أكد البروفيسور ألفوس كاتلر الأستاذ في جامعة هامبورج للتكنولوجيا والمدير السابق لعملاق الصناعة الأوروبية “ألستوم”، أن السعودية والمكسيك ودول الشرق الأوسط تتمتع بطاقات هائلة في مجال استغلال الطاقة الشمسية، مشددا على ضرورة زيادة المشاريع في هذا المجال، والإسراع باستغلال هذا المورد المهم، خاصة في توليد الكهرباء. وأوضح كاتلر في حوار خاص لـ “الاقتصادية”، أن النفط التقليدي سيظل لاعبا رئيسيا في مزيج الطاقة العالمي ومنافسا متفوقا على النفط الصخري الأمريكي، مشيرا إلى أن أوروبا لم تهتم بإنتاج النفط الصخري مثل الولايات المتحدة لأن الاهتمام بالاعتبارات البيئية في أوروبا ربما يكون خمسة أو ستة أضعاف الاهتمام بالبيئة في الولايات المتحدة، فيما طالب بالاستعانة بنفط “أوبك” في محطات الطاقة في أوروبا، وألا يقتصر نفط المنظمة على توفير وقود النقل بشكل أساسي. وأشار إلى أن بقاء أسعار الطاقة منخفضة هو أمر ضروري وحيوي للمستهلكين خاصة في الدول الفقيرة، لكنه ذو تأثير سلبي واسع في الاستثمارات التي أصبحت لا تستطيع تغطية تكاليف الإنتاج، منوها بزيادة المنافسة بين موارد الطاقة المختلفة خلال العقدين المقبلين. وتوقع كاتلر تنامي الطلب بشكل كبير على الطاقة التقليدية في السنوات المقبلة، ما سيؤدى إلى ارتفاع أسعارها وهو ما حدث قبل سنوات سابقة. وإلى نص الحوار: بداية، ما مستقبل الاعتماد على الطاقة المتجددة في العالم؟ وما مدى آفاق مساهمتها في مزيج الطاقة الدولي؟ الاعتماد على الطاقة المتجددة سينمو أكثر وأكثر في السنوات المقبلة، وفي ألمانيا لدينا خطط وتوجهات لنصل إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المائة رغم أنني على المستوى الشخصي لست مقتنعا بإمكانية تحقيق ذلك ولدينا تركيز على زيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل كبير، وأظن أن النسبة لن تتجاوز 50 في المائة فى المستقبل القريب وسيظل الاعتماد على موارد متنوعة للطاقة مزيجا بين الطاقة التقليدية والمتجددة وسيبقى الاعتماد متساويا تقريبا مع النفط والغاز الطبيعي والفحم حتى عام 2050. هل تعتقد أن الاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة ما زال حلما؟ وهل هذه الطاقة تناسب دولا دون أخرى؟ بالفعل الوصول إلى نسبة 80 في المائة أو 100 في المائة من الاعتماد على الطاقة المتجددة ما زال حلما بعيد المنال، والطاقة الشمسية يمكن أن تستغل بشكل أكبر في دول مثل السعودية والمكسيك ودول الشرق الأوسط بشكل عام، بينما في ألمانيا وأوروبا سيظل الاعتماد على الطاقة الشمسية محدودا نظرا للظروف المناخية في أوروبا والوصول إلى إنتاج 10 جيجا واط في ألمانيا من الطاقة الشمسية قد يكون أقصى الطموحات. وماذا عن تصورك لمستقبل الاعتماد على الطاقة التقليدية وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي؟ الوضع يختلف من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى في العالم.. ففي الولايات المتحدة ما زال النفط والغاز الطبيعي رخيصين ولذا سيزداد الاعتماد عليهما بشكل واسع، بينما سيتقلص الاعتماد على الفحم أما ألمانيا فيتزايد الاعتماد على الفحم خاصة في أغراض الطاقة النووية وسيبقى الاعتماد على النفط والغاز في محطات الطاقة مع الالتزام ببرامج متطورة في كفاءة استخدام الطاقة تصل إلى 60 في المائة.. ومن الصعب أن نقول بدقة ماذا سيحدث في المستقبل بخصوص الطاقة، والكلمة الأخيرة في هذا الشأن ستكون للتكلفة وكيفية الوصول إلى طاقة رخيصة وأسعار طاقة مناسبة للجميع حول العالم.. ولا يمكن أن نتوقف عن الاستعانة بالوقود الأحفوري مهما تطورت سوق الطاقة. كيف تنظر إلى ما يسمى بثورة النفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة؟ وما تقييمك لأثرها في سوق الطاقة في العالم؟ ثورة النفط الصخري كانت مفاجأة لكثير من الاقتصاديين وأنا منهم ولم يكن أحد يعلم شيئا عن هذا الإنتاج قبل سنوات قليلة، وهذه الثورة كما يعلم الجميع تفجرت في الولايات المتحدة وأدت إلى انهيار الأسعار، ولكن كثيرين يعارضون ويتخوفون من هذا النوع من الإنتاج خاصة في ألمانيا وأوروبا.. وفي رأيي إذا تم استغلال هذا الإنتاج الجديد بشكل جيد بدون ما يحدث حاليا من إهدار واستهلاك كميات ضخمة من المياه، في هذه الحالة يمكن أن يكون موردا جيدا إضافيا ومهما من موارد الطاقة. الاعتماد على الطاقة المتجددة سينمو أكثر في السنوات المقبلة، في ظل توجه الدول للتقليل من موارد الطاقة التقليدية. لماذا ترفض ألمانيا التفكير في إنتاج النفط الصخري؟ وما تحفظاتها على هذا النوع من الإنتاج؟ في ألمانيا هناك تخوفات أكبر فيما يخص البيئة وإنتاج النفط الصخري، وبحسب عديد من الدراسات الاقتصادية له تأثيرات خطيرة في القشرة الأرضية ويتسبب في وقوع زلازل كما حدث في أوكلاهوما أخيرا.. كما أن أي مظاهرة صغيرة لبعض المواطنين في ألمانيا كفيلة بتعطيل إنتاج شركات عملاقة كما تتسبب المظاهرات في إعادة حسابات الشركات وإعادة تقييم سياساتها الإنتاجية.. والاهتمام بالاعتبارات البيئية في ألمانيا قد يكون خمسة أو ستة أضعاف الاهتمام بتلك الاعتبارات في الولايات المتحدة. كيف تقيم السياسات الإنتاجية والتفاعل مع السوق في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"؟ "أوبك" منظمة عريقة وتلعب دورا مهما في سوق النفط الدولية فيما يخص النفط التقليدي الذي سيظل منافسا قويا ومتفوقا على النفط الصخري وسيظل مهيمنا على مزيج الطاقة الدولي لسنوات.. وأتمنى من "أوبك" أن تشارك في استثمار محطات الطاقة في أوروبا وألا يقتصر الأمر على التكرير والوقود في مجال النقل وأن يوجه مزيدا من نفط "أوبك" إلى محطات الطاقة. ماذا عن توقعاتك للتحديات التي يواجهها إنتاج الطاقة في العالم بسبب قضية تغير المناخ؟ نحن نؤمن بأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هي أمر خطير ونحن نواجه هذا الأمر من خلال برامج كفاءة استخدام الطاقة وعندما يتزايد الاهتمام بكفاءة الطاقة تتراجع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.. وعندما يزيد الاعتماد على الطاقة المتجددة ستزداد التكلفة أيضا ولذا فإن الاعتماد عليها سيأتي تدريجيا خلال السنوات العشر المقبلة وسنعمل أكثر على تحسين الجوانب البيئية خلال الاعتماد على الوقود الأحفوري سواء النفط أو الغاز الطبيعي أو الفحم. هل تعتقد أن الأسعار المنخفضة للطاقة خاصة النفط الخام قد تستمر لفترة طويلة؟ أعتقد ذلك.. وهو أمر ضروري أن تبقى الأسعار منخفضة لأن 95 في المائة من البشر لا يستطيعون دفع أثمان مرتفعة للحصول على الطاقة كما أن الأمر ضروري لتحسين الأحوال المعيشية ويجب أن نأخذ في الاعتبار قضية فقر الطاقة واحتياج قطاع كبير من سكان العالم إلى الاحتياجات الأساسية من الطاقة خاصة من الكهرباء. ما مدى تأثير الأسعار المنخفضة للنفط في الاستثمارات في اعتقادك؟ المشكلة في الطاقة المتجددة أن تكلفتها تقريبا ثابتة وفي ألمانيا ندفع 15 سنتا لكل كيلوواط/ ساعة وبالنسبة إلى إنتاج الكهرباء من الفحم نجد أن التكلفة 5.3 سنت لكل كيلوواط / ساعة وبالنسبة إلى النفط والغاز تصل إلى 20 أو 30 سنتا للكيلوواط / ساعة، وهناك منافسة شديدة بين مصادر الطاقة في توليد الكهرباء والتكلفة تتغير بسبب عدم استقرار سوق الطاقة التقليدية وصعود الأسعار وهبوطها بصفة مستمرة والمنافسة ستشتد خلال السنوات المقبلة وعلى مدى 20 عاما مقبلة والتكلفة تؤثر كثيرا في الاستثمار ولا يمكن الاستثمار في مشاريع لا تحقق عائدا مجزيا، ولذا الانخفاض الحاد في الأسعار أثر سلبا بشكل واسع في الاستثمار في الطاقة التقليدية، وربما يحد من نمو إنتاجها خلال السنوات المقبلة ونحتاج إلى قواعد جديدة لضبط السوق وإن كان الأمر صعب التحقيق. من وجهة نظرك، هل سيزداد الطلب العالمي على الطاقة في المستقبل؟ سيزداد دون شك بسبب حاجة دول كثيرة للتنمية وتحسين المستويات المعيشية لمواطنيها، وهذا الأمر حدث من قبل منذ عدة سنوات حيث حدثت طفرة واسعة في مستويات الطلب على الطاقة. هل ستعود مستويات الأسعار المرتفعة للطاقة التقليدية مرة أخرى؟ بالطبع خاصة النفط والفحم حيث إن أسعارهما رخيصة حاليا وسيزداد الطلب عليهما بشكل واسع، والعالم النامي والفقراء يحتاجون إلى مزيد من الطاقة من أجل الطعام والاحتياجات الأساسية والاعتبارات البيئية، وتغير المناخ يأتي في مرتبة أقل من اهتمامهم.
مشاركة :