مشاهد صورة الأرض وقد هجرها سكّانها، لأنها لم تعد صالحة للحياة بسبب الأوبئة والسموم وثورة الطبيعة أو أي سبب آخر، تتكرّر في العديد من أفلام الخيال العلمي والثيمة مستقبلية على الدوام. هذا ما يطرحه المشروع السينمائي الجامع لستة أفلام قصيرة والمعنون بـ"معركة في الفضاء: هجمات أرمادا" حيث يتم استعراض مغامرات بعضها كارثي وبعضها الآخر مجرد مشاهد متناثرة غير مقنعة. ما نشاهده ضمن عنوان “معركة في الفضاء: هجمات أرمادا” ليس فيلما واحدا بل هي ستة أفلام قصيرة لستة مخرجين وستة كتّاب للسيناريو سعوا ألا يكون جهدهم مبعثرا، وإنما هناك رابط يربط القصص التي قاموا بتقديمها إلى الشاشة وكأنها فيلم واحد، وهي تجتمع جميعا على سعي مجموعات البشر في كواكب ومجرات شتى لتأكيد وجودهم إما بخوض حروب وصراعات أو محاولة اختراق آفاق جديدة. تبدأ السلسلة مع الجزء الأول بتعليق مفاده “أننا في القرن الخامس والعشرين سوف نشهد انتشارا وتواجدا بشريا غير مسبوق في المجرّة، إنها أوطان بديلة جلب البشر إليها أنماطا ثقافية وأساليب للعيش مختلفة، ومع ذلك خضع البشر إلى نوع من الاستعباد من قبل الفضائيين”. الفيلم يقدم أوطانا بديلة جلب البشر إليها أنماطا ثقافية وأساليب عيش مختلفة، لكنهم ظلوا خاضعين إلى استعباد الفضائيين في الفيلم الأول هناك بالفعل تلك المستعمرة التي سيطر عليها الفضائيون واستعبدوا أهلها، فضائيون متطوّرون للغاية في مقابل بشر متخلفين وخاضعين للأمر الواقع ما عدا ثلّة قليلة تقاوم، هذا الفيلم للمخرج أندرو جاكش يقدّم صورة الديستوبيا القاتمة، حيث يقوم الفضائيون بتقديم شتى الإغراءات للبشر أو ترهيبهم، وذلك من أجل هدف واحد وهو تسليم الأطفال والتخلّص منهم، لهذا يصبح الشغل الشاغل للآباء البحث عن أبنائهم. وفي إطار ذلك الوضع القائم على العبودية لا يستطيع أحد من البشر مقارعة الفضائيين، البشر هنا غارقون في الفقر ومتشرّدون بينما للفضائيين قدراتهم على الرصد ومراقبة البشر وحتى قراءة أفكارهم ما عدا جيوب ما يشبه المقاومة التي تتصدّى لهم بين الحين والآخر. وفي هذا الإطار فإن القسم الذي عرف بـ”معركة أرمادا” قدّم بناء موضوعيا متماسكا لتلك العلاقة الإشكالية المستجدة بين البشر وبين الفضائيين، لكنك خلال ذلك لا تستطيع أن تتبيّن سبب ضعف البشر مع أن الفيلم في المقدّمة يشير إلى أنهم تركوا العلم ولجؤوا إلى السحر، مع عدم وجود أي ملمح للسحر في ذلك القسم. وفي القسم التالي، نجد أن البشر قادمون بمركباتهم الفضائية ومستواهم المتطوّر لاكتشاف المجرات والكواكب الأخرى لغرض الاستيطان فيها ومنها كوكب المريخ، وحيث ينزل على سطحه رواد الفضاء تباعا، لكننا سوف نتابع اكتشاف ذلك الكوكب الصحراوي المقفر، وذلك من وجهة نظر واحد من رواد الفضاء، هنا امتداد صحراوي لا حدود له ولا أثر فيه للحياة. يسعى كابتن الفضاء لمعرفة أين ينتهي ذلك الأثر للأقدام البشرية على سطح الكوكب، ومن هم ومتى وطأت أقدامهم سطح الكوكب؟ وبذلك يمضي في ما يشبه عملية استدراج غير محسوبة إلى نهايات غير متوقّعة وإشكالية حقيقية لا تخدم فكرة المغامرة والفوز فيها، بل إننا نشهد اندحار رائد الفضاء وفشله في الوصول إلى أي نتيجة، وبالتالي نفاد ما عنده من أوكسجين واضطراره لخلع الكرة الزجاجية التي تغطي رأسه ليموت هناك وحيدا بعد العجز عن العثور عليه. وفي قسم آخر من الفيلم سوف نكون مع مجموعة من رواد الفضاء الذين سرعان ما تنشب في ما بينهم خلافات تفضي إلى صراع لا نفهم مغزاه مع وجود خط درامي مواز لشخصيات إيجابية تحاول إنهاء تلك الفوضى، وعودة المركبة الفضائية إلى مهمتها الأساسية، لكننا سوف نشاهد في ما بعد لقطات تظهر الشخصيات وقد أُصيب بعضها بوباء وجعلها أكثر شراسة وعدوانية، وهو منعطف آخر في هذا الفيلم مع عدم نمو هذه الثيمة بما فيه الكفاية وعدم نضج المقدّمات التي أفضت إلى هذه النتيجة غير المتوقعة. أما في القسم الذي حمل عنوان “هيرميس” فإننا سوف نشهد مغامرة لشابين يدخلان منطقة يسيطر عليها الفضائيون الذين استولوا على ثروات الأرض، ولهذا تكون مهمة أحد الشابين هي استرجاع قطعة لا تقدّر من الماس ذات طاقة تشبه السحر، وخلال ذلك ينجح الشابان في اختراق حواجز الفضائيين وصولا إلى مخبأ تلك الماسة والاستحواذ عليها. بدت تلك المغامرة مقنعة إلى حد ما قياسا لما سبقها وأداء الشخصيتين بدا متناسقا ومكمّلا أحدهما لمهمّة الآخر، لينجحا في مهمّتهما مع أن القدرة السحرية أو الخارقة التي يمتلكها أحدهما لم تكن مبرّرة بما فيه الكفاية، وبالتالي لم تكن مقنعة بالشكل الأمثل، ولكن يبدو أنها أتت لأجل الموازنة في مسار الأحداث، فكان لا بد من منح هذه الشخصية قدرة إضافية تمكّنها من خوض الصراع إلى نهاياته. قد يبدو هذا المشروع السينمائي في جمع العديد من الثيمات السينمائية في إطار واحد وضمن ثيمات سينما الخيال العلمي المُعتادة فيه قدر من الطموح، وهي ليست أول عملية جمع لعدة أعمال قصيرة في إطار ثيمات مشتركة. لكن المشروع هنا افتقد للكثير من المتطلبات الإنتاجية الضرورية في مثل هكذا سياقات، كما لم ينجح في توجيه المُشاهد باتجاه محدّد يساعده على متابعة القصص الواحدة بعد الأخرى.
مشاركة :