باتت السعودية سادس دولة في مجموعة العشرين التي تمكنت من الاستدانة بالفائدة السالبة، لتنضم بذلك إلى دول أوروبية وآسيوية نجحت في تحقيق ما أنجزته السعودية مع إصدارها المقوم باليورو، الذي يتداول حاليا في السوق الرمادية قبيل الإدراج المنتظر في بورصة لندن، وذلك بعد أن تتم تسوية الإصدار اليوم. وعند تقييم مدى نجاح دول مجموعة العشرين في الاستدانة بالفائدة السالبة، يظهر مسح وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية" أن السعودية بإصدارها الثاني البالغة قيمته 1.5 مليار يورو انضمت إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والصين وكوريا التي نجحت من تحقيق الهدف ذاته، أي أن المستثمرين يدفعون لهم من أجل أن يستدينوا بعملة اليورو. في حين يظهر الرصد عدم نجاح محاولات تسع دول من مجموعة العشرين من بينها روسيا، لا تزال تستدين بالفائدة الموجبة عبر عملة اليورو. واعتمد الرصد على إصدارات عملة اليورو لدول مجموعة العشرين وتم تجاهل إصدارات الجهات السيادية المتعثرة. على الجانب الآخر، حصلت "الاقتصادية" على التفاصيل الفنية الدقيقة لتسعير الشريحتين المزدوجتين لعملة اليورو، حيث اتضح العائد السلبي لشريحة ثلاثة الأعوام يبلغ -0.057 في المائة، حيث تشير علامة السالب إلى الفائدة السالبة، أما عن شريحة تسعة الأعوام فوصل عائدها إلى 0.625 في المائة. وعما إذا كانت السعودية تنوي استخدام متحصلات الإصدار من أجل سداد التزامات مالية بعملة اليورو على الجهة السيادية أو الشركات الحكومية، بينت مصادر حكومية مطلعة لـ"الاقتصادية" أن متحصلات إصدار السندات المقومة باليورو ستستخدم لأغراض خاصة بالميزانية العامة للدولة لهذا العام. وبخصوص ما ذكره مصرفيون، أن السعودية فضلت الحصول على تسعير أفضل على حساب زيادة حجم الإصدار وهي استراتيجية إيجابية تنتهجها جهات الإصدار من أجل تحقيق وفرة في تكاليف التمويل لخزائنها، أوضحت المصادر أن حجم الإصدار كان بمنزلة أفضل نتيجة يمكن الحصول عليها التي أسهمت في تأمين احتياجات التمويل وتوسيع قاعدة المستثمرين بتكلفة عادلة. أما على صعيد الأسواق الناشئة، فقد أظهر مسح "الاقتصادية" بالشراكة مع منصة "بوند إي فاليو" المالية الخاصة بتتبع أسعار أدوات الدخل الثابت، أن السعودية أصبحت رابع دولة في الأسواق الناشئة التي انضمت إلى مصاف دول سالبة العائد. وعلى الرغم من تفاوت المصادر التي تحدد العدد الفعلي للدول المنضوية تحت اسم الأسواق الناشئة أو الصاعدة، فإن هناك إجماعا على أن تعداد تلك الدول يراوح بين 38 و45 دولة، ضمنها دول الخليج وروسيا والصين وكوريا والهند. وأسهمت ندرة الإصدارات السعودية باليورو في جعل المستثمرين الأوليين يتمسكون بتلك الأوراق المالية على الرغم من ضخامة حجم الإصدار الأول في 2019، الأمر الذي أثر بشكل طفيف في سيولة تلك الأوراق المالية في الأسواق الثانوية. وعليه، من المنتظر أن يسهم الإصدار الثاني في زيادة المعروض من تلك الأوراق المالية الأمر الذي يعزز احتمالية أن تستمر السندات الثلاثية في تعميق تداولاتها الثانوية تجاه عمق الفائدة السالبة، وفقا لتحليل "الاقتصادية". استدانة بتكلفة أقل من الدولار استغلت المملكة السندات المقومة باليورو للمرة الثانية منذ يوليو 2019، عندما باعت ثلاثة مليارات يورو "3.4 مليار دولار" بآجال تنتهي في 2027 و2039، بعد تلقيها طلبات بقيمة 14.5 مليار يورو. ويظهر رصد "الاقتصادية" أن عائد شريحة ثلاثة الأعوام يعد أقل عائد تم تسجيله في تاريخ إصدارات السعودية الدولية المقومة بالعملات الصعبة، ويقوم افتراض "الصحيفة" باعتبار استخدام متحصلات الإصدار المقومة باليورو وتوجيهها نحو أغراض مقومة بعملة الإصدار نفسها، وذلك من دون الحاجة إلى استبدال عملة الإصدار بعملة أخرى. أما بخصوص الإصدار الثاني للسندات المقومة باليورو، وكون السعودية تنوي التحوط من عملة اليورو عبر الدخول في عقود استبدال عملة اليورو "القادمة من متحصلات الإصدار" بعملة الدولار، ذكرت لـ"الاقتصادية" مصادر حكومية قريبة من ملف الإصدار الحديث أن أولوية جهة الإصدار تكمن في إدارة مخاطر السوق الخاصة بمحفظة الدين، وذلك عبر التحوط الطبيعي الذي يشتمل على الانكشاف على أسعار الفائدة و /أو أسعار صرف العملات الأجنبية. وكشف رصد سابق للصحيفة عن إصدارات الدول في الأسواق الناشئة، أن بعض تلك الاقتصادات التي تربط عملتها بالدولار ولا تكون لديها التزامات قائمة باليورو، تقوم بالاستعانة بعقود تسمح باستبدال متحصلات إصدار السندات المقومة باليورو إلى عملة الدولار، في خطوة تقود إلى ارتفاع تكاليف الإصدار. وأحد المصرفيين في البنوك التي رتبت إصدار اليورو الأول للسعودية في 2019، أكد لصحيفة "جلوبل كابيتال" البريطانية "أن السعودية لديها التزامات باليورو ولن تدخل في عقود استبدال عملة اليورو القادمة من متحصلات الإصدار بعملة الدولار المعروفة بـeuro-dollar swap. ويعد وجود "التزامات liabilities لليورو" مماثلة لحجم إصدار سندات اليورو أمرا إيجابيا، لثلاثة أسباب، أولها أن ذلك يعد بمنزلة التحوط الطبيعي، نظرا إلى تجنيب المملكة مخاطر أسعار الصرف بين اليورو والدولار، لوجود تدفقات نقدية باليورو من جراء الالتزامات التي أنشأتها السعودية. في حين يكمن الأمر الثاني في أن عدم الاستعانة بهذه العقود يعني حدوث وفرة في تكاليف الإصدار، حيث إن إيجاد التزامات باليورو يعني أن تلك الالتزامات قد تكون على شكل استثمارات متوقعة للحكومة أو صناديقها في القارة الأوروبية أو مدفوعات مقومة لليورو أو حتى مشاريع. وأسهم الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال وقت الإصدار في إضفاء مزيد من الدعم على الائتمان الخاص بالأوراق المالية المقومة باليورو. وتشهد سندات اليورو إقبالا كبيرا بسبب التكاليف المنخفضة نسبيا والقاعدة الضخمة من المشترين في أوروبا الذين يبحثون عن عوائد خارج منطقتهم. وأثر ضعف عملة اليورو مقابل الدولار خلال هذا العام، مع تباطؤ المنطقة في طرح برنامج اللقاح، في احتمالات حدوث انتعاش اقتصادي مقارنة بنظيراتها، وساعد ذلك على جعل عملة اليورو عملة جذابة لتمويل الأسواق الناشئة. ويكثر الطلب حاليا على أدوات الدين الدولارية الصادرة من السعودية وقطر وأبوظبي والكويت، التي تمتاز جميعها بإرتفاع تصنيفها الائتماني الذي يجعلها أقرب إلى الملاذات الآمنة في نظر البعض، إضافة إلى العائد المتميز الذي يأتي في وقت وجد فيه مستثمرو الدخل المتخصصون في الأسواق الناشئة والمتقدمة أنفسهم بين خيارات عدة كالاستثمار في السندات السالبة أو المغامرة مع سندات الدول والشركات التي تعرف بسندات الخردة التي تمتاز بالعائد المرتفع ومخاطر عدم السداد المحتملة بسبب انخفاض درجة التصنيف الائتماني لجهة الإصدار لما دون الدرجة الاستثمارية "sub-investment grade". أهمية مؤشرات القياس مع إصدار اليورو يتم تسعير معظم أدوات الدين المقومة باليورو عبر الاستعانة بمؤشر قياس، وهو مؤشر متوسط عقود المبادلة المعروف بـ Euro Mid-Swap، وذلك مع الأسعار الاسترشادية لكل شريحة، التي تم تقليص هوامشها الائتمانية على ثلاث مراحل. وتتداول بعض آجال هذا المؤشر بالفائدة السالبة "مقارنة بنظيره الدولاري"، حيث دخلت عوائد هذا المؤشر مع التسعير النهائي للسندات السعودية، وذلك بعد أن تمت إضافة "هوامش الائتمان" إلى كل شريحة. وأظهر الرصد أن "مؤشر متوسط عقود المبادلة " المقوم باليورو" يقف عند الفائدة السلبية لثلاثة أعوام "-0.45" و"-0.08" نقطة أساس لتسعة أعوام، بحسب إغلاقات اليوم الأول من شهر مارس الحالي. وعندما تبدأ عملية بناء الأوامر الخاصة بالإصدار، يلتفت المستثمرون إلى عاملين، أولهما هو هوامش الائتمان spreads الخاصة بجهة الإصدار وثانيهما هو معدلات مؤشر القياس، وذلك وفقا لآجال الاستحقاق المستهدفة. وعندما يتم دمج هذه الأرقام أي "هوامش الائتمان" مع "مؤشر القياس" يتم الحصول على العائد النهائي المعروف بـyield، وذلك عندما يغلق الإصدار، مع العلم بأن هوامش الائتمان تمر بثلاث جولات للأسعار الاسترشادية قبل أن يتم تقليص تلك الأرقام مع كل جولة، وذلك بحسب حجم إقبال المستثمرين على الإصدار. الجانب التسعيري استهلت السعودية الأسعار الاسترشادية بالجولة الأولى للشريحتين المزدوجتين بـ60 نقطة أساس للسندات الثلاثية و90 نقطة أساس للسندات التسعية، إلا أنه في الجولة الأخيرة من مراحل التسعير تم تقليص الأسعار الاسترشادية للهوامش الائتمانية لتبلغ 40 نقطة أساس للشريحة الثلاثية و70 نقطة أساس للشريحة التسعية. وبعد دمج تلك الهوامش الائتمانية مع مؤشر القياس، تقلصت قيمة مدفوعات الفائدة للمملكة بعد ظهور نتيجة عوائد الدفعات الدورية، حيث اتضح العائد السلبي لشريحة ثلاثة الأعوام يبلغ -0.057 في المائة، حيث تشير علامة السالب إلى الفائدة السالبة، أما عن شريحة تسعة الأعوام فقد وصل عائدها إلى 0.625 في المائة. وامتزجت الاستراتيجية التسعيرية بالجسارة مع هذه الشريحة بعد أن تم ضغط الهوامش الائتمانية لمستويات استثنائية، وهذا مؤشر في حد ذاته على ثقة المستثمرين بجودة الجدارة الائتمانية للمملكة. والمملكة حاصلة على تصنيف "A1" وهذا التصنيف يعد خامس أعلى تصنيف من بين درجات التصنيف التي يصل تعدادها إلى 24 درجة، وتكمن أهمية التصنيفات الائتمانية في أنها تتيح للمستثمرين مقارنة وتقييم جودة الإقراض لمُصدري السندات، إضافة إلى تحديد نطاق الهامش الائتماني لجهة الإصدار. واستندت تحليلات وحدة التقارير حول التسعير بشقيه المتعلقين بالهوامش الائتمانية والعوائد النهائية للإصدار المزدوج للسعودية على عدة مصادر بيانية متخصصة في أدوات الدخل الثابت، كمنصة "بوند إي فاليو" المالية الخاصة بتتبع أسعار أدوات الدين ونظيرتها "سي بوندز" Cbonds وكذلك منصة "ريد" REDD المتخصصة في التحليلات المتعمقة عن أدوات الدخل الثابت في الأسواق الناشئة، وأخيرا منصة IHS Markit للخدمات المالية التي تعد واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري. وأعلن المركز الوطني لإدارة الدين الأسبوع الماضي الانتهاء من استقبال طلبات المستثمرين على إصداره الدولي الثاني للسندات بعملة اليورو، ضمن برنامج حكومة المملكة العربية السعودية الدولي لإصدار أدوات الدين. وقام المركز بالإعلان عن الإصدار في صباح يوم الأربعاء 24 فبراير 2021 وإغلاقه في اليوم نفسه، تماشيا مع تنفيذ إصدارات السندات السيادية الأوروبية والسماح بجذب أقصى طلب من المستثمرين. وقال المركز "إنه قام باستغلال الفرصة لدخول سوق اليورو الأوروبي "ثانية أكبر سوق بعد سوق الدولار الأمريكي" بإصدار أدوات دين بعائد سلبي، لتكون أكبر شريحة أُصدرت بالسالب خارج دول الاتحاد الأوروبي. وتم جمع ما يقدر بـ1.5 مليار يورو من الاكتتابات، ليغلق بذلك باب الاكتتاب في ثاني إصدار دولي في تاريخ المملكة مقوم باليورو، مقسما على شريحتين، الشريحة الأولى مليار يورو لسندات ثلاثة أعوام استحقاق عام 2024، ونصف مليار يورو لسندات تسعة أعوام استحقاق عام 2030. ووصل المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب أكثر من خمسة مليارات يورو، حيث تجاوزت نسبة التغطية أكثر من ثلاثة أضعاف إجمالي الإصدار. التشوه السعري مع معدلات الفائدة السالبة المستدامة على ديون ذات آجال استحقاق طويلة الأجل، تقوم شركات التأمين وصناديق المعاشات التقاعدية والبنوك التجارية التي تتسلم الودائع بإعادة تحقيق التوازن في محافظها الاستثمارية من الأصول الآمنة. وجاء التشوه السعري "لأسعار أدوات الدين ودخول بعضها المنطقة السالبة"، بعد تبني معظم البنوك المركزية استراتيجية التيسير الكمي، وأصدرت السعودية في يوليو 2019 باكورة إصداراتها من أدوات الدخل الثابت المقومة بعملة القارة الأوروبية، بعد أن بلغ إجمالي الطرح ثلاثة مليارات يورو "ما يعادل 12.70 مليار ريال". وتم تقسيم الطرح على شريحتين، مليار يورو "ما يعادل 4.2 مليار ريال" لسندات ثمانية أعوام استحقاق عام 2027، ومليارا يورو "ما يعادل 8.4 مليار ريال" لسندات 20 عاما استحقاق عام 2039. ومعلوم أن العائد النهائي لشريحة ثمانية أعوام بلغ 0.75 في المائة "ويدفع على شكل سنوي"، في حين بلغ العائد النهائي لشريحة الـ20 عاما 2.00 في المائة. وكانت "الصحيفة" نشرت تحليلا لها في 12 ديسمبر 2019 أشارت فيه إلى أن رصدها الخاص بتقييم أداء سندات اليورو لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأسواق الثانوية للعام الجاري، أوضح أن السعودية كانت أقرب دولة عربية للانضمام إلى قائمة الدول المصدرة للديون سالبة العائد، بعد أن كانت تبعد 14 نقطة أساس عن الفائدة الصفرية التي ستليها الفائدة السالبة، بعد النظر إليها كأحد أهم الملاذات الآمنة بين منظومة دول الأسواق الناشئة. ومعلوم أن السعودية أصبحت في تموز (يوليو) 2019 أول دولة خليجية تصدر سندات مقومة بعملة المنطقة الأوروبية وسادس دولة عربية تستعين بعملة اليورو مع برنامج استدانتها، بعد مصر والمغرب والجزائر وتونس ولبنان. الشهية الأوروبية في تصاعد تظهر البيانات التاريخية أن اهتمام المملكة بأدوات الدين المقومة باليورو قد بدأ منذ 2016 وبالتحديد خلال الجولة التسويقية في لندن عندما كانت السعودية تسوق إصدارها الأول من الصكوك الدولارية. ويظهر رصد لأحجام التخصيص وفقا للتوزيع الجغرافي الخاص بإصدارات المملكة، أن شهية المستثمر الأوروبي في تصاعد تدريجي منذ 2016، لذلك كان من الطبيعي أن يتم استهداف تلك الفئة من المستثمرين بإصدار مقوم بعملتهم وذلك للمرة الثانية، حيث تبحث السعودية عن "مستثمرين جدد" بـ"جيوب جديدة" وذلك بغرض تنويع وتوسيع قاعدة المستثمرين. التعامل من موقف القوة يذكر أن محمد الجدعان وزير المالية وزير الاقتصاد والتخطيط المكلف، ذكر في العام الماضي أن المملكة تواجه الأزمة العالمية الحالية من مركز قوة، نظرا إلى قوة مركزها المالي، واحتياطياتها الضخمة، مع ديون حكومية منخفضة نسبيا. وأشار إلى ضرورة اتباع تدابير مالية ونقدية تسهم في تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع، مع أهمية أن تكون محددة الهدف والمدة، وتتميز بالشفافية لاحتواء المخاطر المالية وأوجه الضعف إزاء تحمّل الديون. وأكد أن جميع المبادرات التي اتخذتها الحكومة السعودية ستساعد في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الوطني وتعزيز الثقة بقوته، مشيرا إلى أن حكومة المملكة تراقب مجمل الأوضاع من كثب، وأنها مستعدة لتقديم مزيد من الدعم إذا تطلب الأمر. وحدة التقارير الاقتصادية
مشاركة :