافظة شبوة، وعلى الحدود بين اليمن والسعودية، فإن قرار المعركة الفاصلة، مكاناً وزماناً، يبدو أنه ما زال رهن تقييم بقايا القدرة العسكرية للميليشيات وإمكاناتها على المناورة والحركة ميدانياً، ورهن بقراءة متغيرات المناخ القبلي والاجتماعي في صنعاء وما حولها، ورهن بتقدير دول التحالف ككل ومنفردة لمآلات الوضع فيما بعد الحوثي وصالح، كما أن حسابات البعد الإقليمي والدولي تحضر في المشهد. ورغم تراجع المسار السياسي، وفقاً لما رشح من مشاورات مسقط المعلنة، ونتائج تحركات ولد الشيخ وردود الفعل حيالها وضبابية الموقف الدولي والإقليمي في تلك المشاورات والجهود، والتحضير العملياتي العسكري المتصاعد لقوات دول التحالف العربي في الميدان، إلا أن الاندفاع في المسار العسكري، يبدو، مؤخراً، وكأنه يتجه نحو احتواء ومحاصرة ميليشيات التمرد عسكرياً، قبل المعركة الفاصلة، أو المعارك الأخيرة الفاصلة، بغية أن تكون قصيرة زمنياً وغير مكلفة وبعد تهيئة المناخ المجتمعي والقبلي لنتيجتها النهائية. وكانت العمليات العسكرية البرية لقوات التحالف والشرعية والمقاومة للدحر الفعلي لميليشيات الحوثي وصالح من المدن والبلدات التي سيطرت عليها، بدأت في منتصف يوليو الماضي، غير أنها أوقفت تقدمها عند حدود المحافظات الجنوبية، ما خفض الآمال آنذاك في الاستمرار حتى النهاية عسكرياً. وإن كانت حسابات سياسية وعسكرية واجتماعية، كما يُعتقد، فرضت نفسها على عدم المضي قدماً في عملية الدحر العسكري للميليشيات، فإن تأخير الحسم في تعز والمراوحة العسكرية في بلدة مكيراس وبقاء ميليشيات التمرد في بيحان، لا يُفسر إلا بكونه محاولة لتجميع القوى ودراسة الخيارات الأكثر جدوى من الناحية العسكرية من جانب قوات التحالف والقوات الشرعية، إضافة إلى حسابات سياسية فرضت نفسها فعلاً. وهناك مخاوف إزاء الوضع في الجنوب خصوصاً تجاه وضع أمني وسياسي لم يستقر بعد وفقاً للمآل المبتغى، إذ ما زال الوضع فيها نهباً للفوضى والفراغ الأمني والإداري، إلا من الجماعات المسلحة ومن أدوات إدارة محلية تحمل هي جزء من إرث منظومة حكم المخلوع صالح. وفي المشهد العام ليس بيد صالح وجماعة الحوثي وفقاً للتطورات الأخيرة غير ميليشياتها وما تبقى لديها من عتاد عسكري ما زال يمكنها من المواجهة بعد أن رمت، داخلياً، بآخر أوراقها السياسية عبثاً، وفشلت في محاولة لم شتات بقايا قوى سياسية، بدعوى تشكيل حكومة وحدة وطنية، تزامناً مع تسريب موافقتها على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 والقبول بعودة حكومة رئيس الوزراء خالد بحاح لتصريف الأعمال لمدة ستين يوماً، والتراجع عن العقوبات بحق قياداتها. أمر كهذا لم ينطل على الرئاسة والحكومة الشرعية اليمنية، التي تمسكت بتنفيذ كامل بنود القرار الأممي، كشرط لإيقاف العمليات العسكرية ضد ميليشيات الانقلابيين والمتمردين على الشرعية في البلاد، غير أن الحوثي وصالح، كما يبدو، يراهنان، بمناوراتهما السياسية، على تأثير الامتداد الإقليمي والدولي في المنطقة، الذي يقوم على مصالح الدول الكبرى وحلفائها الإقليميين، وهو أمر يعتقدان ويأملان أنه سيقلل من خسارتهما.
مشاركة :