وسط استعدادات غير مسبوقة لزيارة الحَبر الأعظم للعراق، التي تبدأ اليوم وتستمر 3 أيام، نشرت السلطات العراقية آلافا من قوات الجيش والشرطة بجميع صنوفها في الشوارع وعلى طول الطريق الرابط بين مطار بغداد وتفرعاته التي سيسلكها موكب بابا الفاتيكان خلال زيارته التاريخية المرتقبة، وهم يحملون السلاح، إضافة إلى نشر سيارات للأجهزة الأمنية على طول الطرق. رغم احتدام التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بعد الهجوم الصاروخي الجديد على قاعدة "عين الأسد" الجوية في العراق، جدّد البابا فرانسيس أمس، تمسّكه بزيارته المقررة اليوم للعراق، مؤكّداً في رسالة إلى العراقيين أنه يزور بلدهم "حاجا يسوقني السلام" من أجل "المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب". وأصر البابا على زيارته للعراق، رغم التحديات الأمنية الكبيرة المتمثلة في انتشار ظاهرة السلاح المنفلت وانتعاش جيوب تنظيم "داعش"، وعدم قدرة القوات العراقية المنتشرة على عدة جبهات لمواكبة الحدث التاريخي. وفي رسالة مصورة موجهة إلى الشعب العراقي بثّت عشية توجهه إلى العراق، قال البابا: "أوافيكم حاجاً تائباً لكي التمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب. أوافيكم حاجاً يسوقني السلام". وأضاف: "أخيراً سأكون بينكم، أتوق لمقابلتكم ورؤية وجوهكم وزيارة أرضكم مهد الحضارة العريق والمذهل". ومضى يقول في جزء مكرّس خصوصا للمسيحيين الذين لا يزالون في العراق: "لا تزال في أعينكم صور البيوت المدمرة والكنائس المدنسة، وفي قلوبكم جراح فراق الأحبة وهجر البيوت، وعسى أن يساعدنا الشهداء الكثيرون الذين عرفتم على المثابرة في قوة المحبة المتواضعة". ويصل البابا فرانسيس اليوم إلى بغداد، في حين يقيم الأحد قداسا في أربيل بكردستان العراق في ملعب رياضي. وسيمر أيضا بالموصل معقل تنظيم "داعش" السابق في شمال البلاد. وأقامت السلطات العراقية أطواقا أمنية متعددة لتأمين الحماية لزيارة البابا في المدن التي سيزورها في بغداد والنجف والناصرية ونينوى وأربيل. وتم فرض حظر التجوال في أرجاء العراق، استعدادا للزيارة التي تأتي متزامنة مع إجراءات للحد من تفشي فيروس كورونا. يذكر أن 10 صواريخ على الأقل سبقت الزيارة المنتظرة، واستهدفت أمس الأول، "عين الأسد" في الأنبار بغرب العراق، في هجوم أدى إلى وفاة متعاقد مدني أميركي مع التحالف الدولي. وكان الناطق باسم التحالف الدولي لمكافحة الإرهابيين في العراق واين ماروتو، أكّد في في وقت سابق أن "قوات الأمن العراقية تقود التحقيق في الهجوم"، علما بأن واشنطن تنسب الهجمات المماثلة غالباً إلى فصائل مسلحة موالية لإيران. وقال مسؤولون أميركيون تحدثوا شريطة عدم الكشف عن شخصياتهم، إن الهجوم يحمل بصمات فصيل مدعوم من إيران. البنتاغون وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي: "ندرس زيادة عدد جنودنا في العراق، ولن نتورع عن الرد على الهجمات على قواتنا إذا لزم الأمر، ولا يمكننا تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم في الوقت الحالي، ولا نملك صورة كاملةً عن حجم الأضرار، فلنتعامل مع هذا بالشكل الصحيح. لنترك شركاءنا العراقيين يحققون في هذا، ونرى ما يتوصلون إليه"، واصفا الهجوم بأنه "تطوّر مقلق". وأضاف: "بعد ذلك، إذا استدعى الأمر الرد، فأعتقد أننا أظهرنا بوضوح أننا لن نتورع عن ذلك. لكننا لم نصل إلى هذا بعد"، رافضا بشكل قاطع التكهن باحتمال الرد على الهجوم. وأقرّ كيربي أن الغارة التي شنّتها مقاتلات أميركية الأسبوع الماضي على منشآت عسكرية في شرق سورية قرب الحدود مع العراق يستخدمها فصيل عراقي مسلّح مدعوم من إيران لم يكن لها التأثير الرادع المأمول. لكنّ كيربي استدرك بالقول: "لكن لا أحد يريد تصعيداً"، مؤكّداً أنّ "هذا ليس في مصلحتنا، ولا هو في مصلحة الشعب العراقي". وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت إدارته ستردّ عسكرياً على هذا القصف، قال الرئيس جو بايدن للصحافيين: "نحن بصدد تحديد المسؤول عن الهجوم، وسنتّخذ قرارات بناء على ذلك، وحمدا لله لم يُقتل أحد في الهجوم الصاروخي. نعمل على تحديد هوية المسؤولين، وسنصدر قراراتنا عندما نصل إلى هذه اللحظة". البيت الأبيض وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن الإدارة تقيّم تأثير الهجوم والجهة المسؤولة عنه، وإذا خلصت إلى ضرورة اتخاذ مزيد من الرد فستتحرك مجددا بطريقة مناسبة وما لن تفعله هو اتخاذ قرار متسرع غير قائم على حقائق يؤدي إلى مزيد من تصعيد الوضع أو يخدم الأعداء". ووفقاً للمصدر الأمني العراقي، فقد أطلقت الصواريخ من قرية قريبة من "عين الأسد"، وهي منطقة صحراوية، في حين أوضحت مصادر عراقية وغربية أن غالبية الصواريخ التي استهدفت القاعدة سقطت في القسم الذي يتمركز فيه عسكريون وطائرات مسيّرة أميركية تابعة للتحالف الدولي. ولم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم، في وقت لم تحمّل بغداد المسؤولية لأي طرف. إلا أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صرّح أمس الأول، بأن "أي طرف يعتقد أنه فوق الدولة أو أنه قادر على فرض أجندته على العراق وعلى مستقبل أبنائه، فهو واهم". وتملك كلّ من الولايات المتحدة وإيران حضوراً عسكرياً في العراق. ووقعت 3 هجمات صاروخية بالعراق في فبراير الماضي على مدى يزيد قليلا عن أسبوع استهدفت مناطق تستضيف قوات أو دبلوماسيين أو متعاقدين أميركيين. وأسفر هجوم في 16 فبراير على القوات التي تقودها الولايات المتحدة في شمال العراق عن مقتل متعاقد مدني وإصابة جندي أميركي. «المنتقم» وفي سياق متصل، رجح موقع فوربي أن الولايات المتحدة تعتزم نشر الصواريخ الدفاعية الجوية قصيرة المدى Avenger (المنتقم) في سورية والعراق قريباً، موضحاً أنها أفضل نظام متاح بسهولة لحماية القوات الأميركية من التهديد المتزايد الذي تشكّله الطائرات من دون طيار (درون). وفي أواخر فبراير، ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور يزعم أنها تظهر نقل منظومة Avenger على طريق سريع من العراق إلى سورية. ومن المرجح أنه تم نقلها إلى القوات الأميركية في منطقة دير الزور شرق سورية. ومع قاذفات صواريخ FIM-92 Stinger، تم تصميم Avenger لحماية المنشآت من الطائرات التي تحلّق على ارتفاع منخفض، وصواريخ "كروز"، وطائرات الهليكوبتر، والطائرات من دون طيار. وحتى أوائل العام الماضي، لم يكن للقواعد التي تستضيف القوات الأميركية في العراق أنظمة دفاع جوي. وتجلى ضعفها عندما هاجمت إيران اثنين منها بالصواريخ الباليستية في يناير 2020، في ضربة انتقامية ردا على اغتيال الولايات المتحدة الجنرال الإيراني قاسم سليماني بطائرة مسيّرة قرب مطار بغداد الدولي. ومنذ ذلك الحين، نشرت الولايات المتحدة صواريخ "باتريوت" MIM-104 التي تصيب على ارتفاعات عالية في هذه القواعد، إلى جانب أنظمة C-RAM القصيرة المدى (الصواريخ المضادة والمدفعية وقذائف الهاون). ومع ذلك، يمكن القول إن Avenger هو نظام أكثر ملاءمة لتوفير حماية للقوات البرية ضد الطائرات من دون طيار.
مشاركة :