سوريون يلجأون إلى المحاكم الأوروبية لتحقيق العدالة بعد فشل المنظومة الأممية دمشق – تشكل المحاكم الأوروبية أملا للمئات من الضحايا السوريين لتفعيل مبدأ المحاسبة ضد شخصيات وعناصر تابعين لنظام الرئيس بشار الأسد متورطين في انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.ورفع محامون يمثلون عددا من الناجين من هجمات بأسلحة كيميائية في سوريا دعوى جنائية أمام القضاء الفرنسي على مسؤولين سوريين يتهمونهم بالتسبب في وفاة مئات من المدنيين في مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة في عام 2013.وتؤوي فرنسا الآلاف من اللاجئين السوريين، ولدى قضاة التحقيق هناك تفويض بالبت في ما إذا كانت جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت في أي مكان في العالم.وتأتي الدعوى المرفوعة بعد قرار قضائي في ألمانيا قضى بسجن عنصر في المخابرات السورية بتهم اعتقال وتعذيب مدنيين، وهو ما أحيا آمال العديد من السوريين في وضع حد لسياسة الإفلات من العقاب، في ظل فشل ذريع على هذا المستوى للمنظومة الأممية.وفي 24 فبراير الماضي قضت محكمة في كوبلنس وسط غرب ألمانيا، التي تؤوي أكثر من 600 ألف لاجئ سوري، بالسجن أربع سنوات ونصف السنة على إياد الغريب وهو عضو سابق في الاستخبارات السورية بتهمة “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية”.وكان الغريب يحاكم منذ أبريل الماضي بناء على لائحة اتهام موجهة ضده باعتقال وتعذيب قرابة 30 شخصا في الغوطة الشرقية بدمشق في الفترة ما بين عامي 2011 و2012، إلى جانب ضابط آخر سابق في الاستخبارات السورية يدعى أنور رسلان.ويواجه رسلان الذي لجأ إلى ألمانيا في العام 2014 اتهامات بقتل حوالي 58 شخصا وتعذيب أكثر من أربعة آلاف آخرين، فضلا عن اغتصاب وانتهاكات جنسية وغيرها.وتطبق ألمانيا المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي يسمح لها بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغض النظر عن جنسيتهم ومكان وقوعها. ويوفر الحكم الصادر بحق الغريب مسارا قانونيا نادرا من نوعه للعمل ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.وفشلت جهود أممية سابقة في تحقيق اختراق في ملف محاسبة مسؤولين وعناصر من النظام السوري في ظل فيتو روسي وصيني عرقل أي إمكانية لنقل الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية.وقد لجأت الأمم المتحدة في العام 2016 إلى تشكيل لجنة دولية محايدة ومستقلة هدفها تسهيل التحقيقات حول انتهاكات القانون الدولي الأكثر خطورة المرتكبة منذ العام 2011، وهي تعمل على جمع الأدلة لتسهيل إصدار أحكام محتملة ضد مرتكبي الجرائم. وتملك أكثر من مليون وثيقة بينها صور وأفلام فيديو وصور عبر الأقمار الصناعية وشهادات لضحايا ووثائق.وقد لعبت هذه اللجنة دورا بارزا في محاكمة إياد الغريب، كما أنها تضطلع بمسؤولية كبيرة في دعم القضايا المنظورة اليوم أمام المحاكم في عدد من الدول الأوروبية الأخرى بينها فرنسا لإنفاذ العدالة، مع إصرار الضحايا والمنظمات الحقوقية السورية على المحاسبة. وقال مازن درويش الذي يرأس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومقره باريس “هذا أمر مهم حتى يتمكن الضحايا من رؤية المسؤولين يمثلون أمام العدالة ويحاسبون”.ورفع المركز السوري الدعوى أمام القضاء الفرنسي مع منظمتين أخريين من المنظمات غير الحكومية هما مبادرة العدالة التي أطلقتها مؤسسة المجتمع المفتوح والأرشيف السوري.وخلصت أجهزة المخابرات الفرنسية في 2013 إلى أن قوات الحكومة السورية هي من نفذت هجوما بغاز السارين على الغوطة الشرقية بريف دمشق مما أسفر عن مقتل 1400 شخص.وتنفي الحكومة السورية استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبها. واستندت الدعوى إلى ما يقول المحامون إنها أكثر الأدلة شمولا في إثبات استخدام مادة مثل غاز السارين في سوريا.ويشمل ذلك شهادات ناجين وفارين منشقين وتحليلا لتسلسل القيادة في الجيش السوري والمئات من العناصر من الأدلة الموثقة منها صور وتسجيلات فيديو.وقال هادي الخطيب مؤسس ومدير الأرشيف السوري “جمعنا أدلة كثيرة تحدد من المسؤول عن هذه الهجمات في دوما والغوطة الشرقية والتي ما زال الناجون يعانون من آثارها المرعبة”.وتوصل تحقيق فتحته الأمم المتحدة لتحديد المسؤول عن الهجمات بأسلحة كيميائية في سوريا إلى نتائج في 2016 مفادها أن القوات الحكومية استخدمت غازَي الكلور والسارين.وكانت فرنسا انخرطت مبكرا في مسار إقرار العدالة لفائدة الضحايا السوريين، ففي منتصف سبتمبر 2015 فتحت النيابة العامة بباريس تحقيقا أوليا حول ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” تتعلق بأعمال خطف وتعذيب ارتكبها النظام السوري.وقد تقدمت في يوليو 2016 أسرة طبيب سوري توفي عن عمر 37 عاما في أحد سجون النظام في العام 2014 بشكوى في باريس بتهمة التعذيب والقتل.وفي نهاية أكتوبر 2016 فتح تحقيق حول اختفاء فرنسيَين من أصل سوري اعتقلا في سوريا في العام 2013 ولا يزال مصيرهما مجهولا، وهما مازن دباغ وابنه باتريك.وشكّلت الدعوى التي تقدمت بها عائلة دباغ متهمة الاستخبارات الجوية السورية باعتقالهما مقدّمة لصدور مذكرات توقيف في نوفمبر 2018 للمرة الأولى في فرنسا بحق ثلاثة مسؤولين سوريين هم رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك وجميل حسن وعبدالسلام محمود من فرع المخابرات الجوية في دمشق.واعتقلت السلطات الفرنسية في فبراير 2019 عبدالحميد.س وهو جندي سابق يشتبه في تواطئه في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبحسب محاميه، أفرج عنه تحت إشراف قضائي في فبراير لعدم كفاية الأدلة.ووفق المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الذي يقدم مساعدة قضائية للاجئين المتقدمين بهذه الشكاوى، فإنه قبل ثلاث سنوات حصلت ملاحقات قضائية في النمسا تلتها إجراءات في السويد والنرويج، حيث استمع القضاء منذ ذلك الحين إلى عدد من الضحايا. ورجح مازن درويش رفع دعوى قضائية أخرى في السويد خلال الأشهر المقبلة.
مشاركة :