افتراء غير متعمد على ابن خلدون

  • 3/13/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تقرأ مقالًا في مجلة ثقافية لمن غلبه (التأسيس الأكاديمي الموجه أيديولوجيًا) ليقع فيما لم يتعمده من افتراء، رغم كفاءته وقدراته ـ إن تخلص من مسبقاته التربوية والأيديولوجية ـ فتحمس لنشر مقاله مختصراً على شكل تغريدات في تويتر، زادت من (نشر الفرية غير المتعمدة)، متهمًا ابن خلدون بأنه (أشاع النظرة السلبية تجاه العرب، وأطلق في حقهم الأوصاف الظالمة، ونفى عنهم سمات العلم، والحضارة والصناعة، وحصر دورهم في الهدم والتخريب والتوحش.... الخ) متكئًا في ذلك على فهمه المتعجل لما كتبه ابن خلدون في الفصل (43) من مقدمته (في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم). ولأن الأمر لا يتجاوز عند الباحث الجاد أكثر من سحب المقدمة من رف المكتبة والاطلاع على هذا الفصل ليكتشف من جديد عظمة ابن خلدون التي أفسدها من استعجل الفهم، فابن خلدون في هذا الفصل يتحدث عن البداوة كحالة تصيب العرب والعجم على حد سواء، بينما من استعجل الفهم، نظر إلى البداوة كشأن عرقي عربي، بينما المتتبع لكلام ابن خلدون يجد أنه يطرح البداوة كحالة يتقاطع فيها بدو ليبيا (الطوارق) مع بدو الصين (منغوليا الداخلية) مع بدو العرب (جزيرة العرب) ولهذا فلا يمكن اعتبار (العرب) كلهم بدو، فالبداوة في نظر ابن خلدون (طريقة حياة) مضادة للتمدن، والحضارة أيضًا (حالة) تصيب العرب والعجم على حد سواء وفق منهجه عن خراب العمران وانتقال الحضارة، ولهذا يقول في نفس الفصل المشار إليه (فلما خربت تلك الأمصار ـ أمصار العجم ـ وذهبت منها الحضارة، التي هي سر الله في حصول العلم والصنائع، ذهب العلم من العجم جملة لما شملهم من البداوة، واختص العلم بالأمصار الموفورة الحضارة....) فالبداوة الخلدونية هي نفس ما اتكأ عليه علي الوردي في تفكيك الحالة العراقية والذي طاله من جيل الشباب الغض بعض (الحذلقة الثقافية للانتقاص من آرائه) بسبب نظرتهم إلى كلمة (البداوة) نظرة عرقية لم يقل بها أحد سوى من أخذ هذه الكلمة (البداوة) بنظرة ذاتية لا موضوعية، لتتفاجأ ببعض مروجي (الأفيون الشوفيني) يحاول مصادرة ابن خلدون وعلي الوردي بل ومصادرة إبراهيم البليهي لأنهم جميعًا ـ هكذا في سلة واحدة ـ ليسوا سوى ضد العرب، بينما الحضارة نفسها ضد البداوة كحالة وليس عرقًا، وكل بحوث علم الاجتماع الرصينة من ابن خلدون حتى علي الوردي وخلدون النقيب تشير إلى إشكالية (ترييف المدن العربية/‏ بَدوَنَة المدن) بل إن هناك خبرًا في صحيفة حجازية قديمة عام 1921 تحكي عن محررات دونها تجار قرى نجد في الهند عبر مكاتبات وكلائهم لهم بشأن تذمر أهل القصيم من البدو القادمين لأسواقهم إذ يحاولون اصطناع الهيمنة والمشاكل في الأسواق تحت ذرائع دينية، كل هذا قبل أن يتم توحيد المملكة العربية السعودية. الإشارة إلى مثال القصيم كأحد حواضر نجد كي نفهم أن البداوة (حالة) اجتماعية وليست عرقًا، احتاجت من الملك عبدالعزيز اجتراح فكرة (توطين البادية) ليتم توفير الحد الأدنى من الرعاية بأنواعها لهم، ثم يفاجئك بعد قرابة القرن من يتلبس ثوب البداوة (مقلوبًا)، بشكل يظلم العرب الذين أنشدوا الشعر وفق بيئتهم البدوية فلم يتجاوزوا (الكلب في الوفاء والتيس في قراع الخطوب)، ومع انفتاحهم على الحضارة أنشد نفس العربي الذي لم يعد بدويًا، شعره المتحضر فقال: (عيون المها بين الرصافة والجسر...) فالعربي هو العربي كعرق مثله مثل كل البشر ذكرًا كان أو أنثى، إن عاش في بيئة حضارية ستراه على شكل (الدكتورة غادة أستاذة الكيمياء الصيدلية) في إحدى جامعات أمريكا، وإن عاش في بيئة بدوية فستراه حتى هذه اللحظة يتغزل في البعير ذي السنامين في صحراء جوبي بأطراف منغوليا، وعليه سنحاول في المقال القادم تفكيك بداوة الصويان وابن تنباك.

مشاركة :