داخل أحد العقارات القديمة بحي المناخ في محافظة بورسعيد، يعيش "فوزي أبو الطاهر حماد" صاحب الـ102 عامًا، وسط ذكريات المحفورة على العشرات من الأوسمة والدروع وصور يتجاوز عمرها نصف قرن من الزمان، فضلًا عن مقتنياته من 5 حروب عاصرها بداية من الحرب العالمية الثانية حتى حرب 1973."البوابة نيوز " التقت الحاج "فوزي" الذي بدأ قصة شاهد على أحداث قرن من الزمان قائلا: "أنا مواليد بورسعيد في 20 ديسمبر عام 1919، وعاصرت وشاركت في 5 حروب بداية من الحرب العالمية الثانية ثم حرب 1948، والعدوان الثلاثي 1956، ونكسة 67 حتى انتصار حرب أكتوبر عام 1973، ووالدي كان ضابط في حرس السواحل، وبحكم عمله انتقلنا إلى الإسكندرية لمدة عامين، واندلعت الحرب العالمية الثانية وتمكنت وقتها أنا ووالدي وآخرين من القبض على اثنين من الألمان وضعوا ألغامًا في البحر، بعدما لاحظنا ونحن نسير على الشاطئ وجود الملابس الخاصة بهم فبحثنا عنهم حتى وجدناهم مختبئين خلف صخرة كبيرة وسلمناهم لإحدى النقاط الأمنية".وبنبرة فخر بتاريخه وقصته تابع حديثه:"عاد والدي إلى بورسعيد والتحقت للعمل بأحدى شركات البترول، واندلعت حرب 1948، وطلبت القوات المسلحة عربات محملة بالوقود فحملنا قافلة بها 6 عربات وقود قمنا بتوصيلها للقوات المسلحة في عمق سيناء وعدنا بالمساء وتكرر ذلك عدة مرات، ثم اندلعت ثورة يوليو وتولى جمال عبد الناصر حكم مصر، وكنت أراسله باستمرار وعندي نحو 30 خطاب منه، وحضر كمال الدين حسين لبورسعيد عام 1954 وكون كتيبة فدائية 123 وكان قائد معسكر بورسعيد سالم محمد صقر، وكنا نتدرب في انشاص والجلاء لأننا كنا تابعين للقيادة العامة للقوات المسلحة، وخلال تلك الفترة جرى تأميم قناة السويس، وامتنع بعض المرشدين الفرنسيين والإنجليز عن العمل، ليقوموا بتعطيل القناة ويظهروا للعالم أن مصر غير قادرة إدارة القناة، وكان لدي وقتها شهادة رئيس قاطرة، فأرسلوا لنا خطابات بتسليم انفسنا للهيئة لتسيير حركة عبور السفن بالمجرى الملاحي للقناة، وكنا في ذلك الوقت نأكل على نفقتنا في استراحة الهيئة".وعن ذكرياته عن العدوان الثلاثي...قال "في أحد الأيام كنت أقوم بتموين ناقلة بترول أمريكية فأخبرني كبير المهندسين علىها أن القوات الإنجليزية والفرنسية قادمون من البحر لاحتلال القناة مرة أخرى، فأرسلت خطاب بما حدث لجمال عبد الناصر، فأرسل لي صلاح سالم خطاب بالحضور لمقابلة الرئيس والتقيت بالرئيس جمال عبد الناصر وجعلني أقص عليه ما حدث مرتين، وأرسل بعد اللقاء المهندس أحمد شوقي خلاف ليشرف على عملية سد القناة، وبدأ العدوان الثلاثي على بورسعيد وكنا قد تدربنا تدريبًا جيدًا، وقسمنا أنفسنا 10 مجموعات موزعة على عدة مناطق، وكانت مجموعتي خلف الجبانات وفي 5 نوفمبر الساعة 7.15 دقيقة بدأت طائرات العدو تلقى هياكل لجنود، ليعرفوا أماكن مصادر النيران ومدى قوتها، ثم بدءوا في إسقاط جنود المظلات وقضينا على أول دفعتين، ثم جاء أمر التحرك لداخل المدينة، وتحولت مقاومة العدوان لداخل بورسعيد".قتل وزملائه 4 من جنود العدوان الثلاثي انتقامًا لقتلهم مواطن سخر منهم..."وفي أحد الأيام كان هناك مواطن يجلس على مقهى (الطيظوي) في شارع الثلاثيني، وأثناء سير الدورية الإنجليزية أصدر صوتًا من فمه للسخرية منهم، فسمعه قائد الدورية الإنجليزية وتوقف وأخرج من كانوا في القهوة وقتل من قام بهذا الصوت، وكان هناك ضابط اتصالات وطني جدا اسمه حسن رشدي وقرر الانتقام للمواطن، وأثناء الدورية المكونة من 4 أفراد أمام قشلاق السواحل، كنا ننتظرهم مرتدين جلاليب وممسكين بأسبتة بها فاكهة وخضروات وكان معنا خناجر نخفيها في أكمام الجلاليب، وعندما اقتربنا من جنود العدو طعناهم بالخناجر وسحبناهم إلى مكان ووضعنا عليهم التبن وبحث عنهم الإنجليز في كل مكان حتى وجدوا جثثهم، وبعد انتصار المقاومة على العدوان الثلاثي عام 1956 حضرت لبورسعيد جميلة بوحيرد، الثائرة الجزائرية، واصطحبناها ومعنا مجموعة من الصحفيين في جولة ببورسعيد فسألها الصحفي مصطفى شردي عن رأيها في بورسعيد، فوضعت يدها على كتفي وقالت:"وأنا أسير في شوارع بورسعيد أشعر وكأن رأسي تلامس السحاب لأنني في أرض الأبطال".وأكمل قصته: "أثناء حرب الاستنزاف كنا نذهب لتموين الكراكات التي تقوم بتطهير المجرى الملاحي لقناة السويس، وكانت هناك قنابل مازالت في قاع القناة، وكان يتم استدعائنا ما بين فترة والأخرى وأرسلوني لمنطقة (الرياح)،وفي أحد زيارات الفريق سعد الدين الشاذلي لنا أخبرته برؤيتي موقع للعدو فأحضر فرقة (هاون) وقذفوا الموقع ودمروه".واختتم حديثه متطرقًا لانتصار حرب أكتوبر:"قبل حرب 73 حصلت على فرقة قائد أهداف في نادي الشمس بالقاهرة، وأرشدت القوات المسلحة لأكثر الطرق الممهدة وكان من باب 41 فمرت بالمساء 3 دبابات ووضعناهم على معدات عائمة لنقلهم من خلال القناة إلى الجزيرة رقم 5 بالبر الشرقي حيث تتواجد المستودعات هناك، وضربوا الموقع الذي كان يعيق حركة تقدم قواتنا وعادوا سالمين.. أنا فخور بتاريخي، وحريص على أن أخبره للشباب الحالي، حتى يعلموا أن مصر تستحق منا التضحية، وبذل المزيد من الجهد في العمل، والانتباه لما يحاك لها من مؤامرات، فمصر مستهدفة من أعدائها طوال تاريخها.
مشاركة :