وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، موافقة الأمم المتحدة على رفع العلم الفلسطيني على مقرها، بـ«الخطوة المهمة» في مسيرة القضية الفلسطينية، متعهدًا بأن يرفع العلم لاحقًا في مدينة القدس فوق المسجد الأقصى، والكنيسة. وأشادت الجامعة العربية ودول عربية وإسلامية بالخطوة وعدتها «تاريخية» رغم رمزيتها. وباشرت البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة استعداداتها لاحتفال يتقدمه الرئيس محمود عباس لرفع علم فلسطين في 30 سبتمبر (أيلول) الحالي أمام المقر الرئيسي للمنظمة الدولية في نيويورك، بعدما صوتت الجمعية العامة لمصلحة قرار في هذا الشأن. وأكد المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور لـ«الشرق الأوسط» أن «تصويت الجمعية العامة بغالبية 119 صوتًا يعكس شبه الإجماع الدولي على حق الفلسطينيين بمكانة الدولة الكاملة العضوية في الأمم المتحدة». وامتنعت 45 دولة عن التصويت أكثرها من القارة الأوروبية، واعترضت ثماني دول هي إسرائيل والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبعض الجزر الأميركية الصغيرة، على القرار الذي يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون رفع علم فلسطين، باعتبارها دولة مراقبة غير عضو، في غضون 20 يومًا من إصدار القرار، على أن توضع ساريته بعد أعلام الدول الـ193 الكاملة العضوية أمام المقر الرئيسي للأمم المتحدة، وأمام مقراتها الإقليمية وكل مكاتبها عبر العالم. وبدت الدول الأوروبية منقسمة بشأن هذا التحرك؛ إذ إن فرنسا وروسيا والسويد أيدت القرار الذي امتنعت بريطانيا وألمانيا والنمسا وفنلندا وهولندا وقبرص عن التصويت لصالحه. وقال السفير الفرنسي في الأمم المتحدة فرنسوا ديلاتر إن «هذا العلم رمز قوي وبارقة أمل» للفلسطينيين، بينما عملية السلام متوقفة وإسرائيل تواصل «الاستيطان غير الشرعي» في الضفة الغربية المحتلة. وأكدت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور التزام بلادها بتحقيق السلام الذي يستحقه الفلسطينيون والإسرائيليون. وقالت: «نعلم جميعًا أن الحل الدائم والعادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيتحقق فقط عبر الخيارات الصعبة والتسوية التي يتفاوض عليها الطرفان»، مضيفة أن «رفع العلم الفلسطيني خارج مقر الأمم المتحدة ليس بديلاً عن المفاوضات، ولن يجعل الطرفين أقرب إلى السلام». وأكدت أن التصويت الأميركي ضد القرار «لا يعني تأييدا للوضع القائم أو رفضًا للتطلعات الفلسطينية لإقامة الدولة»، معتبرة أن التصويت «يعكس حقيقة أن على الطرفين اتخاذ خطوات بناءة ومسؤولة لتحقيق حل الدولتين وإنهاء دائرة العنف والمعاناة القائمة منذ مدة طويلة». ويكمل هذا القرار، قرار سابق اتخذ في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 لاعتبار فلسطين دولة غير عضو لها صفة المراقب في الأمم المتحدة. وبما أن دولة الفاتيكان تحظى بالوضع نفسه، يمكن رفع علم الفاتيكان أيضًا. وكان الفاتيكان نأى بنفسه عن هذا الطلب بعد انتقادات وجهت من إسرائيل. لكن منصور أكد أن هذه الخطوة «اتخذت بالتشاور مع الكرسي الرسولي آنذاك لأن الفاتيكان لديه الوضع نفسه مثل فلسطين. كلتاهما دولتان مراقبتان غير عضوتين في الأمم المتحدة. وتريدان رفع علميهما على مقرات الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية أينما كانت». ووصف منصور ما حصل بأنه «انتصار آخر يكتسب أهمية تاريخية في إطار الخطوات الأخرى للقيادة الفلسطينية من أجل تركيز دعائم الدولة الفلسطينية في كل المؤسسات والمنظمات الدولية». وأكد أن «الخطط جارية كي يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس نفسه برفع علم فلسطين ضمن أعلام الدول الأخرى، بعيد إلقاء خطابه في 30 سبتمبر الحالي أمام الدورة السنوية السبعين للأمم المتحدة»، داعيًا جميع الفلسطينيين إلى رفع علم بلادهم في الوقت ذاته على المدارس والمتاجر والمزارع وكل الأماكن «لنؤكد من خلال هذا الاستفتاء الشعبي الشامل إصرارنا على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا الفلسطينية وتحقيق استقلال دولتنا فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وبذلك يتحقق الإجماع الدولي بتحقيق حل الدولتين على الأرض». وكذلك قال المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله بن يحيى المعلمي لـ«الشرق الأوسط» من مدينة جدة إن «المطلب الفلسطيني مطلب حق استجاب له المجتمع الدولي ولله الحمد»، مؤكدًا أن «السعودية كانت ولا تزال نصيرة لحقوق الفلسطينيين بدولة مستقلة، وهي تدعم كل الخطوات التي تصب في هذا الاتجاه». واعتبر أن الإنجاز «نصر للشعب الفلسطيني ونصر للأمة العربية». وقال السفير التونسي في الأمم المتحدة خالد الخياري لـ«الشرق الأوسط» إن تصويت الجمعية العامة «مكسب سياسي رئيسي للأمة العربية»، معتبرًا أن غالبية الـ119 صوتًا «إنما هي غالبية ساحقة لأن الممتنعين عن التصويت امتنعوا لأسباب إجرائية فقط. وهو لا يعني اعتراضًا على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. هذا أمر جوهري». واستدرك أن «هناك طابعًا رمزيًا أيضًا لأنه جاء في سياق مسار للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في قضية غير عادلة ولكن في معركة غير عادلة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، بعد فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. الجمعية العامة يجب أن يكون صوتها أعلى في هذه المعركة». من جهته، قال عباس للصحافيين في رام الله: «لقد حققنا شبه إجماع في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأننا ننظر إلى الذين صوتوا معنا وإلى الذين امتنعوا عن التصويت، وبالتالي كانت النتيجة بأننا حصلنا على القرار بإجماع دولي.. هذه الخطوة ستليها خطوات أخرى، ومن أهم الملاحظات التي رأيناها، هو أن عدد الذين صوتوا ضدنا في السابق كانوا تسعة، واليوم أصبحوا ثمانية، ما يعني أن الاعتراض والامتناع في تراجع مستمر». وأكد عباس أنه سيرفع بنفسه علم دولة فلسطين في الأمم المتحدة عند ذهابه للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. وهاجم عباس إسرائيل متهما إياها بهدم كل الاتفاقات منذ «أوسلو» وحتى الآن. محذرا من الاستمرار في مخطط تقسيم المسجد الأقصى. وقال عباس: «هناك عدوان آخر على المسجد الأقصى المبارك، وهو التقسيم الزماني والمكاني، وهذا القرار لن يمر ولن نسمح بأن يمر، لا للإسرائيليين ولا لغيرهم، وبكل الوسائل الممكنة سنمنع ذلك، فالأقصى لنا والكنيسة لنا، وسنرفع علم فلسطين عليها». واحتفى الفلسطينيون بقرار رفع العلم في الشوارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقت حركة فتح حملة «افرحي يا بلادي» وقامت بتوزيع أعلام على سائقي السيارات. ورفع فلسطينيون علمهم أمس على سياراتهم في شوارع الضفة التي تمر عبر الحواجز الإسرائيلية متحدين الجنود الإسرائيليين. وقال إياد عبد الله (40 عاما): «إنه يوم تاريخي، لقد استشهد كثيرون وهم يحاولون رفع العلم في الانتفاضة الأولى». وأضاف: «الذين جربوا كيف كان ممنوعا ويعتبر تهمة، يعرفون جيدا قيمة أن يرفع في الأمم المتحدة». وطالما قتلت إسرائيل خلال سنوات الاحتلال وفي الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987 فلسطينيين كانوا يحاولون رفع العلم على أعمدة الكهرباء والأسوار العالية، واعتقلت آخرين كانوا يقتنونه في منازلهم بصفته «تهمة» جاهزة. ورحب السياسيون الفلسطينيون بقرار رفع العلم على الأمم المتحدة. وقال صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: «هذا القرار الأممي انتصار للحرية والعدل والاستقلال ودحر للاحتلال والاستيطان والقهر». وأضاف: «إن رفع علم فلسطين ليس مجرد مسألة رمزية وإنما تصويت ضد مخططات الحكومة الإسرائيلية في بناء المستوطنات والإملاءات وفرض الحقائق على الأرض وجميعنا يذكر معنى رفع العلم المصري على الضفة الشرقية من قناة السويس عام 1973 ومعنى ودلائل رفع علم أميركا في ايوجيما في المحيط الهادي أثناء الحرب العالمية الثانية. وهناك معنى كبير لرفع علم فلسطين ليصبح العلم 195 أسوةً بباقي دول العالم». ودعا عريقات المجتمع الدولي لاستمرار العمل لتجفيف مستنقع الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وبعاصمتها القدس الشرقية على اعتبار ذلك المدخل الحقيقي لهزيمة الإرهاب والتطرف والاحتلال والاستيطان الاستعماري ولتحقيق الأمن والسلام والاستقرار للمنطقة وشعوبها. واعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي هذا القرار إنجازا دبلوماسيا مهما يحمل دلالة رمزية كبيرة باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، واعترافا جديدا يؤكد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية. ومن المقرر أن يصدر مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية غدا حزمة من القرارات التي تتعلق بالتعامل مع الملف الفلسطيني وخطة التحرك التي تستهدف تنشيط وتفعيل دور الرباعية الدولية بعد انضمام كل من السعودية ومصر والأردن والأمين العام للجامعة حتى تساعد في الدفع بتصحيح مسار السلام.
مشاركة :