الوجبات الجماعية تعلم الأطفال مهارات اجتماعية وسلوكيات صحية

  • 3/7/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نمط الحياة المعاصرة يكاد يكون هو نفسه لدى الكثير من الأسر التي أصبح فيها الالتقاء على طاولة الطعام وتبادل أطراف الحوار والتحدث عن مشاغل الحياة من الفرص النادرة، ما أدّى إلى مضاعفة مستويات الضغط والتوتر، وأفضى في النهاية إلى عادات غذائية غير صحية تهدد الأجيال في حياتها. يعدّ الالتقاء على طاولة الطعام من العادات الأكثر رسوخا في حياة معظم الأسر من مختلف الثقافات، إلا أن هذه العادة أصبحت نادرة أو معدومة بسبب نمط الحياة العصرية والشعور الدائم بالانشغال في العمل، والرغبة الملحة في استغلال الوقت وفي متابعة ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يبدو أنها سيطرت على حياة الكثيرين. أثار مثل هذا الأمر، القلق في صفوف بعض الخبراء من أن تتحول اللقاءات الأسرية على وجبات الطعام إلى ذكرى من الماضي السعيد، بعد أن باتت الأسر لا تجتمع على طاولة الطعام إلا في أوقات محدودة ونادرة. وفي حين يبذل الآباء والأمهات مجهودات مضاعفة ويقومون بأفضل ما في وسعهم من أجل تلبية متطلبات أطفالهم، لكن لا يتوفر للعديد منهم أي خيار سوى العمل لساعات طويلة، وهذا يعني أن العديد من الآباء مضطرون للبقاء بعيدين عن أطفالهم وتناول الطعام بمفردهم، وبسبب ذلك تفوتهم فترات هامة من حياة أبنائهم. وهذا النسق اليومي، أثر على جودة حياة الأسر وتغذيتها وصحتها ورفاهيتها، وحرم الأطفال من الكثير من المهارات الاجتماعية والعاطفية. تقييم أسلوب الحياة لكن تفشي وباء كورونا، الذي أرغم الناس على البقاء في المنازل، دفع بالبعض منهم إلى إعادة النظر في سلوكياتهم وتقييم أسلوب حياتهم القديم، بعد أن جربوا إيقاع حياة جديد مكنهم من القيام بأنشطة جماعية وساعدهم على التخلص من السلوكيات القهرية، التي لم تكن تجلب لهم السعادة، على عكس ما كانوا يعتقدون. وساعد هذا الاتجاه الجديد نسبة كبيرة من الأسر العربية على الاستغناء عن وسائل النقل العامة ومواجهة الازدحام، وضغط الوقت، وأتاح لعدد من الآباء والأمهات فرصا مهمة لرعاية أطفالهم والتفاعل اليومي معهم وموازنة متطلبات الحياة والعمل. تقول هنية اليعقوبي إنها ترحب بخيار العمل من المنزل ولا ترغب في العودة إلى لمكتب رغم أن هذا الأمر غير ممكن بالنسبة إليها بسبب نوعية وظيفتها التي تتطلب منها الذهاب للشركة، والرائع بالنسبة إليها أنها تمكنت بسبب الحجر الصحي من قضاء المزيد من الوقت مع أسرتها. اللمة العائلية توفر للطفل بيئة تسودها المحبة ما يعزز نموه الجسدي والعاطفي والفكري ويمنحه أفضل انطلاقة في الحياة وأضافت لـ”العرب”، “المريح هو أن يستيقظ المرء ولا يجد العمل ينتظره، لكن العمل من المنزل ليس خيارا متاحا لمعظم الموظفين في تونس لهذا اضطررت إلى الانقطاع عن العمل مدة معينة ثم عدت مجددا”. وتباينت وجهات النظر بشأن مرونة العمل من المنزل، إلا أن معظم الذين استطلعت “العرب” آراءهم لم يتحدثوا عن وجبات الطعام العائلية، التي تعدّ في نظر خبراء علم النفس والاجتماع ضرورية لإقامة روابط عاطفية بين أفراد الأسرة، ومنحهم مساحة لتبادل الطاقة الايجابية، والشعور بأنهم كيان واحد، يواجهون مسرات الحياة ومصاعبها معا، ويسعون جميعا إلى تحقيق الأفضل بالنسبة إليهم ومن يشاطرهم تلك الحياة. وتشير الأدلة إلى أنه إذا توفرت للطفل أثناء هذه الفترة تغذية صحيحة وبيئة تسودها المحبة ورعاية محفزة، سيتعزز نموه الجسدي والعاطفي والفكري وسيحصل على أفضل انطلاقة في الحياة. أما إذا واظب على العادات الغذائية الخاطئة فسيكون بدينا حين يكبر ومعرضا لأمراض السمنة وتداعياتها. وتمثل السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل فترة مهمة لتطوير السلوكيات الغذائية التي يمكن أن تكون بمثابة أساس لتطور أنماط صحية في المستقبل، وخلال هذه المرحلة المبكرة من العمر، يتعلم الأطفال ماذا ومتى وكم يأكلون، وفق ما ينتقل إليهم من معتقدات وتجارب وطقوس ثقافية وعائلية متعلقة بعادات تناول الطعام وطرق إعداده. وخلال سنوات المراهقة، فإن العادات الغذائية هي التي تشكل نمط حياة المراهق في سنوات عمره التالية. وهذا يعني أن الخيارات الغذائية للمراهقين لها علاقة وثيقة بصحة الأجيال اللاحقة من أبنائهم. ويتعين على البالغين أيضا اتباع سلوكيات غذائية صحية للحفاظ على صحتهم. لتجنب الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم أو الكولسترول، التي لا تكون واضحة، ولا يدرك الكثيرون أنهم مصابون بها. صحة ورفاهية الأطفال اتجهت أنظار الباحثين مؤخرا إلى أوقات الوجبات التي تعتبر جانبا أساسيا من جوانب الحياة الأسرية، حيث تؤثر على صحة ورفاهية الأطفال والبالغين. وقد أُثيرت بعض المخاوف من عواقب التخلي عن هذه العادات بشكلٍ كامل. وسلط بحث جديد نشرته جامعة إلينوي الأميركية، الضوء على الطرق التي يتم فيها التركيز الحصري على تحسين الوصول إلى الطعام أو إمكانيات إعداده ومهارات ترتيبه، حيث تكون أقل فاعلية إذا ما تمت بمعزل عن مشاركة الآخرين، كما يرى ألين بارتون، الأستاذ المساعد في قسم التنمية البشرية والأسرة والمؤلف الرئيسي للدراسة. وقال بارتون إن الدراسات السابقة حول أوقات الوجبات العائلية تميل إلى التركيز على العوامل الاجتماعية (مثل الوصول إلى الغذاء في المجتمع والأمن الغذائي) أو العوامل النفسية (مثل السلوكيات الفردية حول الأنشطة وتوقيت تناول الوجبات)، لكن الدراسة الجديدة تظهر أن كل الأبعاد مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعائلات. وأخضع بارتون والباحثون المشاركون في الدراسة، بريندا كوستر وإلينور فوجيموتو وباربارا فيسي، عينة تتكون من أكثر من 500 عائلة تمتلك أطفالا في سن المدرسة الابتدائية بجميع أنحاء ولاية إلينوي. وقد أجاب أفراد الأسرة على مجموعة من الأسئلة حول الأمن الغذائي، وتخطيط وإعداد الطعام، وتنظيم توقيت تناول الوجبات. وقام الباحثون بتحليل البيانات الخاصة بعد أن تم تقسيم العائلات إلى ثلاث مجموعات. تشكل المجموعة الأولى، 55 في المئة من عينة الدراسة، صنفت أنها آمنة من الناحية الغذائية وتتمتع بمستويات عالية من التنظيم الأسري. وأبلغت العائلات عن أدنى مستويات في انعدام الأمن الغذائي والفوضى الأسرية بالمقارنة مع بقية المجموعات، فضلا عن تسجيلها أعلى المستويات في طريقة تحضير الطعام، كما يقول بارتون. أما المجموعة الثانية التي شكّلت 27 في المئة من الدراسة، فقد لاحظ بارتون “أنها لا تعاني فقط من انعدام الأمن الغذائي، ولكنها سجلت أسوأ المستويات في الإعداد والتخطيط للوجبات”. أما المجموعة الثالثة، التي مثلت 18 في المئة من عينة الدراسة، فقد كانت لديها مستويات أمن غذائي متوسطة مقارنة مع المجموعتين الأخريين، لكنها كانت مماثلة للمجموعة الأولى في تخطيط الوجبات والفوضى الأسرية، والأمن الغذائي. وعلق بارتون قائلا “إن الجهود المبذولة لتعزيز أوقات الوجبات العائلية الصحية يجب أن تعالج من جوانب مختلفة ومتعددة”. وأضاف “نحن بحاجة إلى ضمان حصول العائلات على طعام صحي. ولكننا نحتاج أيضا إلى التأكد من أن الأفراد داخل الأسرة يشعرون بالكفاءة في الإعداد والتخطيط لوجبات الطعام، وأن التنظيم اليومي للوجبات في المنزل يتمتع ببعض الاستقرار والروتينية”. وحدد الباحثون أيضا اختلافات معينة بين المجموعات الثلاث في استراتيجيات تحضير الطعام وسلوكيات تناوله. وبشكل خاص، أبلغت العائلات في المجموعة الثانية (أولئك الذين يعانون من انخفاض شديد في الأمن الغذائي وصعوبة أكبر في تنظيم المهام اليومية) عن تناولهم لأقل عدد من الوجبات الأسبوعية معا، واستخدام أفرادها للأجهزة الإلكترونية أثناء تناولهم الوجبات، وتناول الطعام بعيدا عن المنزل مقارنة بالعائلات في المجموعات الأخرى. وكشفت الدراسة اختلافات واضحة على مستوى مجموعات العائلات، كما كان هناك أيضا بعض أوجه التشابه بينها، فالجميع يشتري الطعام من متاجر متنوعة، بما في ذلك محلات البقالة ومحلات التخفيضات والفضاءات التجارية الكبيرة، وتتشابه في كيفية التعامل مع الأشخاص الذين يصعب إرضاؤهم أثناء تناول الطعام وكذلك الرغبة في الحصول على نوعية معينة من الأطعمة. ولاحظ كويستر أن “النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة مهمة لتطوير موارد عملية يمكن للعائلات استخدامها لمواجهة التحديات التي تواجهها في تقديم وجبات صحية وتحديد أوقات منتظمة للوجبات العائلية. ويوفر البحث أيضا معلومات لصانعي السياسات لمعالجة القضايا الهيكلية حول إمكانية الوصول إلى الغذاء، بالإضافة إلى اقتراحات لتغيير السلوكيات داخل المنازل. وقال بارتن “نحتاج إلى أن نفهم أن المخاطر متعددة الأوجه، لذلك يجب أن نتجنب الإجابات والحلول قصيرة النظر. إننا نحتاج إلى معالجة انعدام الأمن الغذائي. ونحتاج أيضا إلى مساعدة الأفراد على زيادة ثقتهم في إعداد وجبات الطعام بالإضافة إلى بناء إجراءات روتينية وتنظيمية في الحياة داخل المنزل”. ويؤكد بارتون على أهمية إعطاء الأولوية لأوقات الوجبات العائلية بقوله “هذه الجوانب العادية من الحياة الأسرية قد تبدو تافهة لكنها جوانب مهمة حقا. فكر في جانب واحد تريد تحسينه في هذا المجال (سواء كان تناول وجبات صحية أكثر، أو استخدام أقل للشاشات أثناء تناول الوجبات، أو مجرد تناول المزيد من الوجبات معا خلال الأسبوع) والذي يساعد على وضع استراتيجيات لنمط حياة صحي في المستقبل”. لكن عندما يتم كسر العادات الأسرية الجماعية لتناول الطعام أو تجاهلها، قد يؤدي ذلك إلى ضعف الروابط العائلية وتصدع العلاقات، ومن المرجح أن تنشأ أنظمة غذائية غير صحية تهدد الأجيال بالبدانة والأمراض المزمنة. ولهذا ينبغي النظر إلى الأوقات الجماعية لأفراد الأسرة على طاولة الطعام على أنها، ليست فقط مجرد فرصة للتلذذ بتناول أطباق شهية بل للاستمتاع أيضا بالآثار الإيجابية للمّة العائلية والتغذية السليمة.

مشاركة :