أزمة المهاجرين في أوروبا، أطلقت روح كراهية قبيحة نحو الأجانب، وأظهرت للعيان الشلل السياسي في الاتحاد الأوروبي، وألحقت العار بالقارة بشكل عام. أما بالنسبة إلى الألمان، فقد وفّرت فرصة للنظر في المرآة والإعجاب بما يرونه. آلاف اللاجئين الذين ترجّلوا من القطارات في ميونخ وفرانكفورت في الأسابيع الماضية، استقبِلوا بالتصفيق وهدايا الحلويات من المتطوعين والمسؤولين، الذين تدبّروا نقلهم بسرعة إلى مراكز الاستقبال. المزاج السخي قابلته استجابة حنونة من الحكومة، التي سمحت لـ 22 ألف لاجئ بعبور حدودها في عطلة نهاية هذا الأسبوع؛ أكثر مما تعهدت بقبوله المملكة المتحدة على مدى الأعوام الخمسة المُقبلة. بالنسبة إلى البعض، فإن المشاهد في محطات السكك الحديدية الألمانية تحمل إيحاءات بالخلاص التاريخي. أرنولف بارينج، المؤرّخ الألماني المُحافظ، كتب في صحيفة بيلد الشعبية هذا الأسبوع "حتى إذا لم يكُن هناك أحد يريد ذكر هذا، فإن الخير الذي نصنعه، يجب أن يُنظر إليه فيما يتعلّق بالجرائم التي بدأناها". بالنسبة إلى كثير من الألمان، فإن الشفقة البادية للعيان هي علامة على ألمانيا المُتغيّرة؛ الراسخة اقتصادياً والواثقة بمكانتها في أوروبا، وليس الأمة التي يُطاردها الشعور بالذنب. قالت أستريد زيبارث، مختصة الهجرة في صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة "بين الجيل الأكبر سناً هذا قد يكون صحيحاً، لكن لا يوجد أي واحد من جيل الشباب يرى التزاماً أخلاقياً بسبب ماضيهم. يشعر الناس أنه وضع جيد في ألمانيا. فهم يُريدون المساعدة ومشاركة ما يملكونه. كان هناك كثير من القلق في التسعينيات، لكن الناس يشعرون بالاستقرار الآن". يتحدث بعض المراقبين عن "جيل ميركل" - أي مجموعة من الألمان الشباب السعداء، الذين يشعرون بالرخاء وعلى استعداد لمساعدة الأقل حظاً. صورة ألمانيا الحنونة والخيّرة هي نقيض لأزمة الديون اليونانية، وهي دراما أوروبية أخرى غالباً ما كان يتم تصوير ألمانيا فيها بأنها شريرة ضيّقة الأفق غير مُكترثة. كما أنها أيضاً بمثابة تحوّل من التسعينيات، آخر مرة وصل فيها لاجئون إلى ألمانيا بهذه الأعداد الكبيرة، وغالباً ما كان يتم استقبالهم بأعمال شغب مُعادية للأجانب. يتذكّر أولريش كوبر، مدير برنامج التكامل في مؤسسة بيرتلسمان "الأمر المُخيف لم يكُن أعمال الشعب نفسها، لكن الناس؛ المواطنون العاديون الذين وقفوا وراءهم وأشادوا بأعمالهم". العنف من التسعينيات له صدى في الوقت الحاضر في سلسلة من نحو 200 هجوم على ملاجئ طالبي اللجوء، من الحرق إلى رسم الصليب المعقوف، في النصف الأول من هذا العام. هذه المرة، الاستجابة من السياسيين والشعب كانت ثابتة. المستشارة أنجيلا ميركل، عند زيارة هليديناو، حيث اشتبك النازيون الجُدد أخيراً مع الشرطة خارج أحد ملاجئ اللاجئين، أدانت المُتطرّفين اليمينيين. يقول كوبر "لقد تغيّر المناخ. الشكوك السياسية المُتعلقة بالهجرة نفسها راسخة بعمق في السكان (في التسعينيات). الآن القادة السياسيون يتعاملون مع هذا بطريقة إيجابية (نستطيع تدبّر الأمر)". مع معدل البطالة في ألمانيا البالغ 6.4 في المائة، فإن بعض رجال الأعمال أيضاً يحتضنون الوافدين. ديتر زيتشه، الرئيس التنفيذي لشركة ديملر، أعلن هذا الأسبوع أن اللاجئين الشباب والمُتعلّمين هم "تماماً من الناس الذين نبحث عنهم". منذ الخمسينيات، عند وصول أول "العاملين الضيوف"، إلى ألمانيا الغربية في ذلك الحين، جرت إعادة تشكيل الخليط العِرقي من قِبل الهجرة. خُمس عدد السكان الآن لديهم قدر من تراث المهاجرين. وعديد من الألمان الجُدد هؤلاء قد تطوّعوا للمساعدة. قالت مانيويلا ليسج، وهي متطوعة في محطة قطارات ميونيخ "هناك كثير من الناس هنا من دول البلقان الذين لديهم شعور هائل من التضامن". الشعبويون اليمينيون يحاولون الاستفادة من تدفّق المهاجرين. يوم الإثنين في ميونيخ، انضم نحو 200 شخص في مسيرة بقيادة مجموعة بيجيدا "المناهضة للأسلمة". المسيرة كانت بمثابة مسألة مُفكّكة. أحد المتحدّثين اشتكى قائلاً في يأس "إننا لن نصل إلى أي مكان" ما لم يخرج مئات الأشخاص الآخرين، وهو أمر محل شك كبير.
مشاركة :