القى وزير الخارجية سامح شكري كلمة أمام الدورة العادية 155 لمجلس جامعة الدول العربية جاء فيها: أصحاب السمو والمعالي والسعادة معالي السيد/ أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية. أصحاب السمو والمعالي وزراء خارجية الدول العربية الشقيقة. يطيب لي أن أرحب بكم في بلدكم الثاني مصر في ختام أعمال الدورة 154 وافتتاح اجتماعات الدورة 155 لمجلس جامعة الدول العربية، كما يسعدني أن أتوجه بأسمى آيات الشكر والتقدير لمعالي السيد/ أحمد أبو الغيط أمين عام جامعة الدول العربية، والسيدات والسادة موظفي الأمانة العامة ووفود المندوبيات الدائمة، على التعاون والتنسيق المثمر الذي ساهم في إنجاح رئاسة جمهورية مصر العربية للدورة المنتهية، على الرغم من الظروف الخاصة التي تزامنت معها. كما يهمني أن أُهنئ الشقيقة قطر على تولي رئاسة المجلس متمنيًا لزميلي معالي الوزير محمد بن عبد الرحمن آل ثاني كل التوفيق في إدارة المجلس. السادة الحضور، يأتي اجتماع اليوم في وقت تتواصل فيه التحديات التي لا زال يواجهها العالم ومنطقتنا العربية بسبب استمرار تداعيات جائحة كورونا، وما تتركه من أثر عميق على كافة مناحي الحياة، وأود أن أستفيد من هذه الفرصة كي أتوجه بالشكر إلى الأطقم الطبية في كافة الدول العربية، والذين يتحملون عبء مواجهة هذا الوباء في الصفوف الأولى بكل تجرد وشجاعة. وإلى جانب الوباء الذي بات يشكل معضلة عالمية، لا زالت معضلتنا الخاصة بهذه المنطقة تراوح مكانها، فبؤر التوتر مشتعلة على وقع التناحر الإقليمي على النفوذ والموارد، والوضع العربي إجمالاً ليس في أفضل حالاته، فالعدو لم يعد قاصراً على ما يأتي من الخارج ويتهدد حدودنا، بل إن العدو أصبح يأتي من بين صفوفنا في صورة أفكار شاذة ومتطرفة وجدت من يغذيها وينميها إلى الحد الذي أصبحت فيه المعارك تدور رحاها داخل شوارعنا وبيوتنا، وليس على الحدود، ولعل هذه الظروف المستجدة تدعو إلى تكاتف دولنا وتلاحمها لمواجهة هذه المصاعب والمخاطر، فما بين طموحات الدول المفترض فيها أنها جارة، وأفكار التشدد والتطرف، أصبحت منطقتنا مسرحاً لصراعات لا تنتهي، ولا سبيل لمواجهتها إلا برص الصف العربي. ومن ثم، فإن المشاركة الرفيعة في اجتماع اليوم، لهي خير دليل على إدراك دولنا بشكل واضح لحجم وخطورة تلك التحديات، فضلاً عن إدراكنا لأهمية ترسيخ الروابط التي تجمعنا. السادة الحضور، لقد تابعت مصر جهودها المستمرة لنصرة القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي تعرضت فيه القضية إلى هزات شديدة خلال الأعوام القليلة الماضية، حرصت مصر على بذل ما يمكن من جهد لإبقاء القضية على أجندة الاهتمام الدولي، ولذلك سعينا إلى تعزيز انخراطنا في إطار “مجموعة ميونخ” التي هدفت إلى محاولة جسر الهوة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وكسر حالة الجمود، كما تضافرت جهودنا مع جهود الأردن الشقيق من أجل ذات الغرض، ومن ثم جاء الاجتماع الثلاثي المصري الأردني الفلسطيني في ديسمبر 2020 والذي تمخض عنه لاحقاً اجتماع الدورة غير العادية لمجلس الجامعة يوم 8 فبراير 2021، وبالتالي فإن مصر عازمة على السير قدماً في هذا المسار حتى يتكلل بإذن الله بالتوصل لتسوية عادلة وشاملة، يسترد بها الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وينشئ دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام. وقد رحبت مصر بقرار السلطة الفلسطينية إجراء الانتخابات في العام الجاري، وهو ما يأتي متسقاً مع جهودنا المستمرة لدعم الحوار الوطني الفلسطيني سعياً لإنهاء حالة الانقسام التي لم يستفد منها إلا الأطراف التي تسعى لتمديد أجل الصراع، وذلك على حساب مستقبل واستقرار الأجيال القادمة من الشعب الفلسطيني. وفيما يخص الوضع على الساحة الليبية، لم تدخر مصر جهداً من أجل المساهمة في إقرار الأمن والسلام في ليبيا، والوقوف في وجه الأفكار الظلامية التي تدفع بها بعض الدول التي تسعى سوى لتحقيق أهدافها، حتى وإن كان ذلك على حساب أمن ومقدرات الغير، كما أن الحدود الممتدة التي تجمع مصر بليبيا، ووشائج الدم بين الشعوب تجعل من مصر أكثر حرصاً على أن تنعم ليبيا وأهلها بالأمن والأمان، ولذلك سعت مصر للتوصل لتسوية سياسية بناء على مخرجات برلين وقرارات الشرعية الدولية، ودعمت المفاوضات التي تضم كافة الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، وصولاً لاتفاق الحوار الوطني الليبي الأخير بجنيف واختيار رئيس الوزراء ورئيس المجلس الرئاسي. وهو ما يشكل في مجمله خطوة على الطريق السليم، إلا أننا نؤكد على صعوبة تحقيق الاستقرار المرجو دون إنهاء كافة التدخلات الخارجية فى ليبيا، مع ضرورة استمرار احترام وقف إطلاق النار. وقد أكدنا خلال الاجتماع الوزاري الثاني للجنة العربية المعنية بمتابعة التدخلات التركية الذي عقد صباح اليوم، على رفضنا القاطع لاستمرار التدخلات التركية فى المنطقة، والتي تنطوي على وجود قوات عسكرية تركية على أراض دول عربية شقيقة، ولا شك أن هذه السياسات لم تؤد سوى لتعميق حدة الاستقطاب وإذكاء الخلافات. السادة الحضور، عشرة أعوام مرت، ولا زالت الأزمة السورية تدور في حلقة مفرغة، والشعب السوري وحده هو من يدفع الثمن بلا أي أفق يحمل على التفاؤل في المستقبل القريب، وأقول من موقعي هذا إن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية كدولة فاعلة ومستقرة لهو أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي، إلا أن ذلك يفترض أن تظهر سوريا بشكل عملي إرادة للتوجه نحو الحل السياسي المؤسس على قرارات مجلس الأمن، فاستيعاب المعارضة الوطنية من شأنه تخفيف حدة النزاع وتعبيد الطريق لكي تخرج سوريا من أتون تلك الحرب المستمرة إلى بر الأمان، إذ أن وجود سوريا موحدة آمنة قوية ومستقرة يجعل من المشرق العربي خط الحماية الأول للمصالح العربية، ومن ثم فإن الحل السياسي ينبغي أن يسير قدماً بقدم مع إخراج جميع القوات الأجنبية من جميع الأراضي السورية، وفي مقدمتها الاحتلال التركي، والعمل الدؤوب من أجل دحر التنظيمات الإرهابية التي امتد لهيبها ليحرق الأخضر واليابس، ليس في سوريا وحدها، ولكن في جميع أرجاء المنطقة. وفى اليمن، فإن مصر ملتزمة بدعم كافة الجهود الرامية لإنهاء الصراع، واسمحوا لي أن أؤكد في هذا السياق دعم مصر الكامل للإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية من أجل حماية أراضيها في وجه الاعتداءات الحوثية المتكررة، كما أني أطالب الجانب الحوثي بالاستجابة للمبادرات الدولية والإقليمية للقبول بوقف إطلاق النار، والتوصل لتسوية سياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية، وبما يحافظ على وحدة اليمن، فالشعب اليمني الشقيق يدفع أثماناً غالية جراء هذه الحرب، لذا فإن المسؤولية لإنجاز هذا الهدف يتحملها الجميع، ومصر على أتم الاستعداد لبذل كافة الجهود من أجل أن يعود اليمن سعيداً كما كان، فهذا ما يستحقه اليمنيون على اختلاف مشاربهم. السادة الحضور، أود أن انتهز هذه المناسبة لأثمن دور الأشقاء العرب في دعم موقف مصر والسودان خلال العملية التفاوضية الجارية حول سد النهضة، لضمان عدم المساس بحقوقهما المشروعة في هذا الشأن، والذي أكده القرار الصادر عن الدورة غير العادية لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري في شهر يونيو 2020، والذي استعرض ثوابت الموقف التفاوضي الذي تدفع به مصر والسودان. واسمحوا لي أن أعيد التأكيد على أن الموقف المصري إزاء تلك المسألة لم يسع أبداً للانتقاص من حقوق طرف أياً ما كان، ولكننا لا زلنا ندفع للوصول لاتفاق يضمن حقوقنا المشروعة، فلا ينتقص من حق أثيوبيا في التنمية ولا يفتئت على حقوق مصر المائية في نهر النيل وحقوق السودان. السادة الحضور، وختاماً، فإن مصر تؤكد مجدداً على تمسكها بالعمل والتعاون في إطار جامعة الدول العربية باعتبارها الإطار الجامع لكافة الدول العربية، وبما يصب في صالح الشعوب العربية جميعها، فالجامعة هي البيت العربي الجامع، والإصلاح الموضوعي لآليات عملها من شأنه أن يدفعها للقيام بما قامت تلك الجامعة من أجله، وأذكركم بأن الميثاق التأسيسي للجامعة قد أشار في ديباجته إلى أن الهدف منها “تدعيم العلاقات والوشائج العربية في إطار من احترام الاستقلال والسيادة بما يحقق صالح عموم البلاد العربية”، ومصر عازمة على تحقيق ذلك بإذن الله.
مشاركة :