يُفْنِي المرء منا عمره، أو جزءا كبيراً منه في أداء العمل المكلف به متدرجا من مستوى إلى آخر أرفع منه، وفي عمله هذا نجده يبدع ويتفانى لتحقيق أفضل النتائج بشهادة مخرجات عمله ومن تعامل معهم داخل الدائرة أو خارجها. هنا أخاطبك أيها المرء وأقول: في يوم ما، شئت أم أبيت، ستضطر إلى ترك عملك إما لوفاة أو تقاعد أو رغبة إدارية في الجهة التي تعمل فيها. في هذه اللحظة احمد الله ولا تحزن أو تقلق لما حصل فقد يسر الله لك الخروج بسلام وراحة بال. الشيء المهم الذي حريّ بك أن تقلق بشأنه هو ما خلّفته من عمل وتعامل. هل أديت الأمانة كما ينبغي وبذلت كل ما تستطيع من جهد، وسخرت كل الامكانات المتاحة لأداء ما هو مطلوب منك ؟ وهل تعاملت مع من حولك من رؤساء ومرؤوسين بما يرضي الله ويخدم المصلحة العامة ؟ اسلوب تعاملك مع الآخرين سيحين وقت حصاده بعد خروجك من دائرة العمل ولو إلى جهة أخرى. أصوات ستتردد في الممرات والردهات وداخل الغرف، ويبدأ الهمز واللمز سرا أو علانية. في هذا الوقت، الشيء الذي ستجنيه هو ما قدمت يداك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. نسبة المجاملة ستكون محدودة لأنك خارج التشكيلة ولكن مرة أخرى كن واثقا ودع القلق جانبا فرائحة عطر عملك الزكية وتعاملك النديّ ستأخذ طريقها إلى الانوف رغما عنها محدثة أطيب الأثر. ما هي إلا لحظات محدودة بعد المغادرة وتسمع رجع الصدى؛ فهذه رسالة وتلك مكالمة وهذا حوار وثناء.. كلها ستعرف طريقها اليك مخترقة كل الحواجز لتجعلك تعيش أحلى أيامك وتقول: الحمد لله الذي مكنني من أداء عمل جيد وتعامل إنساني راقٍ أنساني كل همومي وما واجهته من تعب وعناء خلال فترة عملي. أنت في حالتك هذه، يا صديقي، أشبه ما تكون بأشجار الياسمين فهي لا تُتْعِب أحداً في البحث عنها لأن عبيرها الزاكي يدل عليها. دع الخلق للخالق، وسترى أن الله هيأ لك أُناساً يتسابقون في إيضاح الحقائق وكشف كل مستور، وهم يفعلون ذلك تفاعلاً مع وقائع عاشوا لحظاتها وكانت واضحة لكل منصف. الصوت الواحد قد لا يكون كافياً، ولكن متى ما تعالت الأصوات وكثرت تنكمش احتمالات المجاملات وتظهر الأمور في صورتها الواقعية دون زيادة أو نقص أو تزوير. الزمن كفيل بأمرين مهمين؛ أولهما: المداواة التي قد تطول أو تقصر وفقاً لآثار الجرح ومضاعفاته. الأمر الآخر هو ظهور صادقين أمناء يقولون : أيها الناس هذه هي الحقيقة، ويدعمون كلامهم بالأدلة والبراهين على حسن ما قدمت، والتي قد تكون خافية على غير ذوي الاختصاص البعيدين عن دائرة العمل. في الوقت نفسه ستجد أن هناك فئة من المنتفعين أو الحاقدين أو الحاسدين ممن يحاول قلب الحقائق وتصوير الأمور على غير ما هي عليه، وهؤلاء حالهم حال من يحاول تغطية الشمس المشرقة بغربال. صديقي: أياً كان موقع عملك، وأياً كانت حالتك، اعلم أن لكل شيء نهاية وما لك إلا ما قدمت ولا مجال للمغالطة وتشويه الحقائق فرسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، والشاعر يقول: الحقّ أبلجُ لو يبغون رؤيته هيهات يُبصر من في ناظِرَيه عمى
مشاركة :