مصر تصل للاستحقاق الثالث لخريطة الطريق

  • 9/10/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

أخيراً وبعد طول انتظار سيتوجه الناخبون الشهر المقبل إلى صناديق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم في انتخابات أول مجلس نيابي بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث كان من المفترض أن تجرى انتخاباته وفقاً للدستور بحد أقصى قبل عام مضى، حيث كان مقرراً لها مارس (آذار) الماضي وتأجلت نتيجة حكم المحكمة الدستورية، وهو الحكم الذي أربك كل حسابات القوى السياسية، وغيّر خريطة التحالفات الانتخابية بعد أن كانت قد قطعت شوطاً كبيراً من المفاوضات، والمشاورات والاتفاقات، فيما ظل بعضها الآخر يبحث عن شركاء جدد، حتى أعادت اللجنة العليا للانتخابات الروح إلى الحياة السياسية، معلنة انطلاق ماراثون العملية الانتخابية. مجلس النواب الذي جرت الدعوة لانتخابه يتألف من 568 عضواً ينتخبون بالاقتراع العام السري المباشر من بينهم 448 عضواً من المرشحين على المقاعد الفردية و120 مقعداً للقوائم التي يتعين أن يفوز ببعض مقاعدها شباب ونساء وأقباط، كما يحق لرئيس الجمهورية تعيين ما لا يزيد على خمسة في المئة من الأعضاء. وكالعادة بدا أن المرشحين والقوى السياسية والأحزاب تفاجأوا بتحديد موعد الانتخابات، وبدت حركتهم أقرب إلى العشوائية التي يتوقع أن تنعكس على تركيبة البرلمان القادم، وهي التركيبة التي لن يكون فيها أغلبية أو أكثرية حاسمة، حيث من المنتظر أن يعود المستقلون إلى صدارة المشهد النيابي من جديد وخاصة في المقاعد الفردية. ارتفعت سخونة الأجواء السياسية مع بدء انطلاق قطار الانتخابات، وبدا أن هناك 7 قوائم تستعد لتتقدم لانتخابات البرلمان المقبل، وهي: (قائمة في حب مصر قائمة الجبهة الوطنية قائمة صحوة مصر قائمة نداء مصر قائمة التحالف الجمهوري قائمة تيار الاستقلال، وأخيراً قائمة حزب النور)، القائمة الموحدة أو ما يطلق عليه في حب مصر هي أبرز التكتلات الحزبية، وقد طرأت عليها تغيرات وتمت إعادة هيكلة الأسماء المرشحة بها بما يتوافق مع دخول أطراف أخرى، بعدما أعلن رسمياً عن اندماج ائتلاف الجبهة المصرية مع قائمة في حب مصر اللذين أعلنا التوصل إلى اتفاق نهائي على الاندماج، وتشكيل القائمة الوطنية الموحدة، وجاء قرار تحالف الجبهة الذي يقوده الفريق أحمد شفيق، كما صرح بنفسه تلبية لنداء الرئيس السيسي، وفي وقت لاحق عاد ليعلن من جديد عن انسحابه من قائمة في حب مصر بسبب فشل المفاوضات حول نسبة المقاعد التي سيحصل عليها حزبه، بعدما اعترض ممثلو الحركة الوطنية على عدد المقاعد التي خصصت لها، ومن المرجح أنه في حالة عدم الانضمام لقائمة حب مصر أن يتم التنسيق بين الطرفين على الفردي من خارج الأحزاب، وهو ما يعتقد كثيرون أنه يمكن أن يضر بكتلة الأحزاب داخل البرلمان، ولا شك أن مثل هذا التنسيق سيتسبب في زيادة كتلة المستقلين وتمكينهم من معظم لجان مجلس الشعب. وقد تشهد الساعات الأخيرة قبل غلق باب التقدم بالترشيحات تطورات أخرى مماثلة، ولكن المؤكد أن هذه القائمة ستبقى هي الأبرز من بين كل التكتلات الحزبية، ويتبقى خارج هذه القائمة أحزاب التيار الديمقراطي، والتي تضم أحزاب الدستور والكرامة والتيار الشعبي ومصر الحرية والعدل، والتي سبق أن أعلنت رفضها فكرة القائمة الموحّدة لأنها في نظرهم تقتل الحياة الحزبية والمنافسة، ويتمسك التيار الديمقراطي بالتنسيق مع قائمة صحوة مصر، بينما يخوض حزب النور السلفي الانتخابات منفرداً، سواء على القائمة أو الفردي، لرفض معظم الأحزاب التنسيق معه بسبب مرجعيته الإسلامية. ثلاث قوائم فقط حتى الآن سوف تتنافس على أربع قوائم (الصعيد والقاهرة والإسكندرية ووجه بحري) ب120 مقعداً، وهي قائمة حب مصر، وقائمة صحوة مصر وقائمة حزب النور، وباقي التحالفات تتنافس على قائمة أو قائمتين أو أكثر. البرلمان القادم لن يشهد أغلبية أو سيطرة أي حزب، ويمكن أن يشهد ائتلافاً حاكماً يضم عدداً من الأحزاب، والمؤكد أن عدم تشكيل الأغلبية البرلمانية من تيار واحد سيكون له آثاره، التي من أبرزها عدم التوافق على الأولويات والقضايا المهمة التي يفترض بالنواب مناقشتها، والأخطر أن هذه التركيبة المفتتة حسب التوقعات يمكن أن تدخل المجلس الجديد في دوامة خلافات داخلية كبيرة على تشكيل لجان المجلس وانتخاب رئيسه ووكيليه ورؤساء اللجان، والأهم أن مثل هذا التشكيل الفسيفسائي يمكن أن ينعكس سلباً على أهم تحد يواجه المجلس الجديد في أول انعقاد له وهو مناقشة وإقرار المئات من القرارات بقوانين التي أصدرها رؤساء الجمهورية في غياب البرلمان، الأمر الذي قد يؤدي إلى شل أدائه ووصوله إلى حافة أزمة مركبة قد تؤدي لانهياره دستورياً. وفي حالة جاء تشكيل المجلس الجديد من دون وجود أغلبية واضحة أو أكثرية يمكن أن تشكل رمانة الميزان في المجلس، فإن التحدي الأول أمام تشكيلة مجلس النواب القادم سيتمثل في تشكيل الحكومة، حيث تنص المادة (146) من الدستور على أن يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً، عُد المجلس منحلاً ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل. وفي جميع الأحوال يجب ألا يزيد مجموع مدة الاختيار المنصوص عليها في هذه المادة على تسعين يوماً. أخطر الاحتمالات التي تواجه مصير المجلس الجديد يأتي من القوانين الثلاثة التي نظمت انتخاب المجلس، وهي قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية. فهذه القوانين التي استغرق إصدارها أكثر من عام، وسبق أن تعرضت لقبول طعون عليها من المحكمة الدستورية العليا وتمت إعادة صياغتها وفق حيثيات الأحكام التي صدرت بعدم الدستورية، لا تزال بعض موادها تحمل، بحسب آراء معتبرة من عديد من المتخصصين، عواراً دستورياً يمكن أن يكون محلاً لطعون دستورية جديدة عليها أمام المحكمة الدستورية العليا. تأتي الانتخابات البرلمانية في ظل تراجع السياسة إلى خلفية المشهد المصري، بعد سنوات من الغليان والفوران والحضور الطاغي لمجموعات جديدة دخلت المجال العام وأثرته وأثرت فيه بدرجات متفاوتة، ثم انكمشت هذه المجموعات بعد الكثير من المتغيرات التي جرفتها مياه النهر، كما تأتي هذه الانتخابات وحالة الأحزاب السياسية يرثى لها، القديم منها قارب على الانهيار وشهد انقسامات وتنافسات تهدد قدرة هذه الأحزاب على الاستمرار في الحياة السياسية بفاعلية، والجديد من الأحزاب طالتها أيدي العبث وتحكمت فيها نفس الأمراض التي عانتها الأحزاب القديمة طويلاً. حالة التصدع التي تعانيها الأحزاب قديمها وجديدها لا شك سوف تلقي بظلالها على الانتخابات المقبلة، خاصة أن حزب الوفد الليبرالي أقدم الأحزاب المصرية فقد تماسكه السياسي وخفت بريقه في حمأة صراعاته، ولم يعد حزب التجمع ممثلاً حقيقياً لليسار المصري، كما كان في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، والحزب الناصري يكاد ينزوي في مؤخرة الصورة على خشبة المسرح السياسي، رغم أنه في سنواته الأولى بدا مرشحاً لاحتلال مكانة متقدمة في الحياة العامة، ووسط الحملة المنهجية ضد الأحزاب والحزبية برزت المشكلة الأعمق التي تمثلت في أن الذين تمردوا على حزب اليسار لم يطرحوا بديلاً يلهم قوى اليسار، ولا الذين خرجوا عن أحزاب اليمين المتهالكة نجحوا في بناء قوة سياسية تحظى بالاحترام. هذه المعطيات السالف ذكرها تؤشر إلى أن تشكيلة البرلمان القادم بها نسبة كبيرة من بقايا الحزب الوطني من 35% إلى 40% سيعيدون إنتاج أنفسهم من جديد من داخل العديد من القوائم، والترشيحات الفردية كمستقلين، بينما يبقى حزب النور السلفي يلعب منفرداً، ويتوقع أن يحصل تقريبا على 15% من المقاعد. ولا شك أن قيادات الصف الأول والثاني من الإخوان لن تغامر بخوض غمار الانتخابات، ولكن تبقى احتمالات بأن يفعل ذلك متعاطفون مع الإخوان، وقد كان صادماً ما أطلقه وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم من أن الجماعة قد تتقدم بمرشحين من خلاياها النائمة تحصد أي انتخابات نيابية، وهي التصريحات التي عاد وصححها في اليوم التالي، ولكنها كانت قد تركت أثرها. اللاعب الرئيس في الانتخابات المقبلة هو المال السياسي، وسوف تكون نتيجة المعركة الحقيقية بين رؤوس الأموال التي خصصت للمعركة الانتخابية وهي بالضرورة سوف تؤثر بدرجة كبيرة في نتائج الانتخابات.

مشاركة :