أبقى البنك المركزي الأوروبي على معدل الفائدة الرئيس عند 0 في المائة، وهو أدنى مستوى تاريخي له، متعهدا بالإبقاء على سياسته النقدية فائقة المرونة وسط استمرار تداعيات كورونا. وقال البنك المركزي الأوروبي أمس، إنه سيزيد مشترياته من السندات على مدار ربع العام المقبل، في إطار برنامجه، الذي تبلغ قيمته 1.85 تريليون يورو (2.2 تريليون دولار) لتفادي ارتفاع عائدات السندات، وهو الأمر، الذي سيعرقل تعافي منطقة اليورو من تداعيات الجائحة كورونا. وأوضح مجلس محافظي البنك، الذي يتألف من 25 عضوا، أنه سيقوم بعمليات الشراء "بهدف منع تشديد شروط التمويل، التي تتعارض مع مواجهة التأثير السلبي للجائحة على المسار المأمول للتضخم". وقال البنك، في بيان، إنه أبقى على أسعار الفائدة عند مستوياتها التاريخية المنخفضة، بما في ذلك الإبقاء على فائدة إعادة التمويل الرئيسة عند 0 في المائة. ولم يجر البنك تغييرات في السياسة النقدية، إذ ما زال لديه نحو تريليون يورو لشراء سندات وإبقاء الائتمان رخيصا بالنسبة للحكومات والأسر والشركات المثقلة بالديون في الدول الـ19 التي تستخدم اليورو. لكنه سعى لتبديد شكوك المستثمرين بشأن عزمه على منع أي زيادة جديدة في عائدات السندات، التي ارتفعت في الأسابيع الأخيرة، فيما يرجع إلى حد بعيد لعوامل خارجية مثل ارتفاع توقعات التضخم في الولايات المتحدة وصعود أسعار النفط وتعطل الإمدادات بفعل الجائحة. وقال البنك "استنادا إلى تقييم مشترك للأوضاع المالية وتوقعات التضخم، يتوقع المجلس الحاكم إجراء المشتريات بموجب برنامج الشراء الطارئ المرتبط بالجائحة في الربع التالي بوتيرة أعلى بكثير من الشهور الأولى من العام". وترك البنك أيضا سعر الفائدة على الإيداع دون تغيير عند -0.5 في المائة، وأبقى الباب مفتوحا أمام مزيد من الخفض إذا دعت الحاجة، كما سيواصل تقديم قروض طويلة الأجل للبنوك بسعر فائدة سالب 1 في المائة. وتوقع البنك المركزي الأوروبي أن ينكمش اقتصاد منطقة اليورو خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث حذرت رئيسة البنك كريستين لاجارد من "استمرار عدم اليقين في المستقبل المنظور". غير أن لاجارد قالت إن البنك يتوقع أن يسجل تكتل العملة الأوروبية الموحدة تعافيا قويا في النشاط مع نمو الاقتصاد بمعدل 4 في المائة، هذا العام، بما يتماشى بشكل كبير ونمو يبلغ 3.9 في المائة، في توقعات مسؤولي البنك، الصادرة في كانون أول (ديسمبر) الماضي. ونتيجة لذلك، يتوقع البنك أن ينمو اقتصاد منطقة اليورو بمعدل 4.2 في المائة، في 2022، مقابل نمو معدله 4.1 في المائة، في توقعات كانون الأول (ديسمبر) الماضي. وقال إن النمو سيتراجع حينئذ إلى 2.1 في المائة، في 2023، وهو المعدل نفسه في توقعات كانون الأول (ديسمبر). وقال كارستن بريزسكي الخبير الاقتصادي لدى "آي إن جي" إن "التضخم يمكن أن يتجاوز 2 في المائة، في الفصل الثاني وكنا نتطلع لمعرفة ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي يشاطرنا وجهة النظر هذه". لكن الخبراء يتفقون على القول إن الارتفاع العام في الأسعار يعد ظاهرة مؤقتة مرتبطة بعوامل مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة في ألمانيا وانتعاش الطلب على خلفية إعادة الفتح التدريجي للمحال التجارية. وكان يتوقع الخبراء أن يبقى برنامج إعادة شراء الديون ضمن البرنامج الطارئ لمواجهة الوباء، ويغطي 1850 مليار يورو يتم الالتزام بها حتى آذار (مارس) 2022، فيما ستتواصل موجات القروض الكبرى والرخيصة للمصارف، كما يبقي البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسة عند أدنى مستوياتها التاريخية. وأعلن عدة مسؤولين في البنك المركزي الأوروبي في الآونة الأخيرة أن هذه المؤسسة تراقب عن كثب تطور عائدات السندات، ودعا الإيطالي فابيو بانيتا وهو عضو في مجلس الإدارة، إلى استجابة نقدية أقوى. وبشكل ملموس، قرر البنك المركزي الأوروبي زيادة الوتيرة الأسبوعية لشراء السندات بشكل مؤقت، كما توقع فريديريك دوكروزيه الخبير الاستراتيجي لدى صندوق "بيكتيت لإدارة الثروات". والسيناريو الذي كان يطالب الخبراء بتجنبه هو الرفع الواضح لأسعار السندات، حيث كان من شأنه زيادة أسعار القروض بشكل غير مباشر وكبح الاستثمار، ما يهدد في نهاية المطاف الانتعاش الاقتصادي وتقريب الأسعار نحو هدف زيادة "تقارب 2 في المائة". وعد برونو كافاليه الخبير الاقتصادي لدى أودو بي إتش إف أن أمام البنك المركزي الأوروبي فرصة لتذكير الدول في منطقة اليورو بأن الانتعاش يعتمد أيضا على جهودها في إنهاض الاقتصاد. وكان قد حذر نيكولاس شميت مفوض الاتحاد الأوروبي للوظائف والحقوق الاجتماعية، من أزمة محتملة بعد جائحة كورونا. وأشار شميت في مقابلة سابقة مع "الألمانية" إلى أنه على الرغم من عدم وجود زيادة كبيرة في أرقام البطالة حتى الآن. وأضاف أن "هناك حاجة إلى وضع سياسة لضمان عدم الانزلاق إلى أزمة اجتماعية جديدة بعد الوباء". ويعتزم شميت تطبيق خطة عمل لأوروبا أكثر اجتماعية مع فالديس دومبروفسكيس نائب رئيس المفوضية الأوروبية. وتهدف الخطة إلى ضمان تنفيذ ما يسمى ركيزة الحقوق الاجتماعية، التي أطلقتها المفوضية الأوروبية في 2017، في أوروبا. وتسعى المبادرة إلى تقديم حقوق اجتماعية جديدة وتحسين الحقوق الاجتماعية الحالية للناس في جميع أنحاء أوروبا، وتعمل بمنزلة بوصلة الاتحاد الأوروبي لتحقيق ظروف عمل ومعيشة أفضل في التكتل. كما تشتمل المبادرة على مبادئ مختلفة بشأن الحد الأدنى من المعايير المشتركة، بما في ذلك الأجور العادلة، والمساعدة في حالة البطالة، والرعاية الصحية أو الرعاية طويلة الأجل. وأعربت المفوضية الأوروبية عن رغبتها في زيادة معدل التوظيف في الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 78 في المائة، بحلول 2030، وذلك في خطتها بشأن الحقوق الاجتماعية، التي نشرت أمس. وهذا من شأنه أن يمثل زيادة بنسبة خمس نقاط مئوية، بعد توظيف 73.1 في المائة، من الأشخاص، الذين تراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما عام 2019. وجاءت استراتيجية المفوضية بعد ارتفاع معدل البطالة خلال جائحة كورونا. كما استمر معدل البطالة مرتفعا خلال الأشهر القليلة الماضية. وقال فالديس دومبروفسكيس نائب رئيس المفوضية "إن الشباب كانوا الأكثر تضررا، نحن في حاجة ماسة إلى إيجاد فرص عمل جيدة، خاصة للشباب، حيث تضاعف معدل البطالة ثلاثة أضعاف في صفوف هذه الفئة نتيجة للأزمة".
مشاركة :