انتهيت من قراءة كتاب يحكي عن سيرة عطرة وتروى للأجيال الماضية والحالية واللاحقة. كتاب «مشيناها » ومؤلفه رمز من رموز الوطن سعادة الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي. في فحواه قيمة معرفية ومعلوماتية لا تقدر بثمن, ولا تتجاوز عدد صفحاته القيّمة 447 صفحة. استمتعت وأنا أُقلِّب صفحاته, وكم كان بودي أن لا تنتهي هذه الحكايا, التي دارت بين شاب مقتبل في العمر, مع رجل يكبره في كل شيء, ويحدثّه عن تجاربه وقصصه والتحديات التي خاضها في غمار الحياة من محطاته المتفرقة هنا وهناك ما بين الإعلام والشورى والتعليم العالي والنشاط الثقافي والاجتماعي والعمل التطوعي, بشكل آخر منحني ملخص سريع لحياته الزاخرة والحافلة بالنجاحات والإسهامات والمبادرات الخلاقة. انتهز الفرصة واطلب منكم أعزائي القراء بالدعاء له, غفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح جناته, فقيد الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, رجل بأمة وأمة في رجل, ويحمل همة عظيمة ويعتبر قدوة حسنة لنا كشباب, وأنصح بشدة كل شاب مُحب للقراءة بأن يقرأ هذا الكتاب القيّم ويُقلِّب صفحاته المثمرة, إنه بلا شك مُهم ومُلهم. وطننا المملكة العربية السعودية يفتخر به, وقد كرّمه سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز, بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى في الجنادرية بنسختها 31 في عام 2017. لا أخفي عليكم بأن كتاب « مشيناها» أول كتاب أتممت قراءته في 2021، وأتطلع إلى قراءة المزيد من الكتب ما لا يقل عن 30 كتاب في 2021. لاحظت ابتعاده في كتابه عن الحديث بشكل شخصي, لأنه لا يرغب الحديث عن نفسه كثيرًا, خصوصًا بأن نتاجه وأعماله هي من تتحدث نيابة عنه حتى يومنا هذا لا زالت تنطق حضورًا, تطرق إلى الحديث عن شخصيات ومواقف وقدم لنا معلومات تاريخية عن بلادنا خصوصًا. رحلت روحه الطاهرة إلى بارئها ولكن ابتسامته المُشعة الوضاءة لا زالت كائنة ذات بين وستبقى إلى الأبد راسخة في الأذهان، ترك إرثاً خالد وأثراً حسنا, من عشرات الكتب والمحاضرات وغيرها مما يصعب حصره في هذا المقال الذي حتمًا لن يوفيه حقه. ذكر في الكتاب رحيل ابنه طلال بعد معاناة على الفراش الأبيض, وكيف هي تجربة الحزن الصامت في حياة أسرة طلال رحمه الله وغفر له, وسجل القدير رحلة ابنه طلال مع مشكلات القلب بكتيب حمل عنوان « حديث الشرايين ». احتوى الكتاب على 8 فصول البداية من الصنقر والختام ذاتيات, البداية كانت تتحدث عن صورة غلاف الكتاب, وتعود إلى معلم تراثي يسمى الصنقر وقصته في داخل الكتاب بإختصار شديد, والختام فضّل أن يكون الحديث عن ذاته ومحيطه في آخر صفحات الكتاب, ولا أبالغ إذا قلت كتاب « مشيناها » من الكتب التي لا تُمانع أن تقرأها مرتين وثلاثاً. قضى في تأليف كتاب «مشيناها » عاماً ونصف, كُتب بلغة مبسطة وتسلسل جميل, ناهيك عن جودة الكتاب المشجعة على القراءة، مؤلف الكتاب يولي الوقت أهمية ويعتبره قيمة إنسانية يجب أن لا تذهب سدى وفي كتابه بيّن حُبه لفرنسا وتلك الزيارات الدورية مع أسرته الكريمة إلى فرنسا، خُصص في الكتاب قسم خاص تحدث فيه عن فرنسا، وذكر مع الأسف بأن جادة الشانزلزيه في السنوات الأخيرة اكتست بملوّثات المجتمعات الشرقية كالشيشة وأخواتها, وهذا ما رأيته أنا بعيني وأزعجني كثيرًا, ومن فصل فرنسا قرأت صفحة تضمّنت جمعية الثقافة الفرنسية, سرعان ما التقطت صورة لتلك الصفحة وبعثتها إلى صديقي الفرنسي جيرمي لوكي, وهو الذي يجيد اللغة العربية حديث وكتابة. هذه العلاقة الخاصة التي تربط عبدالرحمن الشبيلي مع فرنسا, لم تنسه صحراء بلاده, فقد كان يقضي الأيام في صحراء المملكة, مع مجموعة من الأصدقاء بعضهم من أعضاء مجلس الشورى, وأعجبني مصطلح «شو رحالة » وهي من كلمتي الشورى ورحالة في كلمة واحدة. عاش حياته حتى آخر أيامه بصحة جيدة وخلوه من الأمراض لأنه كان محباً لرياضة المشي وممارساً لها، وهذا إن دل دل على قربه من ممارسة الرياضة. التطوع يشكل نسبة مهمة في حياة الشبيلي, وكون كاتب هذا المقال عضواً في أكثر من جمعية خيرية بما فيها جمعية ألزهايمر, سعدت كثيرًا بأن د. عبدالرحمن الشبيلي أحد المبادرين في تأسيس هذه الجمعية الرائدة في مجالها، وشاء القدر بعد انضمامه لها، أن تُصاب اثنتان من قريباته بهذا المرض، وهذا ما دفعه أكثر إلى الإيمان برسائل الجمعية وأهدافها المشرفة والطموحة, وقد كتب عنها عددًا من المقالات المنشورة. اكتشفت بأن أبا طلال يمتلك مهارة عقارية في مجال المال والأعمال، لأن الظاهر لنا جميعًا تواجده القوي والمؤثر في الأدب والإعلام والتأليف وما أعظمه من تواجد! يؤمن الشبيلي بالإستشارة وتجلى هذا في مضامين كتابه, وفي اعتقادي بأن الاستشارة لابد منها وأنا مؤمن بهذه العبارة الفريدة ( ما خاب من استشار وما ندم من استخار ). عدت إلى الماضي من خلال الكتاب, وتعرفت على مفردات جديدة بالنسبة لي، وتضمن مفردات وأدوات كانت تُستخدم في الماضي بكثرة, خلاف وضعنا الحالي مع التطور والتقدم, وعلى سبيل المثال ذُكرت كلمة الوجار ، وهي كلمة لم تعد تيتخدم لدى الأجيال الجديدة وأنصح الشباب مرارًا بقراءة الكتاب, لأن من وجهة نظري من يريد أن يواجه المستقبل بسلاح الحاضر لابد أن يعرف ماضيه جيدًا. من المعلومات التاريخية المذكورة في « مشيناها » متى كان انتشار السيارات, وكذلك نشوء الأندية الرياضية في الخمسينات الميلادية, وأعلم تمامًا نشأة نادي الهلال بحكم أنني هلالي وكانت في عام 1957, وافتتاح أول إذاعة في مدينة الرياض, ومتى كانت أول أغنية نسائية سعودية, وقصة زيارته في عام 1962 للإمارات العربية المتحدة قبل اتحادها. معروف عن عنيزة لقب «باريس نجد» ولكن غير معروف مَن لقبها, واسمه ورد في الكتاب. بمناسبة ذكر عنيزة, أود أن أضيف مما قرأته, وهو بأن مجتمع عنيزة كان يوصف بالانفتاح في تلك الفترة, وعلى الأرجح افتتح فيها أول مقهى في الخمسينات الميلادية. رأيت في الكتاب صوراً عفوية ورسمية، تَدخل الفؤاد من أوسع أبوابه، وبما أنني أحب الفن لفت نظري لوحة فنية بديعة بريشة فنان، هذا يعني أنه ليس مجرد كتاب.
مشاركة :