سامح محجوب يكتب: ثورة 19.. ثورة الهوية المصرية

  • 3/11/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

نعم كان هناك إرهاصات ومحاولات جادة للبحث عن مرجعيات مؤسِسة لهوية بات الإعلان عنها فرض عين لأمة طال اختطافها على مدار قرون خلت، ولا شك أن هذه الإرهاصات النظرية كانت مقدمة مهمة لفعل حركيٍ ضخم تمثَّل فى ثورة 19 الحدث المفصلي الأهم فى تاريخ مصر الحديث، الثورة التي تعد التاريخ الحقيقي لتأسيس الدولة المصرية الخالصة بمرجعياتها المختلفة دينيا وتاريخيا واجتماعيًا، بعد هذه الثورة تستطيع أن تصف مطمئنًا كل ما ينتجه المصريون بالمصري، تستطيع أن تصف الموسيقى بالمصرية لأن ثمة موسيقي بحجم سيد درويش يفرض سطوته وللمرة الأولى على مقامات موسيقية ظلت لفترة طويلة لا ترى ولا تشم رائحة الصبح الطالع من الحارات والغيطان والأسواق، لأن ثمة مطربة بحجم أم كلثوم تغني رقّ الحبيب وقارئ بحجم محمد رفعت يؤسس لحالة سمعية فريدة -ستصبح مدرسة فيما بعد - للقرآن الكريم، فى الوقت نفسه تتشابك الأيدي - فى الصحافة والأدب والفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والفكر الديني - لتمصير كل فكرة ونظرية وإبداع ، أنت فى حضرة مصر طه حسين وأحمد شوقي والعقاد والمازني وإسماعيل مظهر وأحمد حسن الزيات وأحمد أمين ومحمد حسين هيكل وعبدالرزَّاق السنهوري وحسين مؤنس وحسين فوزي ومحمد مندور وعبدالهادي الجزار ومحمود سعيد ومحمود مختار وعلي ومصطفى عبدالرازق ونجيب محفوظ وأحمد لطفي السيد ومحمد عبدالوهاب وعبدالرحمان بدوي وإسماعيل ياسين ويوسف وهبي وأحمد بدرخان ومحمد التابعي وسليم حسن وبديع خيري ، أنت فى حضرة مصر الخالصة دَمًا وروحًا وعقلًا مصر تأليفًا وتمثيلًا وإخراجا، 102 عام إذن مرت على التأسيس الفعلي الواضح لهوية مصرية ذات مرجعيات مبينة ،102عام نقف على تخومها فى لحظة شديدة الإرتباك يتم فيها -أمام أعيننا - تجريف كل ما أحرزه الإنسان المصري في معرفة ذاته وتحرير خطابه من الاختطاف والتبعية.102 عام على ثورة قامت على محتل معلن ممثلا فى إنجلترا ومحتلين غير معلنين عملوا جميعا على طمس معالم الزمان والمكان لكنهم لم يستطيعوا طمس الروح المصرية التي ظلت كامنة تحت طبقات سميكة من الوعي الذي سيخرج فى اللحظة الصُلبة للشخصية كانت ومازالت محيرة لكل من حاولوا دراستها وسبر أغوارها.لماذا لم تختفل مصر بمرور مئة عام على ثورة 19 الثورة المؤسسة للهوية المصرية؟لماذا يتم تغييب المثقفين الحقيقيين وإبعادهم عن كل مواقع التفاعل والتأثي؟لماذا يتم تهميش كل مؤسسات المعرفة والوعي وتشويه رمزيتها كالصحف القومية الكبرى مثل الأهرام ودور الصحافة والنشر التاريخية مثل دار الهلال والمعارف واتحاد الإذاعة والتليفزيون ووزارة الثقافة؟لماذا تعطى الدولة ظهرها لتطوير القدرة الإنتاجية للشركات والمؤسسات التي أسسها طلعت حرب لتمصير الاقتصاد المصري؟الأسئلة كثيرة وكبيرة ولكنها ليست معضلة على أية حال ويمكن الإجابة عليها فقط إذا توفرت الإرادة للنهوض بدولة ذات ثقل تاريخي أثر تراجعها على منطقة بالكامل، منطقة تعيش أحلك لحظاتها على كافة المستويات.

مشاركة :