صدرت روايتة جديدية “التطاونيات”، والتي تتبعتم بعض من حلقاتها أيام الحجر. قامت بتقديم هذه الرواية العالمة التطاونية، الأستاذة حسناء محمد داود. وجاء في تقديم رواية “التطاونيات” بقلم الأستاذة حسناء محمد داود: عرض علي الدكتور الفاضل السيد عبد الوهاب إيدالحاج أن أكتب مقدمة لروايته التي بين يدي الآن، والتي تحمل عنوان “التطاونيات” …، والحقيقة أنني إنما وافقت على طلبه لسببين اثنين، هما اللذان جعلاني أقبل عرضه ولو قبل اطلاعي على محتوى الكتاب أصلا؛ أولهما أنني أحس بنوع من الإعجاب كلما لاحظت اهتماما بالكتابة الأدبية والتاريخية عند من يسبح في عالم العلوم والتقنيات، أو من يحوم في فضاء الطب أو الرياضيات، وذلك لما يعنيه الأمر من حس أدبي جميل، ومن فكر وخيال خلاق لدى كاتب هذا الأثر الأدبي، مما يدحض فكرة التزام الفرد بنوع من التوجه الذي يُلزمه أن لا يحيد عن نطاق معين يقيد به أو فيه نفسه. السبب الثاني أن فكرة إطلاق الدكتور إيدالحاج عنوان “التطاونيات” على روايته، قد أثار عندي جملة من التساؤلات، وكذا نوعا من الفضول لمعرفة مغزى هذا العنوان، وإلى أي مدى استطاع الكاتب أن يغوص في مجتمع “التطاونيات”، حتى يكتب عنهن رواية تحمل اسمهن كعنوان بالخط العريض …. هكذا إذن وعلى بركة الله، أقبلت على رواية “التطاونيات”، أقرأها بتمعن وعناية، فإذا بي أغور في دروب تطوان، أتجول بين معالمها، أشم عبير دروبها وأزقتها، أسمع أحاديث صناعها وحرفييها، وأطلع على خبايا بيوتها المليئة بالأسرار وبقايا الإرث الأندلسي الجميل ….، وبطريقة ذكية من الكاتب، وجدت نفسي أتفاعل مع الأحداث، حيث أغمضت عيني لأعيش معه أمسا لمست فيه نكهة التاريخ البعيد والقريب، تاريخ هذه المدينة التي انحدرت من أصل رفيع راق، ومن حضارة أصيلة عريقة، نكهة تذكرني بغرناطة وبينيار والمنظري والست الحرة …. ، ثم تصاحبني عبر القرون لتحط بي الرحال عند أبواب القرن العشرين، هذا القرن الذي ارتبط فيه تاريخ أبناء تطوان مع أبناء شبه الجزيرة الإيبيرية من جديد، لأتوقف عند الوجه الحديث لهذه المدينة، وألاحظ توسعها عبر شوارع “الإنسانتشي” وما احتواه من قاعات للأنشطة الثقافية والعروض المسرحية والسنيمائية، وأسجل ازدهار حي “لونيطا” بما احتواه من محلات التجار الهنود الذين تفننوا في عرض سلعهم الرفيعة من ثياب وتحف وعطور وغيرها….، علما بأن الوجود الأجنبي في تطوان، قد حمل في طياته إلى جانب إيجابياته، سلبيات لم يعلم بها إلا من عانى من ويلاتها بما لقيه من معاملة صادرة عن المستعمر الغاصب للحريات. وفي هذا الخضم من الأحداث، يغوص الكاتب داخل البيوت، ويجعل قارئ الرواية يركز اهتمامه على أسرة معينة هي أسرة “سي سلام”، وعلى نسائها “التطاونيات”، فطومة، وحليمة والزاهية وفامة وغيرهن …، ليمحور الحبكة حول قضية اختفاء فطومة بالذات !!! وليسير بالقارئ في سلسلة من الوقائع التي تعددت فيها الشخصيات التطوانية والإسبانية، وتوالت فيها الإشارات إلى مواضيع أو أمكنة كانت وما زالت مثار جدال وتساؤلات من طرف متتبعي التاريخ الحديث للمدينة، وذلك نظرا للغموض الذي يحوم حول حقيقتها والهدف من وجودها أصلا، مثل معتقل “دار بريشة” المعروف، والذي كان له دور كبير في موضوع اختفاء بطلة الرواية “فطومة”، خاصة وأنها المرأة المثقفة المهتمة بالمخطوطات والوثائق، والعاملة على العناية بها وحفظها من الضياع، إضافة إلى ما صاحب أمر اختفائها من ملابسات كان للقنصلية والشخصيات الإسبانية (مثل ماريا أنخليس وكارمن وأنطونيو …) فيها دور ملحوظ. وخلال سرد الوقائع، ومع تراكم الأحداث وتوالي الأخبار المتعلقة بكل شخصية من الشخصيات الرئيسية في الرواية، يبرز لنا الكاتب دور المرأة “التطاونية” التي كانت وما زالت حاضرة في قلب المعارك النضالية والبطولية التي خاضها الشعب المغربي ضد الاستعمار، والتي تزعمت حركة النهوض بزميلاتها، وطالبت بإدماج الفتاة المغربية في الحياة العصرية، وبمتابعتها لدراستها في الإعداديات والثانويات والجامعات، حتى أصبحت رمزا من رموز النضال النسائي المتعدد المجالات، في مجال الكتابة والصحافة والعمل الاجتماعي النافع، بل وحتى في بعض مناصب القرار السياسي والإداري. وتتعقد الحبكة وتتوالى التوقعات عند قارئ الرواية، إلى أن تنحل عقدتها في النهاية بما لم يكن في الحسبان، مما يساير به الكاتب أحداثا تصور في الحقيقة ما نعيشه حاليا من مظاهر ما زالت مؤكدة للاندماج الذي يربط بين بلدين (المغرب وإسبانيا) …، شاء الله أن يتجاورا، وأن تلتحم مصالحهما ببعض إيجابا وسلبا. وختاما أترك للقارئ فرصة الاطلاع على أسرار هذه الرواية، والغوص من خلالها في حياة “التطاونيات”، كما أهنئ الدكتور عبد الوهاب إيدالحاج على توفقه في سبك فصولها وسرد أحداثها، معتنيا في كل ذلك بإبراز خصوصيات هذه المدينة التي تضم بين جنباتها الكثير من الأسرار. وبالله التوفيق. حسناء محمد داود. فهنيئاً لنا بهذا المولد الجديد، ونتمنى للدكتور عبد الوهاب ايد الحاج النجاح والتألق في مسيرته الفكرية والثقافية والعلمية.
مشاركة :