قال الدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنّ من جوانبِ العبقريةِ في التراثِ العلميِّ والفكريِّ الإسلاميِّ أنه تراثٌ يجسدُ منظورَ الإسلامِ الصحيحِ للحوارِ الإنسانيِّ بينَ عمومِ الناسِ على اختلافِ ألسنتِهِم وألوانهِم وأحوالِهم وأعرافِهم، وعلَى اختلافِ أنماطِ تفكيرِهم وتنوُّعِ بيئاتِهم ومعارفِهم وثقافاتِهم ومنطلقاتِ حضاراتِهم، ذلكمُ الحوارُ الذي عُنوانُه السلمُ والسلامُ والأمنُ والأمانُ والتعايشُ مع الآخرِ والتفاعلُ والتكاملُ معه، والتأثيرُ فيه والتأثرُ به، في سبيلِ تحقيق معنى الاستخلاف في الأرض؛ بإعمارِها وإصلاحِها، واستثمارِ ما سخَّرهُ اللهُ تعالى للإنسانِ فيها، على نحوٍ يحققُ الخيرَ والسعادةَ والأمنَ والأمانَ والسلامَ والاستقرارَ والرفاهَةَ للبشريةِ جمعاء.وأضاف الصغير، في كلمته، ضمن فعاليات مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، بالتعاون مع سفارة كازاخستان، عن "إسهامات الفارابي في الحضارة الإنسانية" أنه منْ هذا المنظورِ انطلقَ العلماءُ والمفكرون المسلمونَ في عصورِ الإسلامِ الأولى من مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، يطالعونَ وينقُلونَ التراثَ الحضاريَّ الإنسانيَّ للأممِ المتمدنةِ منْ حولِهم، حيثُ نشَطتْ حركةُ ترجمةٍ واسعةٍ لمعارفِ وعلومِ الشرقِ والغربِ، ثم نشَطتْ حركةُ تصنيفٍ ودراسةٍ وشرحٍ وتحليلٍ واسعٍ لما تم نقلُهُ وترجمتُه، ونَجَمَ عن هذا وذاك أعظمُ نتاجِ تلاقحٍ فكريٍّ معرفيٍّ حضاريٍّ عَرَفه التاريخُ الإنسانيُّ، تمثّلَ في إسهاماتٍ حضاريةٍ فكريةٍ وعلميةٍ، نظريةٍ وتجريبيةٍ بنّاءة، كانت منطلقًا لطفرةٍ حضاريةٍ إنسانيةٍ ثريّةٍ، استفادتْ منها البشريةُ جمعاءُ على مدارِ قرونٍ متتاليةٍ، ثم كانت مرتكزًا للطفرةِ الحضاريةِ الإنسانيةِ الحديثةِ والمعاصرةِ، في شتى المجالاتِ العلميةِ، النظريةِ والتجريبية.ويأتي التراثُ الفكريُّ العبقريُّ لفيلسوفِ الإسلامِ المعلمِ الثاني الحكيمِ أبي نصرٍ محمدٍ ابنِ محمدٍ الفارابيّ علامةً بارزةً ودُرّةً مضيئةً من دُرَرِ التراثِ الحضاريِّ الإسلاميِّ، ذلكم التراثُ الذي كان له أبلغُ التأثيرِ في جوانبَ عدةٍ من العلومِ الإنسانيةِ النظريةِ والتجريبيةِ، في اللغةِ والمنطقِ والفلسفةِ، وفي الموسيقى والطبِّ والحكمةِ والسياسةِ ونظامِ الحكمِ والتشريعِ، وغيرِها من العلوم.وفي خصوصِ الإسهاماتِ النظريةِ للحكيمِ الفارابيِّ في الحضارةِ الإنسانيةِ، كانت جهودُهُ الحثيثةُ ومحاولاتُهُ الفكريةُ الخلّاقةُ للتوفيقِ بين منتجاتِ الفلسفةِ العقليةِ اليونانيةِ الأرسطيةِ، وبين معطياتِ الأدلةِ النقليةِ الشرعيةِ الإسلاميةِ، على نحو كان له أبلغُ الأثرِ في استفادةِ الكثيرِ من معاصرِيه وتلامذتِهِ، ثم مَن تلاهم من جهابذةِ الفكرِ والنظرِ في الشرقِ والغربِ، من طرحِه الفكريِّ الفلسفيِّ العبقريِّ في فَهْم جوانبَ كثيرةٍ من معطياتِ النقلِ، وفي درءِ التعارضِ بينَه وبين العقلِ في أكثرِها، على نحو حُلّتْ به جدلياتٌ فكريةٌ عويصةٌ في مجالي العقيدةِ والشريعةِ، وهو الأمر الذي توافرت على طرفٍ منهُ بحوثٌ عديدةٌ، سيزخر بها مؤتمرُنًا هذا في أكثرَ من محورٍ من محاورِه.وقال إنّ هذا المؤتمرَ العلميَّ الحاشدَ يمثلُ مَحطةً مضيئةً في طريقِ الجهودِ الحثيثةِ التي تبذلُها منابرُ الفكرِ الوسطيِّ في عالمِنا الإسلاميِّ؛ لتصحيحِ الصورةِ التي لا يفتؤ كثيرٌ من المسارعينَ المتحاملينَ في الغرب والشرق إلا أن يظهِروا بها التراثَ الإسلاميَّ أو يرموه بها، وهو من كل ذلك جدُّ براء.ووجه الصغير، الشكر لمصرنا الحبيبةِ الغاليةِ، ممثلةً في قيادتِها السياسيةِ الحكيمةِ الرشيدةِ، وفي أزهرِها الشريفِ المعمورِ وفي شيخِهِ الأكبر، ثم الشكرُ موصولٌ إلى دولةِ كازاخستانَ الشقيقةِ مسقطِ رأسِ الحكيمِ الفارابيِّ الذي سطعتْ شمسُ فكرِهِ ومعارفِه وفلسفتِه وعطائِه العلميِّ الزاخرِ على جنباتِ الحضارةِ الإنسانيةِ، ثم الشكرُ موصولٌ للقائمينَ على تنظيم هذا المؤتمر والمشاركين فيه.
مشاركة :