بعد أعوام طويلة من المحاولات والمداولات وطرح المسودات، يأتي مشروع قانون حماية البيانات الشخصية -والمدرج حاليا على قائمة التشريعات التي ستعرض على اللجنة القانونية الوزارية- ليتوج هذه الجهود وليسد ثغرةً قانونية جعلت بيانات الأفراد الشخصية عرضة للانتهاك والاستعمال غير المشروع.يلبي مشروع القانون هذا المتطلبات الدستورية التي كفلت الحق في الحياة الخاصة للأفراد والتي تعد البيانات الشخصية جزءًا منها، كما يعد مشروع قانون حماية البيانات الشخصية أحد الإجراءات التشريعية التي يتوجب على الدول الأطراف القيام بها تحقيقًا لالتزاماتها الدولية المترتبة عليها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي كفل في المادة السابعة عشرة منه حق كل شخص في الخصوصية.هذه الحماية الدولية للبيانات الشخصية، بوصفها أحد مكونات الحياة الخاصة للأفراد، أكدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان المنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمكلفة بمراقبة تنفيذه في تعليقها العام على المادة (17) من العهد المذكور؛ حيث أشارت إلى أنه «يجب أن ينظم القانون عمليات جمع وحفظ المعلومات الشخصية باستخدام الحاسوب وغيره من الوسائل، سواء أكانت تجريها السلطات العامة أو الأفراد العاديون أو الهيئات الخاصة. ويتعين أن تتخذ الدول تدابير فعالة لكفالة عدم وقوع المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد في أيدي الأشخاص الذين لا يجيز لهم القانون الحصول عليها أو تجهيزها أو استخدامها».أما على صعيد التشريعات المقارنة، فإن العديد من دول العالم سنت قوانين خاصة لحماية البيانات الشخصية للأفراد من الجمع والمعالجة الإلكترونية غير المشروعة، وغير ذلك من صور الاعتداء، وفي مقدمتها القانون الفرنسي الخاص بالمعالجة الآلية للبيانات الصادر العام 1978، وكذلك الحال في النرويج والدنمارك وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول التي سنت قوانين مشابهة منذ زمن طويل. لا بل إن بعض الدول نصت دساتيرها على حماية البيانات الشخصية للأفراد من المعالجة الإلكترونية غير المشروعة مثل الدستور الإسباني الذي نص على أن «القانون هو الذي يحدد البيانات التي تخضع للمعالجة الإلكترونية، وذلك لضمان الكرامة والحصانة الشخصية والأسرية للمواطنين في ممارستهم لحقوقهم».إذا يعد مشروع قانون حماية البيانات الشخصية للأفراد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو حماية هذه البيانات من صور الانتهاك والجرائم التي قد تقع عليها واستغلالها تجاريا وبصورة تخالف الهدف الذي جمعت من أجله في العديد من الأحيان، خاصة في ظل وجود قصور في النظام القانوني الأردني الحالي في مواجهة المعلوماتية أدت إلى استغلال هذه البيانات والعبث بها دون رقيب أو حسيب، وهو ما تمت الإشارة إليه سابقًا في مقال حمل عنوان «البيانات الشخصية للأفراد في مواجهة المعلوماتية.. الحماية المفقودة». أما ما يتعلق بمحتويات مشروع قانون حماية البيانات الشخصية ومدى تلبية بنوده وشمولها لحماية هذه البيانات ونطاق تطبيقه ومدى استقلالية وكفاية مجلس حماية البيانات الشخصية المنشأ بموجب مشروع القانون ذاته، فسيتم التطرق إلى هذه القضايا المحورية في مقالات لاحقة للوقوف على حيثيات هذه البنود.(الغد)
مشاركة :