ببساطة ودون تعقيد .. ما الذي يحدث بالضبط في سوق النفط؟

  • 3/4/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا نعيد نشر هذا التقرير للحديث عن سيناريو سلبي أو استدعاء أحداث قاسية مرت وانتهت، لكن للتوقف والنظر فيما حدث بعد هذا التاريخ على مدار 2020 ثم ما مضى حتى الآن من 2021، وكيف تغيرت الأمور وتبدلت وكيف أثرت القرارات التي اتخذت خلال اجتماعات "أوبك+" على حركة الأسعار وكذلك الخفض الطوعي من قبل المملكة بينما يترقب الجميع نتائج اجتماع اليوم. لسنوات قادمة، سيظل التاسع من مارس الجاري محفورًا في الذاكرة باعتباره واحدًا من أصعب الأيام التي مرت على المستثمرين في جميع أنحاء العالم، حيث وجد الكل نفسه فجأة في خضم أجواء تشبه تلك الخاصة بأزمة 2008 التي كانت الشاشات الحمراء من أبرز سماتها. بمجرد قرع جرس افتتاح السوق بالأمس شهدت أسعار النفط سقوطًا حرًا فقدت خلاله ما يقرب من ثلث قيمتها مسجلة أسوأ تراجع يومي لها منذ 1991، وذلك تزامنًا مع دخول مؤشرات الأسهم العالمية معًا في سباق نحو القاع خسر فيه السوق السعودي بنهاية اليوم 531 نقطة، بينما فقد "داو جونز" الأمريكي أكثر من ألفي نقطة. كيف ولماذا حدث كل ذلك؟ بالأساس، توجد هناك حالة من القلق تسيطر على المشهد في الأسواق خلال الأسابيع الأخيرة بسبب التداعيات الحاصلة والمحتملة لفيروس كورونا الجديد الذي أصاب الاقتصاد العالمي بحالة من الشلل، ولكن لسوء حظ السوق اجتمع عليه شران بعد أن انهارت أسعار النفط فجأة ودون مقدمات، وكأن مصيبة واحدة لا تكفي! الروس يغادرون الطاولة في السادس من مارس الجاري، اجتمع أعضاء منظمة "أوبك" مع روسيا في مقر المنظمة بالعاصمة النمساوية فيينا لمناقشة ما يجب اتخاذه من إجراءات للتعامل مع التأثير الذي أحدثته أزمة فيروس كورونا الجديد على مستويات الطلب العالمي على النفط الخام. وفقًا لما ذكرته "نيويورك تايمز"، اقترحت المنظمة أن يقوم المشاركون بخفض جماعي لإنتاجهم من الخام بنحو مليون ونصف مليون برميل يوميًا أو ما يعادل 1.5% من المعروض العالمي لمعادلة تأثير الطلب المتراجع بسبب فيروس كورونا، ولكن رفض الروس الاقتراح. كما فشل الجانبان أيضًا في الاتفاق على تمديد التخفيضات الحالية البالغة نحو 2.1 مليون برميل يوميًا. "بداية من الأول أبريل بإمكان الجميع الإنتاج بأي كمية تحلو له" .. هذا ما قاله وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك" للصحفيين بينما يغادر مقر الاجتماع. وعلى الناحية الأخرى، رفضت دول "أوبك" أن تلتزم هي وحدها بخفض الإنتاج وقررت إطلاق العنان لطاقاتها الإنتاجية بالتوازي مع خفض أسعار نفطها، وذلك وفقًا لما ذكرته "بلومبرج". وهكذا تحولت التكتيكات في السوق فجأة من محاولة دعم الأسعار لتقليل حدة التأثيرات السلبية لتداعيات فيروس كورونا الجديد على الطلب العالمي على الخام إلى قتال على الحصص السوقية يسعى فيه الجميع لحماية وتأمين حدوده في السوق الذي دخل بشكل غير متوقع في ما يشبه حرب أسعار. هل النفط الصخري هو المستهدف؟ بالتأكيد تدرك الأطراف الرئيسية في سوق النفط تبعات قراراتها الأخيرة، كما أنه من الواضح أن الكل يلعب على نقاط ضعف الآخر متسلحًا بنقاط قوته، ويراهن كذلك على امتلاكه القدرة الأكبر على تحمل الأضرار لأطول فترة ممكنة. بالنظر إلى المحدد الأبرز في سوق النفط وهو التكلفة، نجد أن السعودية تأتي في مقدمة من يمتلكون هذه الميزة بتكلفة لا تتعدى الـ2.8 دولار للبرميل، بينما تبلغ تكلفة إنتاج البرميل لدى كل من "إكسون" الأمريكية و"روسنفت" الروسية 16 و20 دولارًا على التوالي. بناءً على التطورات التالية لاجتماع "أوبك" غير الناجح في نهاية الأسبوع الماضي، ارتفعت حدة القلق لدى المستثمرين تجاه إمكانية تدهور أرباح شركات الطاقة العالمية وخصوصًا الأمريكية منها وهو ما أثار موجة من الفزع في الأسواق العالمية في وقت يمر فيه الاقتصاد العالمي أصلًا بوضع شديد الحساسية، لتتحول شاشات البورصات العالمية بسرعة إلى اللون الأحمر القاتم. يقول الخبراء إن روسيا اختارت عدم الاتفاق مع "أوبك" لأنها تريد خفض الأسعار لكي تلحق أكبر قدر ممكن من الضرر بصناعة النفط الصخري الأمريكية والتي ترى موسكو أنها صعدت في السنوات الثلاث الأخيرة على حسابها في السوق مستفيدة من إبقاء اتفاق "أوبك" للأسعار عند مستويات معقولة دون أن يضحي الأمريكيون بأي شيء في المقابل. في عام 2014 ازدهرت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وبدأت منذ ذلك الحين في الاستحواذ على حصة متنامية من السوق العالمي. ففي غضون سبع سنوات فقط زاد الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري من حوالي 400 ألف برميل يوميًا إلى ما يزيد على أربعة ملايين برميل يوميًا. تسبب هذا الارتفاع السريع والمذهل في قلب ديناميكية سوق النفط العالمي المستقرة منذ عقود رأسًا على عقب، حيث تحولت الولايات المتحدة من مستورد صاف للنفط إلى مصدر صاف للنفط، وباتت تنافس كلا من السعودية وروسيا رأسًا برأس. كما قلل التوسع الأمريكي من آثار تخفيضات الإنتاج التي تحملتها أوبك وروسيا وحدهما على دعم الأسعار. هل يتكرر سيناريو 2014؟ يرى الروس أن الصادرات النفطية للولايات المتحدة – التي أصبحت أكبر منتج للخام في العالم منذ عام 2018 – تأتي على حساب أسواقهم في أوروبا ومنطقة البحر المتوسط بل وحتى في آسيا. ولذلك قررت موسكو أن الوقت قد حان لوضع حد لتوسع صناعة النفط الصخري التي تصعد على أكتاف غيرها. على خلفية التطورات الأخيرة التي شهدها جانب العرض في السوق، انهارت أسهم شركات النفط الصخري الأمريكية خلال جلسة الأمس. فعلى سبيل المثال فقدت أسهم شركة "أوكسيدنتال بتروليوم" 53% من قيمتها، في حين تراجع سهم "تشيسبيك إنرجي" بنسبة 28%. وعلى صعيد الشركات الكبرى، تراجع سهم "إكسون موبيل" بنسبة 12%. إذا استمر إغراق السوق بالنفط الرخيص كما هو الوضع الآن لفترة طويلة، فمن المرجح أن تتكبد صناعة النفط الصخري الأمريكية خسائر فادحة قد تؤدي إلى دخول عدد كبير من شركاتها في دوامة الإفلاس وأنشطة الاندماج والاستحواذ، وخصوصًا مع وجود سندات بقيمة 18 مليار دولار مستحقة على شركات الطاقة الأمريكية في الأشهر الثلاثة المقبلة. نجت صناعة النفط الأمريكية من أزمات مشابهة في عام 2008 و2014 وخرجت من الأزمة الأخيرة تحديدًا أقوى بكثير من السابق. ولكن في أزمة 2014 لم تكن شركات النفط والغاز الأمريكية مثقلة بكم هائل من الديون كما هو الحال الآن، حيث تبلغ ديونها المستحقة خلال السنوات الأربع القادمة فقط 86 مليار دولار. هذا أمر "جيد للمستهلك، أسعار البنزين تنخفض" .. هكذا علق الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على الانهيار الذي شهدته أسعار النفط بالأمس. وبالفعل، يستفيد المستهلك الأمريكي من انخفاض أسعار الخام وهو الجانب الإيجابي للأمر، لكن "ترامب" تجاهل عمدًا الجانب السلبي المتمثل في خسائر شركات الطاقة الأمريكية التي تأتي في وقت يمر فيه اقتصاد البلاد بوضع حرج جدًا بسبب "كورونا". لكن هذا على "تويتر" فقط. أشارت "بلومبرج" في تقرير نشرته مساء أمس إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي تدرس حاليًا إمكانية إصدار حزم من المساعدات المالية لمنتجي النفط الأمريكيين والذين تضرروا بشدة في الأسابيع الأخيرة بسبب تداعيات فيروس كورونا وخصوصًا بعد المجزرة التي شهدها سوق النفط يوم الإثنين والتي هوت بأسعار الخام إلى مستويات تهدد استمرار عدد كبير من المنتجين. باختصار، دخل سوق النفط فجأة ودون مقدمات في معركة "عض الأصابع" وأصبح السؤال الآن: من يصرخ أولًا؟

مشاركة :