سأعود هذا الصباح إلى شيء من صدمة الأرقام التي ذكرها سعادة مدير عام تعليم منطقة عسير في مجلس الأمير، فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، وقد كتبت بعض تحديات هذه الأرقام في مقال سابق. عدد طلاب جسد التعليم العام في منطقة واحدة مثل عسير يبلغ اليوم 420 ألف طالب وطالبة. رقم مخيف، ومع هذا... تخيلوا... أنه رقم المنطقة التعليمية الخامسة بعد الرياض ومكة المكرمة والشرقية ومنطقة جازان. خذوا للمقاربة والمقارنة أن شهادة الابتدائية "المبروزة" في منزل والدي، رحمه الله، تعود لأخي الأكبر قبل خمسة عقود يوم كان شقيقي سادس الترتيب ولكن من بين مجرد ستة آلاف وسبعمئة وثلاثة وعشرين هم كل خراج كل ابتدائية هذه المملكة. اليوم مجرد عشر مدارس قد تكسر هذا الرقم. يقول سعادة مدير عام تعليم عسير إن عدد طلاب الصف الأول الابتدائي في منطقته الإدارية لهذا العام بلغ نيفا و32 ألف طالب من الجنسين، هنا خذوا حكاية الرقم المقابل: يتحدث سعادته عن دخول مجرد 921 معلما ومعلمة في وظائف العام الجديد، وهو رقم فقير، لولا أن بعضكم قد يقول لي إنك لم تخصم من رقم الأولى الابتدائية خراج ذات التعليم الذين غادروا الثانوية إلى جسد تعليم عال آخر. هنا الصدمة في مقاربة الأرقام: في نفس العام الذي دخل به ألف معلم ومعلمة إلى الوظيفة علينا أن نتذكر أن أكثر من 4000 معلم/ معلمة غادروا ذات الوظيفة وفي نفس المنطقة خلال ذات العام بالتقاعد النظامي أو المبكر. وهذا يعني بدهيا أن كتلة المعلمين بمنطقة تعليمية واحدة ستتحمل عبء فراغ ثلاثة آلاف متقاعد عن الوظيفة في الفوارق ما بين الرقمين فمن هو الضحية؟ الضحية الأولى هي بيئة التعليم بكل أركانها المختلفة. انتهى زمن المعلم الذي كان يعمل بنصاب من 24 حصة في الأسبوع مثلما هو من العبث أن يذهب أولادنا إلى ذات المدارس بسبع حصص في اليوم. المعلم في هذه الظروف لن يعطي والطالب أبدا لن يستجيب طالما أنه بصبر "أيوب" ينتظر صافرة الحصة السابعة. تكمن الكارثة الكبرى أنني أكتب مقالي لهذا الصباح وأمامي ملف مجلة "المعرفة" الصادرة عن وزارة التربية. تقرير مذهل يتحدث عن توزيع الأعمال التربوية ما بين المعلم والطالب ويومهما المدرسي ثم يختار هذا الملف أفضل خمسة نماذج لهذه المعادلة: من النرويج إلى اليابان مرورا بسنغافورة إلى السويد وسويسرا. انتهت المساحة ولكنني سأكتب ذروة مأساة المعادلة. حصة الرياضة الأسبوعية الوحيدة لطفلي الأصغر "خلدون" تأتي في الحصة السابعة ليوم الأحد، ومع 34 طالبا، له أن يلعب كرة القدم لنصف ساعة وكل قصة هذه الحصة تختصر حكاية التعليم ومهازله.
مشاركة :