استيعاب اللاجئين يكلف أوروبا 23 مليار يورو هذا العام

  • 9/13/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لا توجد قضية تشغل بال السياسيين ووسائل الإعلام الأوروبية والرأي العام حاليا بقدر ما تشغله قضية المهاجرين واللاجئين، الذين يتدفقون على القارة الأوروبية بمئات الألوف. القضية بالطبع تمثل تحديا لأوروبا على كافة الأصعدة، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو العرقية أو الأخلاقية، سمها كما تشاء، وستجد أن قضية المهاجرين تمثل تحديا يدرك قادة أوروبا، أنه لن يكون مرحليا أو مؤقتا، بل هم على يقين أنهم يواجهون مشكلة ستتواصل لسنوات طويلة ولربما لعقود. وفي لب المشكلة يقع العامل الاقتصادي باعتباره حجرا من أحجار الزاوية للأزمة الراهنة. والعامل الاقتصادي الذي يقلق أوروبا، ليس هو الدوافع الاقتصادية لهؤلاء المهاجرين واللاجئين، إنما قدرتها على تمويل واستيعاب تلك الأمواج البشرية التي تضرب شواطئها سعيا للوصول إلى دول الشمال الأوروبي الغنية. وعلى الرغم من أن الأوروبيين يتساءلون الآن إلى أى مدى يتمتعون بالقدرة الاقتصادية، والموارد المالية لاستيعاب المهاجرين واللاجئين؟ فإن القضية بالنسبة إلى القيادة الأوروبية أكبر وأعمق وأكثر خطرا من ذلك. ويختصر كبار المسؤولين الأزمة الحالية في سؤال يدور حول المستقبل، أكثر من تركيزه على الوضع الراهن، والسؤال هو: هل سيعود استيعاب هؤلاء المهاجرين واللاجئين بفائدة اقتصادية على المجتمعات التي سيهاجرون أو يلجأون إليها على الأمد الطويل؟ أم أنهم سيمثلون عبئا اقتصادياً يؤدي إلى تراجع معدلات النمو الحالي؟ مشروعية السؤال في نظر كثير من الاقتصاديين، منبعها أن أزمة اللاجئين والمهاجرين جاءت في توقيت سيئ للغاية لأوروبا، خاصة لمنطقة اليورو، التي تمثل القاطرة التي تجذب الاتحاد الأوروبي، وتعاني معدلات نمو متدنية حاليا. ولا شك أن الوضع الاقتصادي الصعب لبلدان الاتحاد الأوروبي عامة، ومنطقة اليورو خاصة، يزود التيارات السياسية المعادية لاستقبال اللاجئين والمهاجرين بذخيرة، تستخدمها ضد التيارات المرحبة باستقبال القادمين الجدد، وتخلق بذلك رأيا عاما معاديا لأي جهود حكومية ترغب في استيعاب المهاجرين واللاجئين ضمن المنظومة الاقتصادية والثقافة الأوروبية. ويزيد البعد الاقتصادي للمشكلة إرباكا وغموضا، أن أزمة المهاجرين واللاجئين لا تزال تشهد درجة عالية من السيولة، سواء تعلق الأمر بالأعداد المتدفقة على القارة الأوروبية الآن، أو المتوقعة مستقبلا، وكذلك النزاع الذي تشهده أوروبا بشأن الحصة المنوط بكل دولة استضافتها، حيث تتبنى دول أوروبا الشرقية موقفا معاديا تماما للقادمين الجدد وترفض قبولهم على أراضيها، بينما تظهر بلدان مثل بريطانيا ترحيبا حذرا بهم، بدعوى عدم توافر إمكانيات مالية ضخمة لها في الوقت الراهن، لاستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين واللاجئين. هذه السيولة في المعلومات تضع كثيرا من الاقتصاديين الأوروبيين في معضلة، لأن غياب إحصاءات دقيقة ومحكمة، حول الأعداد الراهنة والمستقبلية للاجئين والمهاجرين، يجعل من الصعب بمكان تقديم إجابات قاطعة، بشأن التكلفة المالية التي ستتحملها الميزانيات الأوروبية للعام المالي الحالي والمقبل، لاستيعاب مئات الألوف من هؤلاء البشر الذين يرغبون في حد أدنى من الحياة الكريمة. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور مارك بابز أستاذ التخطيط الاقتصادي في جامعة أكسفورد، "إنه بدون توافر إحصاءات دقيقة ستكون كل الأرقام تقريبية، ويزداد الأمر تعقيدا أن المشكلة لم تنته"، فما حدث الآن من تدفق للاجئين والمهاجرين لم يكن أكثر من الموجة الأولى التي ستتبعها موجات أخرى، وحتى الآن لا توجد إحصاءات بشأن المستوى التعليمي والمهني للقادمين الجدد، فهذا المستوى لن يكون له تأثير كبير عند الحديث عن تكلفة الإيواء، ولكنه شديد الأهمية في تحديد تكلفة الاندماج المجتمعي. وأضاف أنه "تجب التفرقة بين تكلفة الإيواء وهي التكلفة الأولية التي ستتحملها البلدان الأوروبية التي ستستوعب هؤلاء المهاجرين واللاجئين، وتتضمن عمليات النقل والسكن والفحوصات الطبية الأولية والتسجيل في المدارس، وهنا المستوى التعليمي للمهاجرين واللاجئين لن يؤثر كثيرا، إنما العامل الذي سيحدد تلك التكلفة هو أعدادهم، أما المستوى الآخر من التكلفة ويتضمن تكلفة الدمج المجتمعي، كتعليم اللغة والرعاية الصحية المتواصلة، وتمويل السنوات المقبلة من التعليم، وغيرها من النفقات الأخرى سواء لتأهيل المهاجرين واللاجئين للاندماج في المجتمع، أو لإحداث توسيعات عمرانية وغيرها لاستيعاب الأعداد الراهنة والمقبلة منهم، فإن تلك التكلفة ستصبح بندا رئيسيا في الميزانيات الأوروبية في السنوات المقبلة". وحتى الآن لا يتوافر رسميا رقم إجمالي حول التكلفة المالية التي ستتحملها أوروبا لاستقبال واستيعاب هؤلاء القادمين الجدد، إلا أن هذا لا ينفي وجود أرقام من بعض الدول التي ستتحمل أعدادا كبيرة من المهاجرين واللاجئين مثل ألمانيا. ففي عام 2013 أنفقت المانيا نحو 1.5 مليار يورو على طالبي اللجوء بمتوسط بلغ 12.500 يورو سنويا، وإذا قررت برلين إنفاق ذات المبلغ على كل مهاجر ولاجئ حاليا، فإنها ستنفق نحو عشرة مليارات يورو لتوفير السكان والتعليم للقادمين الجدد. وأوضح لـ "الاقتصادية"، ويلرد ليموان الباحث في قضايا الهجرة، أن الفائض في الميزانية الألمانية 301 مليار يورو ومن ثم فإن عشرة مليارات مبلغ زهيد، ولهذا السبب تحديدا لم يعارض فولفجانج شويبله وزير المالية استيعاب المهاجرين واللاجئين، وعندما طلبت وزيرة العمل زيادة 1.8 مليار يورو للميزانية المخصصة للاجئين للعام المقبل المقدرة بـ 3.3 مليار لتعليم اللغة وتقديم تدريب مهني لم يعترض وزير المالية، مضيفاً أن "التقديرات الأولية تقول إن قضية المهاجرين واللاجئين ستكلف ألمانيا سنويا سبعة مليارات يورو ابتداء من عام 2019". وتشير التقديرات إلى أن ألمانيا بمفردها تتوقع أن يسجل ما يراوح بين 240 و260 ألف لاجئ ومهاجر العام المقبل في سجلات الباحثين عن عمل، وسيكون لديها القدرة الاقتصادية على توفير وظائف لما يراوح بين 175 و235 ألف شخص. ويتوقع أن يقفز العدد إلى مليون شخص بحلول عام 2019، إذ ترجح الحكومة الألمانية قدوم نحو 800 ألف لاجئ سنويا، ولن تسمح إلا لما يراوح بين 35 و45 في المائة منهم فقط بالبقاء على أراضيها. ولكن إذا كانت ألمانيا ستتحمل بمفردها نحو عشرة مليارات يورو لاستيعاب القادمين الجدد، فماذا عن البلدان الأوروبية الأخرى وهل لديها القدرة المالية على تحمل تلك التكلفة؟ الدكتور توم كورن كبير الباحثين في مركز الأبحاث الاقتصادية الأوروبية يعتقد أنه يصعب وضع صورة موحدة لأوروبا بهذا لشأن. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن "الاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا ستكون لديها المقدرة على تمويل تكلفة استيعاب المهاجرين واللاجئين، سواء من خلال رصد مبالغ مالية أو بتحويل المدفوعات المالية من بند إلى آخر كما فعل جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، فقرر تمويل تكلفة استيعاب القادمين الجدد من أموال المساعدات البريطانية للبلدان النامية والفقيرة". وأشار كورن إلى أن الدول الأوروبية الفقيرة لن يكون في مقدورها تمويل استيعاب اللاجئين، وهو ما قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تحمل التكلفة، مقابل بقاء هؤلاء المهاجرين واللاجئين على أراضي تلك البلدان، وفي هذه الحالة فإن التقدير الأولي وحتى تعلن الإحصاءات النهائية، يشير إلى أن التكلفة الإجمالية لكافة البلدان الأوروبية لاستيعاب القادمين الجدد يمكن أن تراوح بين 18 و23 مليار يورو هذا العام. ومع هذا فإن ما تثيره وسائل الإعلام الأوروبية من تساؤلات حول قضية التكلفة التي ستتحملها الحكومات الأوروبية لاستضافة المهاجرين واللاجئين، وتأثير ذلك في الميزانيات العامة، يواجه بمزيج من الامتعاض والرفض، من قبل مجموعة كبيرة من المختصين الاقتصاديين، الذين لا يتوانون في وصف النظر إلى القضية من تلك الزاوية بأنه عملية تبسيط مخلة لقضية اقتصادية شديدة الحيوية لمستقبل أوروبا. الدكتورة جوليا آرنيست الاستشارية السابقة للمفوضية الأوروبية والمختصة في شؤون الهجرة، تعتبر أن حصر البحث في قضية المهاجرين واللاجئين في سؤال واحد، يتمحور حول القيمة المالية التي سيكلفها كل قادم جديد للميزانية، سؤال يستبعد تماما المستقبل ويحصر القضية في لحظة زمنية محددة، ومن ثم تغيب الفوائد الاقتصادية التي ستعود على المجتمعات الأوروبية نتيجة استيعاب المهاجرين واللاجئين الجدد على الأمد الطويل، ويخلق شعورا بالرفض من قبل الرأي العام. وأوضحت آرنيست لـ "الاقتصادية"، أن التكلفة الراهنة على الرغم من أهميتها، فإنها لا يجب أن تكون العامل الحاسم في التعامل مع ملف الهجرة واللجوء، وأغلب الدول الأوروبية إن لم يكن كلها تتمتع باقتصادات قوية قادرة على استيعاب الأعداد المتدفقة من طالبي اللجوء أو الهجرة، والتكلفة التي سيتم تحملها حاليا سيتم الحصول على أضعافها لاحقا جراء دمج هؤلاء الأشخاص في سوق العمل. وتشير آرنيست إلى أن البعض في بريطانيا طرح في بدايات الأزمة ترحيل المهاجرين أو اللاجئين، وذلك على الرغم من أن عمليات الترحيل التي قامت بها الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ عام 2000، ووفقا لبعض المواقع البحثية الجادة كلفت الخزانة العامة 11 مليار يورو، إضافة إلى بضعة مليارات أخرى دفعتها لندن للاتحاد الأوروبي بدعوى حماية الحدود الأوروبية من المهاجرين، وإذا تم استخدام تلك المليارات لاستيعاب هؤلاء البشر ودمجهم في المجتمع لكانت النتيجة أكثر جدوى وفائدة اقتصادية لنا. وتعتقد آرنيست أن ألمانيا وفرنسا والسويد إلى حد ما تعلموا الدرس، وأن المهاجرين واللاجئين سيحققون مصالح اقتصادية ضخمة على الأمد الطويل، فأغلبهم ينتمي إلى فئة الشباب، وسيعملون لسنوات طويلة في المستقبل، وسيدفعون الضرائب، ومن ثم سيسددون تكلفة الاندماج وسيربح المجتمع، وأغلب الدراسات الاقتصادية الموثوق بها، تؤكد أن الإضافة المالية التي تصب في المجتمع نتيجة عمل هؤلاء أعلى مما ينفق عليهم. ولا تمنع تلك النظرة الإيجابية تجاه المساهمة الاقتصادية للمهاجرين واللاجئين، البعض من الدعوة إلى إدراك أن المساهمات الصافية للقادمين الجدد في الاقتصاد تتطلب بين ثلاث وخمس سنوات بعد حصولهم على التدريب المهني اللازم، ودرجة مقبولة من الاندماج في المجتمع، وهو ما يجعل كثيرا من السياسيين أكثر تركيزا على مفهوم التكلفة منه على مفهوم العائد. ورغم ذلك فإن البعض يعتقد أن التعرف على البعد الاقتصادي للأزمة الراهنة، وتأثيرها المستقبلي في أوروبا، يتطلب معرفة تأثير هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين من طالبي الهجرة أو اللجوء، في كل من سوق العمل ومستوى الأجور في المجتمعات والبلدان التي سيستقرون فيها، وفي ذلك تتباين وجهات النظر بشدة بين معظم الاقتصاديين. "الاقتصادية" توجهت بالسؤال إلى ثلاثة من المختصين في مجال أسواق العمل والأجور لمعرفة تأثير تدفق المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا في الآداء الاقتصادي لتلك الأسواق، لتحصل على وجهات نظرة مختلفة وأحيانا متضاربة بهذا الشأن. الدكتورة الين توماس المختصة في أسواق العمل الأوروبية تعتقد أن الأعداد الكبيرة من القادمين إلى أوروبا منذ بداية العام وتحديدا في الأشهر الأخيرة، يمكن أن تحدث خللاً في الاستقرار التقليدي في سوق العمل في بلدان الاتحاد الأوروبي، بما ينعكس سلبا على المستوى الراهن للأجور. وأوضحت توماس لـ "الاقتصادية"، أن أحد أبرز جوانب القصور في أسواق العمل الأوروبية تتمثل في عدم مرونتها خاصة في بلدان أوروبا الشرقية السابقة، فقوانين تنظيم العمل في الاتحاد الأوروبي صارمة للغاية، إضافة إلى الموروث السابق للبلدان التي خرجت من العباءة الاشتراكية حيث تتمتع النقابات العمالية بقوة وسطوة شديدة على الطبقة العاملة، ومن ثم فإن إضافة مزيد من القوة العاملة بأعداد كبيرة، وبشكل مفاجئ إلى السوق، أمر مضر بالاقتصاد الوطني، والأمر مشابه تماما لمحاولة ضخ كمية كبيرة من المياه في أنبوب ضيق. وتضيف توماس أن "الزيادة من قوة العمل نتيجة المهاجرين واللاجئين ستمنح الرأسمالية المحلية فرصة للضغط على الطبقة العاملة لديها، ليس بالضرورة بخفض الأجور، إنما برفض منحهم الزيادة السنوية المطلوبة، لوجود بديل في الأسواق يتمثل في القادمين الجدد، ولهذا أتوقع أن تشهد مستويات الأجور تراجعا كنسبة من إجمالي النفقات في العملية الإنتاجية". الدكتور كيلي أندرو الاستشاري في الاتحاد الأوروبي والمختص في قضايا الهجرة، يرفض وجهة النظر تلك، ويعتبر أن أوروبا في أمس الحاجة إلى مزيد من الأيدي العاملة. وأضاف أندرو لـ "الاقتصادية"، أن "ألمانيا تعد القاطرة الاقتصادية التي تجذب منطقة اليورو ومعها الاتحاد الأوروبي ككل، ومن ثم تراجع الاقتصاد الألماني يعني عمليا تراجع الاقتصاد الأوروبي ككل، وفي هذا السياق فإن قوة العمل الألمانية ستتراجع من 45 مليون عامل الآن إلى 36 مليونا فقط بحلول 2030، وفي عام 2035 سيحال إلى التقاعد في ألمانيا نحو 13.4 مليون شخص بينما سيحل محلهم 7.2 مليون شخص فقط، والأمر ينطبق أيضا على عدد من بلدان الجنوب الأوروبي مثل إيطاليا وإسبانيا، فبحلول عام 2050 سيكون ثلث السكان قد تجاوز الـ 65 عاما". ولذلك التقديرات الأولية تشير إلى أن ألمانيا بمفردها في حاجة إلى 350 ألف عامل سنويا لضمان الاستقرار في سوق العمل، والأمر ربما يختلف قليلا في دولة مثل بريطانيا التي لا تزال أكثر شبابا من ألمانيا وسوق العمل فيها أكثر حيوية. ورغم ذلك فإن دراسة حديثة كشفت أن استيعاب بريطانيا لـ 260 ألف مهاجر، ستكون إنتاجيتهم كفيلة بسداد الدين العام خلال نصف قرن، ومن ثم فإن أسواق العمل في معظم البلدان الأوروبية في أمس الحاجة إلى الأيدي العاملة الجديدة، ولهذا لا يجب أن توجد أي مخاوف من أن هؤلاء المهاجرين واللاجئين سيأخذون فرص عمل السكان المحليين. وأشار أندرو إلى أنه بالنسبة إلى مستوى الأجور فإن الاعتقاد السائد لدى عديد من الاقتصادين يعتمد على التحليل الاستاتيكي، وقد يكون منطقيا أن تؤدي زيادة العرض - أي زيادة عدد العمال - عن الطلب - أي المنتج من السلع والخدمات - إلى انخفاض الأجور، لكن التحليل الديناميكي يكشف أن زيادة عدد المهاجرين واللاجئين يعني أيضا زيادة في الطلب الفعال في المجتمع على السلع والخدمات من ثم يتوسع المجال الصناعي في عملية الإنتاج، عبر زيادة الطلب على الأيدي العمالة. ولفت أندرو إلى أنه حتى بفرضية أن الجزء الأكبر من القادمين الجدد ينتمي إلى فئة العمال غير المهرة، فإن الطلب على العمالة الماهرة وأعني هنا السكان الأصليين سيزداد نتيجة توسع السوق، ومن ثم سيرتفع المتوسط العام للأجور. نيكولا ريتشارد الباحثة البريطانية من المعهد الدولي للأبحاث الاقتصادية ترى أن تأثير المهاجرين واللاجئين في أسواق العمل الأوروبية ومستوى الأجور سيكون نسبيا وسيختلف من قطاع إلى آخر. وتقول لـ "الاقتصادية"، "إنه عند دراسة تأثير القادمين الجدد في أسواق العمل المحلية، ومستوى الأجور يجب الأخذ في الحسبان المهارات الفنية والتقنية التي يمتلكها هؤلاء المهاجرون أو اللاجئون، فالغالبية العظمى منهم تنتمي إلى الأعمال البسيطة أو الدنيا، وأعداد محدودة نسبيا ستنتمي إلى المهن رفيعة المستوى، وبالنسبة إلى الفئة الأخيرة فإن انعكاساتها على أسواق العمل أو الأجور شبه معدومة، أما بالنسبة إلى الفئة الأولى فإن عملية التأهيل المهني والحرفي، يجب أن تتزامن مع عملية توسع في النشاط الاقتصادي لضمان، عدم وجود تأثيرات سلبية في سوق العمل". لكن عددا من الاقتصاديين من أصحاب التوجهات اليمينية خاصة في بريطانيا، يطرحون قضية القادمين الجدد من زاوية تبدو مقلقة بالنسبة إلى عديد من السكان الأصليين، ليس فقط في بريطانيا إنما في كثير من بلدان أوروبا الغربية. ويشير هؤلاء إلى أن أوروبا الغربية تعد واحدة من أكثر المناطق السكانية كثافة على سطح الأرض، وتدفق مزيد من البشر إلى تلك الرقعة الجغرافية قد يزيد من مصاعب الحياة خاصة بالنسبة إلى قضية السكن والإقامة. ومثلت البيانات التي أعلنتها المفوضية الأوروبية أخيرا ضربة قوية للحجج التي يروجها هؤلاء، فنحو 2.5 في المائة من مساحة الاتحاد الأوروبي فقط مستخدمة لإقامة المنازل والوحدات السكانية، وهو ما يتيح فرصة لتوسيع الرقعة المخصصة لإقامة وحدات سكانية مستقبلا. ويعتقد البعض أن الحكمة الاقتصادية تتطلب ألا يتم التعامل اقتصاديا مع مشكلة اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، باعتبارها شأنا حكوميا صرفا، فتحميل الحكومات في البلدان المستقبلة للقادمين الجدد المسؤولية برمتها، للتعامل مع تلك الكتل البشرية، ربما يخلق رأيا عاما غير مرحب بهم، ويطرح البعض أفكارا حول ضرورة تعزيز مساهمة القطاع الخاص في التعامل مع الأوضاع الجديدة، عبر تحمل مسؤولية تدريب وتأهيل المهاجرين واللاجئين لسرعة الدخول في سوق العمل. ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور هارولد نالسون أستاذ الاقتصاد الجزئي في جامعة لندن، "إنه من دون مساهمة فعلية من القطاع الخاص، فإن مشكلة اللاجئين والمهاجرين ستواجه تعقيدات اقتصادية ضخمة جراء البيروقراطية الإدارية المتفشية في هياكل بلدان الاتحاد الأوروبي". وأشار نالسون إلى أن المبادرة الخاصة هنا لا ترمي إلى تخفيف العبء المالي لاستيعاب القادمين الجدد من على الحكومات فحسب، إنما أيضا لتسريع عملية الاندماج الاقتصادي وتحويل المهاجر واللاجئ من قوة سلبية تمثل عالة على الاقتصاد الوطني إلى قوة منتجة، مع الأخذ في الاعتبار أيضا أن مشاركة القطاع ستسهم في إحداث تحول في المفاهيم الثقافية للمهاجرين أو اللاجئين من أن الدولة هي المعيل الأساسي لهم، إلى الإدراك بأهمية العمل الخاص باعتباره العمود الفقري للنظام الرأسمالي. وأضاف نالسون أن "على أوروبا سواء الحكومات أو القطاع الخاص أن يعلما أن تدفق مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين هذا العام على القارة الأوروبية، وتوقع مزيد في المستقبل حقيقة اقتصادية، لا مفر منها، وعلي الحكومات والقطاع الخاص العمل معا لتجاوز هذا الوضع، واستثماره الاستثمار الأمثل، وإلا فإن القارب الأوروبي سيتعرض لهزة اقتصادية ستلحق الخسارة بالجميع".

مشاركة :