بعد اثنتي عشرة رواية وتسع مجموعات قصصية وسيرة ذاتية سردية وديوان شعر عزز الكاتب د.عمار علي حسن إبداعه في مجال القصة القصيرة جدا بإصدار مجموعته "تلال الرماد"، عن سلسلة "أصوات أدبية" التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر. احتوت المجموعة على مائة وأربع وأربعين أقصوصة تتنوع بين الخارجة من رحم الواقع المعبرة عنه فنيا، وتلك التي تنحو إلى خيال جامح ورمزية واضحة، تبدو مناسبة لأجواء هذا اللون من القص الذي يعتمد على التكثيف الشديد. ومن يطالع قصص المجموعة يجد أن قصصها تتفاوت في حجمها بما لا يزيد على 26 كلمة، ومعظمها تتراوح عدد كلماتها بين 40 كلمة و50 كلمة، وقليل منها تتراوح بين 90 كلمة و110 كلمات، وهي تدور بين الريف والمدينة، وتراوح بين حنين إلى ما مضى ونبوءة بما سيأتي ووصف لما يجري، ما يجعلها موزعة على أزمنة متتابعة. على غرار ما ورد في مجموعة قصص قصيرة جدا أخرى للكاتب هي "عطر الليل" جاءت القصص أيضا مشبعة بروح إنسانية وفلسفية ونفسية، وتحفل بصور اجتماعية عما يكابده الفرد في وقتنا الراهن، وتبدو في مجموعها ومضات وشذرات ومشاهد وصور، إن كان كل منها يمثل وحدة فنية، فإنها جميعا تعبر عن رؤية واحدة لكاتبها حيال الناس والمجتمع والعالم والكون. ومن خلال قصصه هذه يغوص الكاتب في أعماق النفس البشرية، من خلال شخصيات آدمية احترقت بنار الحياة، وعذبتها أشياء وأحاسيس وتجارب كثيرة، منها الحب والعشق والوصال والفراق والمرض والخوف والفزع والطمع والجشع والخيانة وضياع السلطة وشبح كبر السن والإهمال وعدم الاهتمام والفوضى واللامبالاة الاجتماعية والظلم والاستبداد والعشوائية السكنية والتوق إلى الحرية، وأمور كثيرة أخرى، بما يجعلها تتضمن كل نوازع النفس التي تحرقها تجارب حياتية صعبة ومؤلمة ومقلقة، ومتقلبة بين اليأس والرجاء. وتصف بعض القصص حالة فردية أو إنسانية واحدة، وربما موقف سريع عابر حافل بالمعنى، وبعضها بوسعه أن يرسم ملامح حالة اجتماعية عامة، وربما ينطوي على تلخيص حقبة زمنية تمر بها أمة بأسرها. ولدواعي مفهومة ولأسباب متفهمة استخدم الكاتب في بعض الأقاصيص السردية الرمزية في العناوين والمتون لعمل إسقاط موضوعي على أشياء وموضوعات بعينها، خاصة في الأقاصيص التي تحمل مضمونا سياسيا غير مباشر. ويمكن أـن نضرب مثلا على الحالة الأولى بهذه القصة التي تقول: "سمعت صرخة في جوف الليل، فنهضت مسرعًا نحو النافذة، وفتحتها على عجل فرأيت أمامي خيطًا من نار يتلوى في فضاء الشارع الوسيع، لم يلبث أن انحنى وغاب في الحواري البعيدة. رميت بصري لأعرف منبعه، فوجدتها نافذة ذلك الفتى الذي غادرته محبوبته فجأة منذ شهور، وأعيته حيل الوصول إليها بلا جدوى". وتمثل الحالة الثانية قصة أخرى تقول: "قرر الرجال الأشداء إزاحة حجر ضخم مغروس في منتصف الشارع يعيق السائرين. جاءوا بحبل متين، وربطوه من جوانبه، وبعضهم مد يده وراح يحركه يمنة ويسرة، حتى تقلقل. شدوا فجأة فانخلع وجروه بعيدًا فصنع حفرة، أطلت منها رؤوس ثعابين ضخمة، راحت تطلق فحيحًا مرعبًا، بينما كانوا هم قد سقطوا تعبًا، ولم يعد بوسعهم إعادة الحجر إلى مكانه أو منازلة الثعابين أو حتى الهروب". وتتنوع شخصيات المجموعة القصصية بتنوع مجالات الحياة، ففيها الحاكم والمحكوم والظالم والمظلوم والفقراء والمعدمين والمتسولين والسجناء وضحايا الاستبداد وكبار السن واللصوص والمحامين والكتاب والمراهقين والعاشقين والأئمة ومدمني الخمور، وفي بعض الأقاصيص يجني كل شخص ثمرة ما فعله، خيرا أو شرا. ويجد عمار علي حسن في فن القصة القصيرة جدا ما يتماشى مع روح العصر، إذ أن كثيرين يفضلون هذا التكثيف في زمن السرعة الشديدة، مشيرا إلى أنه قد نشر قصصا كثيرة من المجموعة على حسابه بـ "تويتر"، ولاقت رد فعل طيب من الجمهور، قبل أن يجمعها بين دفتي كتاب. ويقول عمار إنه كان يعتقد أنه لن يعود إلى هذا النوع من الكتابة بعد "عطر الليل" لكن ظروف العصر تأخذه إلى القصص القصيرة جدا، إلى جانب كتابته للقصة والرواية. وحول نشره هذه المجموعة في سلسلة "أصوات أدبية" بعد سنوات طويلة من صدور رواياته وقصصه عن كبرى دور النشر المصرية والعربية الخاصة قال عمار "هذه سلسلة جيدة، نشرت أعمالا مهمة، فضلا عن هذا فأنا أقصد أن أنشر بين حين وآخر كتبا تباع بسعر منخفص، ويوزعها باعة الصحف، حيث إن كتبي التي تصدرها دور النشر الخاصة لا تصل إلى المدن المصرية البعيدة". يشار إلى أن "تلال الرماد" هي المجموعة القصصية التاسعة لعمار علي حسن، المتفرغ للكتابة تماما منذ 2011، إلى جانب اثنتي عشرة رواية وديوان شعر وقصة للأطفال وسيرة ذاتية سردية، وأربعة كتب في النقد الثقافي والأدبي، وكتابين في التصوف، وعشرين كتابا في الاجتماع السياسي والفلسفة السياسية.
مشاركة :