واقع مرير وأحوال معيشية صعبة تعيشها مدينة عدن الساحلية، بعد شهر ونيف من تحريرها من ميليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. فمعاناة السكان مع الكهرباء «موت من نوع آخر» تشهده المدينة في ظل صيف حار تصل فيه درجة الحرارة إلى 37 درجة مئوية. ويوجه السكان اللوم للحكومة الشرعية لعدم تحركها لحل هذه المشكلات التي تعيشها العاصمة المؤقتة للبلاد، التي غيرت مجرى التاريخ بدحرها للانقلابيين. يقف الناس الآن في عدن، كبرى مدن الجنوب، عاجزين عن فك اللغز المحير للانقطاعات المتكررة للكهرباء، ليظل المواطن منتظرًا عودة التيار. لم يعد المواطن يستطيع النوم أو العمل بسبب الكابوس المرعب الذي يسمى «الكهرباء»، حيث تشهد عدن، حالة من المعاناة المستمرة، نظرًا لتكرار انقطاع الكهرباء يوميا لساعات طويلة تتجاوز أحيانا 8 ساعات، إضافة إلى رداءة معظم مولدات الكهرباء والقواطع الكهربائية والتمديدات وأعمدة الكهرباء، التي تجاوزت أعمارها الافتراضية في معظم مدن المدينة. من جانبه، أشار مدير عام مؤسسة الكهرباء بعدن المهندس مجيب الشعبي إلى أن الطاقة المشغلة حاليًا غير مستقرة بسبب خروج محطة شهناز (التحويلية) عن الخدمة بشكل نهائي، وكذا الأضرار التي لحقت بالشبكة والمحطات التحويلية والمحولات الفرعية، مرجعًا استمرار الانقطاعات اليومية إلى الحمل الثقيل على المؤسسة. وأوضح أن الطاقة المطلوبة للمدينة 322 ميغاواط، قابلة للزيادة، إذ إن بعض الأحياء ما زالت بدون إنارة حتى اليوم، وكون إجمالي نسبة التوليد المتوفر حاليًا هو 210 ميغاواط والمدينة بحاجة إلى طاقة بأكثر من 320 ميغاواط. وأوضح أن نسبة الدمار التي تعرضت لها الكهرباء جراء الحرب التي شنتها ميليشيات الحوثيين وقوات صالح منذ أواخر مارس (آذار) 2015 على عدن، كبيرة جدًا، وبعض المدن والأحياء تعرضت لأضرار بنسبة تفوق 75 في المائة خصوصًا مدن كريتر والمعلا والتواهي وخور مكسر. وأوضح الشعبي أن الإصلاحات التي قامت بها المؤسسة تتعلق بإعادة التيار الكهربائي إلى جميع مدن ومديريات عدن، وما زالت المؤسسة تعمل على إيصال التيار الكهربائي إلى بقية الأحياء السكنية التي لما تصل إليها. وحول ما يشاع من أن كهرباء عدن ما زالت مربوطة مركزيًا بمحطة مأرب، أكد الشعبي أن كهرباء عدن منفصلة حاليًا عن محطة مأرب بشكل كلي. وحول التدخلات الإماراتية لإعادة تأهيل كهرباء عدن إلى سابق عهدها، أشار مدير عام مؤسسة الكهرباء إلى أن الهلال الأحمر الإماراتي قام بدفع مستحقات شركة التأجير إلى جانب شراء نسبة من الطاقة تبلغ حتى اللحظة 64 ميغاواط. وحول الصعوبات والمعوقات التي تواجه مؤسسة الكهرباء بعدن إبان حكم المؤتمر الشعبي بأن عدم توفر موازنة تشغيلية هو السبب الرئيسي في ذلك، إلى جانب عدم توفر مواد الشبكة، وكذلك قطع غيار المحطات، بالإضافة إلى عدم إجراء عمليات الصيانة باستمرار، أكد أن جميع ما يتم القيام به حلول ترقيعية ليس إلا. وأضاف: «نحن بحاجة إلى محطة استراتيجية للمدينة»، مضيفا أن «اتفاقيات القروض لتمويل صيانة الشبكة لا تزال رهينة الروتين الذي يمارسه أناس تنقصهم النزاهة في وزارتي التخطيط والمالية بينما المفروض أن تتكفل المؤسسة بذلك وتخضع للرقابة فقط». ويشتكى سكان عدن من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وعجز إدارة الكهرباء في المنطقة عن إيجاد حلول جذرية لمشكلات الكهرباء التي أثقلت كاهل الجميع. وقال أحد السكان لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اجتمعت علينا حرارة الجو، وغلاء الأسعار وانقطاعات الكهرباء وخسائرها»، مضيفًا أن استمرار انقطاع الكهرباء لأكثر من 8 ساعات في اليوم يضاعف المعاناة في المدينة ذات الأجواء الملتهبة، ويتسبب في تلف الأجهزة الكهربائية، وتكبيد المواطنين خسائر كبيرة، ومعاناة كبيرة للمرضى وكبار السن الذين يستخدمون أجهزة تعمل على الكهرباء. وأمام الانقطاع المتكرر للكهرباء، يضطر عدد من الأهالي لترك منازلهم والتوجه لسياراتهم هربًا من ارتفاع درجات الحرارة خصوصًا عند انقطاع الكهرباء في الظهيرة. وقال مواطن في العقد الخامس من العمر يدعى عبد الرحمن الشعبي: «مؤسسة الكهرباء لم تقدم سوى الوعود لحل المشكلة، ولدينا أطفال وكبار في السن. أهالي عدن يعانون من الانقطاعات المتكررة لوقتٍ طويل». وأضاف: «نطالب الحكومة بضرورة حل مشكلة الانقطاعات المتكررة بشكل جذري، خصوصا مع حرارة الصيف». بدورها، قالت نجوى قاسم، وهي عاملة في قطاع التربية وفي الثلاثينات من العمر، إن «معاناة السكان مع الكهرباء تزداد سواء يوما بعد يوم، ولا نعلم سبب صمت المسؤولين تجاه هذه الوضعية. لقد سئمنا وعودهم ولم نعد نصدقهم». ثم تساءلت: «أين ذهبت مولدات ودعم الإمارات للكهرباء؟ هل تم فعلا بيع جزء منها من قبل مسؤولين في عدن كما نسمع في وسائل الإعلام؟ لقد قدمت عدن تضحيات جساما فهل يعقل أن يتم مكافأتها بهكذا عذابات؟». بدوره، قال كبير مهندسي الكهرباء في عدن، المهندس أحمد عفيف لـ«الشرق الأوسط»، إن الطاقة المطلوبة لكهرباء عدن حاليا هي 300 ميغاواط، والمدينة بحاجة إلى محطات توليد بـ250 ميغاواط، مع توفير قطع الغيار والوقود لمحطات المؤسسة ومحولات ومفاتيح لمحطات نقل وتوزيع الطاقة. وأشار إلى أن نسبة الخراب والدمار في محطات وشبكات الكهرباء في عدن، وخصوصا في مديريات كريتر وخور مكسر والتواهي والمعلا، تجاوزت 80 في المائة. وأوضح أنه تم نهب مخازن المؤسسة وقطع الغيار المخزون، ولم يعد هناك أي كابل أو توصيلة لإصلاح الخلل، مضيفا أن كل هذه المواد المطلوبة سيجري شراؤها من السوق. وحول المولدات الجديدة المقدمة من دول التحالف الداعمة للشرعية، أكد عفيف أنه قبل نحو أربعة أسابيع وصل 17 مولدا يعطي نحو 12 ميغاواط إلى عدن، دخلت الخدمة قبل أسبوعين، إضافة إلى 10 مولدات سابقة ركبت في محطة عبد القوي الملعب. وقال أيضًا إن «هناك 10 مولدات ستعطي 8 ميغاواط ما زالت في الميناء، ونحتاج عشرة أيام لنقلها وتركيبها».
مشاركة :