يدور جدال عمره عام تقريبًا حول ما إذا كانت شركة "تسلا" للمركبات الكهربائية، تستحق هذه القيمة السوقية الضخمة التي تقارب 700 مليار دولار، نظرًا لحجم أعمالها المتواضع في سوق السيارات العالمي مقارنة بنظيراتها للمركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي. لكن بعيدًا عن التقييم، اكتسبت "تسلا" جزءًا كبيرًا من الاهتمام العالمي لتبنيها أفكارًا لمنتجات أكثر استدامة تساهم في تشكيل المستقبل، ويتضمن ذلك حفظ الطاقة المتجددة بشكل موثوق وابتكارات تعتمد على الكهرباء وتحد من الانبعاثات الكربونية الملوثة للبيئة. هذا الاتجاه كان أيضًا سببًا في تعاظم أعمال قطاعات توليد الطاقة المتجددة مثل مزارع الرياح والألواح الشمسية وغيرها من الأنماط الصديقة للبيئة، والآن تبحث شركة ناشئة جديدة في دولة صغيرة تقديم ابتكار ربما يكون أكثر ثورية ويجعلها من رواد المستقبل تمامًا مثل "تسلا". نجحت شركة "Emrod" التي تأسست عام 2019 في نيوزيلندا على يد "جريج كوشنير" في تطوير طريقة لنقل الطاقة الكهربائية بأمان وبشكل لاسلكي عبر مسافات طويلة دون استخدام الأسلاك النحاسية، وتعمل على تنفيذها مع ثاني أكبر موزع للطاقة في البلاد الآن. نشأة الفكرة - حلم نقل الطاقة اللاسلكية ليس بجديد؛ فقد أثبت عالم الكهرباء الفذ "نيكولا تسلا" ذات مرة أنه يستطيع تشغيل المصابيح الكهربائية من مسافة تزيد على ميلين باستخدام "ملف تسلا" يبلغ طوله 140 قدما (أكثر من 42 مترًا) في تسعينيات القرن التاسع عشر. - لكنه تسبب في النهاية بإحراق الدينامو في محطة توليد الطاقة المحلية وأغرق المدينة بأكملها من كولورادو سبرينغز في ظلام دامس مع انقطاع التيار الكهربائي، ورغم إخفاقه فقد تنبأ بأن يكون للاتصالات اللاسلكية تأثيرات تغير العالم كما حدث. - إخفاق "تسلا" في نقل الكهرباء بأمان لمسافة طويلة، كان يعني توقف عمله في غضون خمس سنوات وتخلصه من بعض أدواته للمساعدة في سداد ديونه، ثم اختفى العبقري الذي طور وسائل لتوليد ونقل التيار المتردد، بشكل غامض نسبيًا. - عملية إرسال الطاقة جُربت سابقًا ولكن بشكل أساسي للتطبيقات العسكرية، أو للاستخدام في الفضاء الخارجي؛ في عام 1975، استخدمت "ناسا" الموجات الدقيقة لإرسال 34 كيلوواط من الكهرباء لمسافة 1.6 كيلومتر، وهو رقم قياسي حتى الآن، ولم يتم تطويره أبدا للاستخدام التجاري. - ظل الأمر كذلك، حتى أعاد الملياردير "إيلون ماسك" إحياء اسم "تسلا" كعلامة تجارية لشركته للسيارات الكهربائية، لكن مع "إمرود" تبدو رؤية العالم الراحل لنقل الطاقة اللاسلكية وكأنها تعود أيضًا للحياة. - تعاونت "إمرود"، وهي شركة مقرها في أوكلاند، مع موزع الكهرباء النيوزيلندي "Powerco"، لتطوير نظام نموذج أولي لاستخدامه في منشأة اختبار مغلقة. وفي مشروع منفصل، تخطط لإرسال الطاقة من مزرعة شمسية في الجزيرة الشمالية إلى عميل على بعد كيلومترات عدة. - في أغسطس الماضي، قال نيكولاس فيسيوت، مدير تحويل الشبكة في "باوركو": نحن مهتمون بمعرفة ما إذا كانت تقنية "إمرود" يمكن أن تكمل الطرق الراسخة التي نقدمها لتوفير الطاقة، نتصور استخدام هذا لتوصيل الكهرباء في الأماكن النائية، أو عبر المناطق ذات التضاريس الصعبة. الغاية والوسيلة - تتطلع الشركة إلى نقل الطاقة على شكل حزمة ضيقة من الموجات الدقيقة، حيث سيؤدي ذلك إلى التغلب على الإشكالين الأساسيين في خطة "تسلا"؛ أحدهما كيفية محاسبة الناس على الكهرباء التي يمكنهم ببساطة أخذها من الهواء. - الآخر هو الحاجة إلى التغلب على قانون الانتشار الإشعاعي، الذي ينص على أن قوة الإشارة تتناسب عكسيا مع مربع المسافة التي يقطعها من جهاز الإرسال؛ قوة الإشارة تنخفض بشكل حاد حتى في المسافات القصيرة، لكن نقل الطاقة في شعاع ضيق بدلا من إشعاعها في جميع الاتجاهات، يساعد في تقليل المشكلة. - ستبدأ عملية "إمرود" بحذر لنقل ما وصفه "جريج كوشنير" بأنه "بضعة كيلوواط" على مدى 1.8 كيلومتر، ثم ستزيد تدريجيًا كل من القوة والمسافة، والمتغير الحاسم هو الكفاءة التي يمكن القيام بها، والتي تحددها الشركة الآن عند 60%. يعتقد أن هذا سيكون جيدًا بالفعل بما يكفي لجعل إشعاع الطاقة قابلا للتطبيق تجاريا في بعض الظروف، مثل الوصول إلى المناطق النائية دون إنفاق الأموال على خطوط الكهرباء المكلفة. لكن لتحسين الأمور، لدى "إمرود" حيلتان أخريان في جعبتها، وهما استخدام المرحّلات وتدعيم أجهزة الاستقبال بما يسمى "المواد الخارقة". - المرحلات، هي أجهزة سلبية لا تستخدم أي قوة وتعمل مثل العدسات وتعيد تركيز حزمة الموجات الصفرية وإرسالها في طريقها مع الحد الأدنى من الخسائر في الإرسال، يمكنها أيضًا التوجيه في اتجاه جديد إذا لزم الأمر، وهذا يعني أن المرسل والمستقبل لا يلزم بالضرورة أن يكونا على خط واحد. - المواد الخارقة، هي مركبات تحتوي على كميات ضئيلة من المعادن الموصلة واللدائن العازلة مرتبة بطريقة تجعلها تتفاعل مع الإشعاع الكهرومغناطيسي مثل الموجات الدقيقة بطرق معينة، وتستخدم لتحويل الموجات الكهرومغناطيسية إلى كهرباء بشكل أكثر كفاءة. عالم جديد - نجاح تجربة "إمرود" سيغير مفهوم العالم عن نقل الطاقة وإرسالها للأماكن الأكثر احتياجًا، إذ تقول الشركة إن تقنيتها ستعمل في أي ظروف جوية، بما في ذلك المطر والضباب والغبار، وستكون قادرة عند مرحلة ما على نقل الطاقة لآلاف الكيلومترات، بجزء بسيط من تكاليف البنية التحتية والصيانة والأثر البيئي للوسائل السلكية التقليدية. - ترى الشركة أن الإرسال اللاسلكي للكهرباء هو "تقنية تمكين" رئيسية للطاقة المتجددة، والتي غالبًا ما يتم توليدها بعيدًا عن مكان الاستهلاك، ويمكن أن يكون هذا النظام رائعًا لوصول إنتاج محطات الطاقة المتجددة إلى شبكات المدينة دون الحاجة إلى بطاريات تخزين عملاقة. كانت إفريقيا التي تنتشر فيها الغابات والمناطق السكنية النائية والجبال والفقر أيضًا، على رادار الشركة، باعتبارها أحد الأسواق الأكثر احتياجًا لمثل هذه التقنيات، ويقول "سايمون جوسلينج" المدير العام لشركة "EnergyNet" الأمريكية، إن القدرة على نقل الكهرباء عالية الطاقة دون أي كابلات هي تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة للقارة السمراء. - هذا يعني تحطيم الحواجز التي تحول دون الوصول إلى الطاقة، وإمكانية تزويد إفريقيا بالكهرباء بالكامل في غضون عشر سنوات، لذا فهذه هي التكنولوجيا التي ينتظرها ملايين الأشخاص، وفقًا لـ"جوسلينج".
مشاركة :