لقاء تاريخي يجمع البابا فرنسيس بالسيستاني في النجف

  • 3/6/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد - بدأ في العراق صباح السبت لقاء غير مسبوق بين البابا فرنسيس الزعيم الروحي لـ1,3 مليار مسيحي في العالم، والمرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في النجف، في واحدة من أهمّ محطات زيارة الحبر الأعظم التاريخية إلى البلاد. وبعدما التقى زعماء الطوائف الكاثوليكية الجمعة في بغداد، يمدّ البابا اليد إلى المسلمين الشيعة بزيارته السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً والذي لا يظهر في العلن أبداً، في منزله المتواضع في مدينة النجف على بعد 200 كلم إلى جنوب بغداد. ويعقد الرجلان لقاء مغلقاً لمدة ساعة يأتي بعد عامين من توقيع البابا فرنسيس وثيقة الأخوة الإنسانية مع إمام الأزهر، إحدى أبرز المؤسسات التابعة للمسلمين السنة ومقرها مصر. ويشكل السنة تسعين بالمئة من مسلمي العالم، بينما يشكل الشيعة عشرة بالمئة يتركز معظمهم في العراق وإيران، بحسب معهد الأبحاث الأميركي بيو (بيو ريسرش سنتر). ولن يسمح للإعلام بحضور اللقاء الذي بدأ حوالى الساعة التاسعة (06,00 ت غ)، إلا أنه مع ذلك يشكل مصدر فخر للعديد من الشيعة في بلد يعيش منذ 40 عاماً أزمات ونزاعات، من ضمنها حرب أهلية دامية بين المسلمين السنة والشيعة. ورفعت في بعض شوارع النجف لوحات عليها صور البابا فرنسيس وآية الله السيستاني مع عبارة بالانكليزية "اللقاء التاريخي". بعدٌ آخر ويقول رجل الدين الشيعي محمد علي بحر العلوم أن هذه الزيارة تشكّل مصدر "اعتزاز"، مضيفاً "نثمن هذه الزيارة التي ستعطي بلا شك بعدا آخر للنجف الأشرف". وفي مطار بغداد الدولي الذي نزل به الحبر الأعظم الجمعة، رفعت لافتة كبرى فيها دعوة إلى التعايش والحوار بين الأديان تتضمن اقتباساً من أحد أقوال الإمام علي الشهيرة "فإنهم صنفنان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق". والسيستاني أعلى مرجع لغالبية الشيعة في العراق. وهو من أهم مراجع الشيعة في العالم البالغ عددهم مئتي مليون، بسحب معهد بيو، ويشكلون أقلية من 1,8 مليار مسلم بالإجمال، حسب معهد "بيو". ويمثل السيستاني المولود في إيران مرجعية النجف التي تؤيد أن يكون دور المرجعية استشاريا للسياسيين وليس مُقرّرا، مقابل مرجعية قم في إيران التي تؤكد أن لرجال الدين دورا في إعطاء توجيهات سياسية على غرار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي. ويرى الكادرينال الإسباني ميغيل أنخيل أيوسو الذي يرأس المجلس البابوي للحوار بين الأديان أن "مدرسة النجف الفقهية أكثر علمانية من مدرسة قم التي لها اتجاه أكثر تديناً"، مضيفاً أن النجف "تعطي أهمية أكبر للبعد الاجتماعي" أيضاً. مصالح خارجية وألقى آية الله العظمى بثقله في العام 2019 لإسقاط الحكومة حينها بعد أشهر من تظاهرات قادها شباب احتجاجاً على الفساد والتردي في الأوضاع الاجتماعية في بلادهم. وينحو البابا كما السيستاني، إلى إطلاق مواقف سياسية غالبا. لكن كلاهما يعتمدان أسلوباً موزوناً في إطلاق مثل هذه المواقف. وفي خطابه الجمعة في بغداد، تطرّق البابا إلى مواضيع حساسة وقضايا يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس برهم صالح. فقال "لتصمت الأسلحة! ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!". وأضاف "كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامح! ليعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معا هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة". ودعا أيضاً إلى "التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي". وتجري زيارة البابا وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي ظل إغلاق تام سببه ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا مع أكثر من خمسة آلاف إصابة في اليوم. وتلقى البابا لقاحاً مضاداً للفيروس، فيما لم يشر مكتب السيستاني إلى أن آية الله العظمى حصل على لقاح من جهته. بعد النجف، يتوجه البابا فرنسيس جنوباً أيضاً إلى أور، الموقع الأثري الذي يعتقد أنه مكان مولد النبي ابراهيم، أب الديانات السماوية. وسيشارك هناك في صلاةً مشتركة مع رجال دين شيعة وسنة وأيزيديين وصابئة. بغداد - وجه البابا فرنسيس خلال أول زيارة بابوية للعراق، دعوة حماسية اليوم الجمعة لإنهاء عنف المتشددين وقتل الأخوة والصراع الديني الذي اجتاح البلاد لعقود، قائلا إنه يجب منح فرصة لصناع السلام في نهاية المطاف. وقال مخاطبا الرئيس العراقي برهم صالح وسياسيين ودبلوماسيين في القصر الرئاسي "لتصْمُت الأسلحة! ولْنَضَع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقَّف المصالح الخاصّة، المَصَالِحُ الخارِجيّة التي لا تَهْتَم بالسُكان المحليين... كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامُح!". ووصل البابا فرنسيس إلى مطار بغداد وسط إجراءات أمنية مشددة بعدما قال للصحفيين على متن طائرته إنه شعر أن من واجبه القيام بتلك الزيارة "الرمزية" لأن العراق عانى كثيرا ولفترة طويلة. وتجمع مئات الأشخاص في مجموعات صغيرة لرؤيته في بغداد مستقلا سيارة من طراز 'بي.إم.دبليو' مضادة للرصاص في خروج على المألوف للبابا الذي عادة ما يصر على استخدام سيارات صغيرة عادية. ورافق موكب من عشرات العربات البابا فرنسيس إلى خارج مبنى المطار الذي تعرض في الآونة الأخيرة لإطلاق صواريخ من فصائل مسلحة. ولم يضع معظم الناس على امتداد الطرق وحتى البعض في القصر الرئاسي الكمامات رغم خطر الإصابة بفيروس كورونا. وعندما كان البابا (84 عاما) يسير مع الرئيس العراقي كان يعرج بشكل ملحوظ مما يشير إلى أن آلام العصب الوركي ربما عاودته من جديد. وكانت الآلام قد اضطرته لإلغاء عدة فعاليات هذا العام. وانتقد البابا في خطابه في القصر المصالح الخاصة والأجنبية التي زعزعت استقرار العراق والمنطقة بشكل أوسع وأدت إلى تضرر عموم الناس أكثر من غيرهم. وقال "على مدى العقود الماضية، عانى العراق مِن كوارث الحروب وآفة الإرهاب ومِن صراعات طائفية تَقوم غالبا على أُصولية لا تستطيع أن تَقْبَلَ العَيْشَ معا في سلام، بَيْنَ مُخْتَلَف الجَماعات العِرْقِيَّة والدينية، بِمُخْتَلَف الأَفكار والثَقافات". وتحسن الوضع الأمني في العراق منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، لكن البلاد لا تزال مسرحا لتصفية حسابات دولية وإقليمية، لا سيما التنافس المرير بين الولايات المتحدة وإيران في الأراضي العراقية. وبعد سنوات من العقوبات الدولية والحرب المدمرة مع إيران في الثمانينات، أدى الغزو الأميركي عام 2003 إلى إغراق العراق في صراع طائفي وسوء إدارة مزمن منذ ذلك الحين. وتركت عقود من الصراع والفساد العراق باقتصاد ضعيف يعتمد على النفط، عاجزا عن توفير الخدمات الأساسية لسكانه البالغ عددهم 40 مليون نسمة. واندلعت احتجاجات واسعة ضد النخبة الحاكمة في عام 2019 قابلتها قوات الأمن وفصائل مسلحة بحملة صارمة أسفرت عن مقتل 500 شخص. ونشر العراق آلافا من أفراد الأمن الإضافيين لحماية البابا خلال الزيارة، التي تأتي بعد موجة من الهجمات بالصواريخ والتفجيرات الانتحارية. وقال البابا في تصريحات مقتضبة للصحفيين على متن طائرته "يسرني القيام بزيارات من جديد" في إشارة إلى جائحة كورونا التي منعته من السفر. وزيارة العراق هي الأولى للبابا فرنسيس خارج إيطاليا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وقال ماجين ديروس وهو عراقي مسيحي من بغداد "هذه زيارة فريدة من نوعها. نشعر بحماس وكلنا نحتاج هذه الزيارة، كل العراقيين". وسيستخدم البابا في تنقلاته طائرة وطائرة هليكوبتر وعربات لزيارة أربع مدن تشمل مناطق لا يستطيع معظم المسؤولين الأجانب الكبار الوصول إليها، فضلا عن حدوث ذلك في تلك الفترة القصيرة للرحلة. وسوف يترأس البابا قداسا في كنيسة ببغداد ويلتقي بالمرجع الأعلى لشيعة العراق في النجف بجنوب البلاد ثم يسافر شمالا إلى الموصل حيث اضطر الجيش لإخلاء الشوارع لأسباب أمنية العام الماضي استعدادا لزيارة رئيس الوزراء العراقي. وكانت الموصل معقلا لتنظيم الدولة الإسلامية ومازالت كنائسها ومبانيها تحمل آثار الصراع. ومنذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2017 يشهد العراق درجة أكبر من الأمن على الرغم من استمرار أعمال العنف وخاصة في صورة هجمات صاروخية من جانب فصائل متحالفة مع إيران على أهداف للولايات المتحدة وضربات أميركية ردا على ذلك. وما زال التنظيم المتطرف يمثل تهديدا. وفي يناير/كانون الثاني قتل هجوم انتحاري أعلن داعش مسؤوليته عنه 32 شخصا في أدمى هجوم من نوعه تشهده بغداد على مدى سنوات. وسيزور البابا كذلك مدينة أور مسقط رأس النبي إبراهيم وسيجتمع مع علي السيستاني (90 عاما) المرجع الأعلى لشيعة العراق.

مشاركة :