أزمة الرقائق الإلكترونية تعصف بالاقتصاد الرقمي! خاص - «أخبار الخليج»: تُعتبر أشباه الموصلات، التي لا نشاهدها عادةً في حياتنا اليومية، العنصر الأساسي في جميع الأجهزة والبنى التحتية الحديثة، بدءاً بشبكات المرافق العامة مروراً بخدمات الاتصالات للأعمال والأفراد وانتهاء بشبكات النقل الذكي والمدن الذكية والصناعات الخفيفة والثقيلة وغيرها. كما أنها جزء أساسي من استثمارات شبكات الجيل الخامس التي ترسم حالياً معالم مستقبلنا الرقمي وتسهم في نمو وتطوير مختلف أعمال القطاعات والصناعات. يواجه الاقتصاد العالمي اليوم تحديات كبيرة بسبب النقص في إمدادات الرقائق الإلكترونية، إذ أصبحنا على مشارف أزمة خطيرة أطلق عليها البعض اسم (chipageddon) «كارثة الرقائق الإلكترونية»، إذ طلبت الشركات التي تنتج أشباه الموصلات من عملائها مؤخراً أن ينتظروا بعض الوقت حتى يتم تلبية طلباتهم بسبب ازدياد الطلب على أشباه الموصلات في جميع القطاعات الرئيسية. وتفاقمت الأزمة في 2020 بسبب تفشي جائحة كورونا، إذ أغلقت العديد من المصانع، بينما تزايد الاعتماد على أجهزة الكمبيوتر أكثر من أي وقت مضى في ظل التوجه للدراسة والعمل والتسوق من المنزل. وعلى الرغم من أن شركات تصنيع الرقائق تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، فإن رئيس شركة «ايه ام دي» لأشباه الموصلات أشار إلى أن النقص في الإمدادات ناتج عن التركيز على حل مشكلة الطلب المتزايد بدلاً من معالجة مشاكل التصنيع. كما اعتبر المسؤولون في شركة «كوالكوم»، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع رقائق الهواتف المحمولة في العالم، أن سبب الأزمة هو اعتماد القطاع التقني على عدد قليل من الشركات. وحددت شركة «ريستو بوهاكا» للأبحاث السبب بشكل واضح، حيث قالت إن صناعة أشباه الموصلات بأكملها تعاني من «نفاد المخزون الاحتياطي في الوقت الحالي» بسبب نمو الطلب على مدار العام الماضي على الرغم من الاستثمارات الكبيرة. لكن الأمر لا يقتصر على مشكلة ازدياد الطلب، إذ إن القيود المفروضة على تجارة الرقائق الإلكترونية، ولا سيما سياسات الولايات المتحدة تجاه الشركات الصينية تحت ذريعة الأمن القومي، هي واحدة من الأسباب الأساسية لأزمة الرقائق. وتم إدراج عمالقة شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي على قائمة العقوبات الأمريكية التي تمنعها من شراء الرقائق التي تحتاج إليها لتصنيع الهواتف الذكية وتجهيزات الاتصالات من الموردين الأمريكيين. كما فرضت إدارة ترامب المزيد من القيود لمنع أي شركة تستخدم المعدات الأمريكية من تزويد هواوي بالرقائق. ونتيجة هذه السياسات سعت الشركات الصينية في العام الماضي إلى التغلب على الحظر التقني المفروض، ما أدى إلى تزايد واردات رقائق الكمبيوتر على مدار العام. ووفقاً لشركة «بلومبرغ»، أنفقت الشركات الصينية في العام الماضي ما يصل إلى 32 مليار دولار لشراء التجهيزات التي تستخدم في إنتاج الرقائق الإلكترونية من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها بزيادة وصلت إلى 20% مقارنة بعام 2019. وفي الوقت الذي قامت بعض الشركات مثل هواوي بتخزين إمداداتها من الرقائق بسبب العقوبات الأمريكية، وصلت نسبة الرقائق الإلكترونية من واردات الصين الإجمالية إلى 18% في العام الماضي. وأشارت جمعية SEMI العالمية التي تقدم خدماتها لسلسلة التوريد لتصميم وتصنيع الأجهزة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم إلى أن لوائح الرقابة على الصادرات الأمريكية «تقوض» مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال الإضرار بصناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وسلسلة التوريد لأشباه الموصلات، فيما تواجه الشركات التقنية والحكومات الغربية العديد من الصعاب بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركات الصينية. وقالت صحيفة «فاينانشال تايمز» إن العديد من مسؤولي الشركات التقنية والدبلوماسيين الأوروبيين يعتبرون أن الهدف من العقوبات الأمريكية هو إبعاد الشركات الصينية عن السوق، فيما اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات تنطوي على المراوغة, حيث سمحت لبعض الشركات الأمريكية بالتعامل التجاري مع بعض الشركات التقنية الصينية من خلال استثناءات لم تمنح مثلها للشركات الغربية. من الواضح أن النتائج الاقتصادية الإيجابية لنجاح الشركات الصينية هي السبب الحقيقي وراء القيود التجارية وليس الأمن القومي، فقد نُقل عن المدعي العام الأمريكي ويليام بار قوله إن بعض الشركات الخاصة في الولايات المتحدة لا تبذل ما يكفي من الجهود للحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في المجال التقني. وقال بار إن الولايات المتحدة كانت في السابق «رائدة التكنولوجيا على المستوى العالمي»، ولكن الصين حققت العديد من الإنجازات التقنية التي تؤهلها لتحل مكانها. وعلى الرغم من السياسات التجارية الأمريكية الصارمة مع الصين القائمة حالياً والتي سنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، فإن الصين تمكنت من إيجاد بدائل لصناعة أشباه الموصلات التقليدية. وأعلنت الحكومة الصينية في مارس استراتيجية اقتصادية تمتد على مدار خمسة أعوام تهدف إلى تعزيز الاعتماد على الذات في القطاع التقني بما فيها صناعة أشباه الموصلات. وضاعفت الشركات الصينية مثل الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات مشترياتها من الآلات اللازمة لتصنيع الرقائق الإلكترونية. كما قام المارد الصيني هواوي ببناء أول مصنع محلي لتصنيع الرقائق الإلكترونية وتخطط الشركة لإنشاء مصنع آخر في شانغهاي. من المرجح أن تعاني البحرين والدول الأخرى من النقص الحالي في إمدادات الرقائق على المستوى العالمي. وستؤدي القيود المفروضة على التجارة الحرة إلى الحد من مستوى العرض على الرقائق أياً كانت الأسواق المصدرة. وباعتبار أنه لا توجد شركات محلية لتصنيع أشباه الموصلات أو الرقائق الإلكترونية، في الوقت الذي وضعت فيه البحرين العديد من الخطط الطموحة لإنجاز التحول الرقمي من أجل تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالاعتماد على الحلول الذكية والأجهزة المتصلة، قد لا يمكن تحقيق هذه الطموحات كما هو مخطط له إذا لم تتوافر الرقائق الإلكترونية اللازمة لتشغيل الأنظمة الرقمية الداعمة لأعمال القطاعات والصناعات وخدمات الأفراد. وفي ظل انعدام الحلول الناجعة لأزمة الرقائق الإلكترونية الحالية ريثما تقر إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن سياساتها التقنية وتعاملاتها التجارية مع الصين، تبرز أهمية التجارة المفتوحة والتعاون الدولي لتمكين الحكومات والشركات من توفير خدماتها بكفاءة أكبر لعالم يعتمد على التقنيات الرقمية بشكل متزايد.
مشاركة :