الاقتصاد القطري محصن ضد الأزمات

  • 9/15/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم د. عبدالعزيزعبدالله الغريري(النائب الأول للرئيس ورئيس دائرة المجموعة للأبحاث الاقتصادية، البنك التجاري) .. تهاوت مؤشرات أسواق الأسهم حول العالم في دوامة الهبوط خلال الأسابيع القليلة الماضية، نتيجة لعمليات بيع واسعة في الصين. وشهد المؤشر الرئيسي للصين انخفاضا بنسبة 40? تقريبا منذ بلوغه أعلى مستوياته في يونيو 2015 واتبعته الأسواق المتقدمة في الهبوط بدورها نتيجة المخاوف المتعلقة بشأن النمو في ثاني أكبر وأسرع الاقتصادات نموا في العالم. وسجّل كل من مؤشر داو جونز الصناعي، ومؤشرات الأسهم الأوروبية الرئيسية والأسواق الآسيوية تراجعات حادة في أعقاب انخفاض سوق الأسهم في الصين. ويذكر أيضا أن أسواق النفط تأثرت نتيجة تباطؤ النمو في الصين والاقتصادات المتقدمة. في حين بدا أن سعر النفط الخام قد حقق الاستقرار بعد أن بلغ أدنى مستوى له منذ مارس 2009 في منتصف شهر يناير من هذا العام، إلا أن سعر النفط تلقّى ضربة أخرى بالغا مستويات منخفضة جديدة في أغسطس مع ازدياد المخاوف بشأن الفجوة المتزايدة بين العرض والطلب. ففيما يخص العرض، من المتوقع بعد رفع العقوبات عن إيران أن يرتفع حجم المعروض في السوق من النفط الخام، أما الطلب، فإن الانخفاض الأخير في قيمة العملة الصينية يدل على أن الوضع الاقتصادي ليس على ما يرام مع استمرار تعرّض اقتصاد أكبر مستورد للنفط في العالم واقتصادات أوروبا وغيرها من البلدان النامية للعديد من التحديات. وقد تعرضت أسواق الأسهم في الدول المصدرة للنفط أيضا للضربات، إذ هبط مؤشر السوق السعودي 21? منذ انخفاض أسعار النفط، على الرغم من فتح باب الاستثمار الأجنبي. ومن المتوقع أن يؤدي الانخفاض في أسعار النفط إلى تعزيز سعر الدولار وبالمقابل انخفاض نسبي في أسعار عملات عدد من اقتصادات الأسواق الناشئة والتي تعتمد بشكل أساسي على تصدير السلع. ويهدد انخفاض أسعار النفط أيضا بخلق الضغوط الانكماشية في اقتصادات مثل اليابان وأوروبا حيث أنفقت الحكومات تريليونات الدولارات لتعزيز النمو الاقتصادي وبالرغم من ذلك تراجعت مستويات التضخم إلى الصفر أو أقل من ذلك. أما عن وضعنا في الخليج العربي، فنرى أن الاقتصاد السعودي يعتمد على النفط الخام بشكل أساسي ، مما يجعله أكثر عرضة للتأثّر بانخفاض أسعار النفط. ويشكل قطاع الطاقة حوالي 90? من مجموع الصادرات السعودية والأهم من ذلك، أنه يمول حوالي 80? من ميزانية الحكومة. فوفقا لصندوق النقد الدولي، ستواجه المملكة العربية السعودية عجزا في الميزانية قدره نحو 140 مليار دولار أمريكي في عام 2015 (20? من الناتج المحلي الإجمالي). ومن أجل تعويض هذا العجز، فقد اتجهت إلى احتياطيات العملات الأجنبية لديها، إذ أنها قد استهلكت أكثر من 60 مليار دولار أمريكي هذا العام حتى الآن. وأصدرت في الآونة الأخيرة سندات بقيمة 20 مليار ريال سعودي (5.33 مليار دولارأمريكي) في محاولة للحفاظ على خطط الإنفاق، إلاّ أن المملكة العربية السعودية على الأرجح في خطر إذا لم ترتفع أسعار النفط على المدى القصير. وأما بالنسبة لحكومة دبي فقد أنفقت أموال من احتياطياتها النفطية المحدودة لتطوير البنية التحتية والاستقرار السياسي، وساعدتها مواقفها المؤيدة للاستثمار وأنظمتها الاقتصادية المنفتحة لتصبح مركزا ماليا عالميا. ومع ذلك، فإن اقتصاد دبي المفتوح عرضة للصدمات الخارجية مع كونها أكثر اعتمادا على تدفقات التجارة ورأس المال العالمية. فوفقا لصندوق النقد الدولي، على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، فلا تزال دبي ضعيفة في مواجهة ركود كبير في الاقتصاد العالمي. وعلى النقيض فإن قطر برغم كونها من الدول الرئيسية المنتجة للنفط إلا أن اقتصادها يبدو منيعا بدرجة كبيرة بالنسبة لانخفاض أسعار النفط والمخاوف في الأسواق العالمية. وتعتبر قطر في مقدمة الدول المصدّرة للغاز الطبيعي ولا ترتبط أسعار الغاز الطبيعي بالنفط ارتباطا وثيقا. وبشكل عام فقد باعت قطر معظم انتاجها من الغاز الطبيعي المسال من خلال عقود طويلة الأجل باعتماد متوسط أسعار النفط على مدى عدة سنوات الأمر الذي يوفر استقرارا أكثر من اعتماد أسعار النفط الخام. وتعمل هذه العقود على ضمان عائدات عالية ومستقرة لدولة قطر حتى 2020-2025. وتتمتع قطر بوضع قوي بالمقارنة مع منتجي النفط والغاز الآخرين على المستويين الإقليمي والعالمي لقوة اقتصادها. وتمثل الدول الآسيوية نحو ثلاثة أرباع إجمالي صادرات قطر من الغاز الطبيعي المسال، مع اليابان أكبر هذه الأسواق، تليها الهند وكوريا الجنوبية والصين. وبدأت قطر تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الصين في عام 2009، وهي الآن أكبر مزود للغاز الطبيعي المسال للصين، مع 6.7 مليون طن سنويا. ومن المرجح أن تتضاعف واردات الصين من الغاز ثلاث مرات إلى 60 مليون طن سنويا بحلول عام 2020، إذ أن فقط جزء من سكانها في الوقت الحاضر يستخدم الغاز، وهناك توجّه واضح تجاه استخدام بدائل الطاقة النظيفة، وكلا الأمرين يبشر بالخير بالنسبة لدولة قطر على المدى الطويل. وقد خططت القيادة الحكيمة لدولة قطر، من خلال الرؤيا الوطنية 2030 للتنمية المستدامة من أجل المستقبل لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النشاطات الهيدروكربونية ودعم القطاع الخاص. وبلغ متوسط النمو الاقتصادي لدولة قطر 16? على مدى العقد الماضي، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد 99,369 دولار أمريكي ما يجعلها أعلى الدول من حيث متوسط دخل الفرد. وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط، لا يزال النمو في قطر متعافيا ومدعوما من قبل القطاع غير النفطي. وقامت وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في قطر بتخفيض هامشي في توقعات النمو لعام 2015 في يونيو من هذا العام لتصل إلى معدل 7.3?، إلا أن هذا لا يزال أعلى بنسبة 1.2? من المعدل الذي حققته في عام 2014. ومن المتوقع أن يستمر قطاع الإنشاءات في تسجيل أقوى نمو بين جميع القطاعات الاقتصادية في عام 2015 بمعدل 13.6? وأن يستمر في ذلك بسبب بدء تنفيذ مشاريع الاستثمار العام المدروسة. ورغم أن قطاع الصناعة أظهر أداء بطيئا في 2013 و 2014، إلا أن معدلات النمو ستنتعش في عام 2015 وعام 2016، مدفوعة بشكل رئيسي من خلال التوسع المدروس في الأنشطة التصنيعية. ويساهم قطاع الخدمات بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر، إلى جانب قطاعي الصناعة والإنشاءات. ويحافظ القطاع المصرفي القطري على قوته أيضا، وعلى الرغم من أن نمو الودائع كان في تباطؤ خلال الفصول الاخيرة، إلاّ أنّ الزخم كان إيجابيا في نمو القروض. والجدير بالذكر أن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء تتوقع أن تحقق ميزانية الدولة تعادلا في هذا العام في ظل أسعار النفط الحالية. ولدى قطر احتياطيات مالية ضخمة لمواجهة أي عجز في المدى القريب. وتتبع الحكومة سياسة متوازنة تجاه أسعار النفط عند التخطيط للسنة المالية آخذة في الاعتبار احتمال انخفاض أسعار النفط. ووفقا للأرقام الأولية للسنة المالية 2014-2015، فقد تم تعويض الانخفاض في عائدات النفط والغاز من خلال زيادة دخل الاستثمار، والذي بمعدل 111.7 مليار ريال قطري هو أكثر من ضعف الإيرادات المستهدفة لهذا العام. كما قامت الحكومة أيضا بتخفيض نفقاتها بنسبة 18.1? مقارنة بالعام السابق مع تخفيضات في الدفاع، ومدفوعات الفائدة والإنفاق على الرعاية الصحية. وبلغت احتياطيات العملة الأجنبية الإجمالية في مصرف قطر المركزي 156.6 مليار ريال قطري في نهاية عام 2014. وعلى الرغم من أن احتياطي العملة بدأ في الانخفاض في الفترة من نوفمبر 2014، إلاّ أن هذه الاحتياطيات تبقى عالية وتوفّر قاعدة قوية لتمويل أي عجز في الميزانية على المدى القصير. وبالنهاية، فإن استقرار العائدات الهيدروكربونية، والاستثمار الحكومي المتواصل في مشاريع البنية التحتية التي تؤدي إلى تنويع الاقتصاد، وكذلك الفائض المالي الكبير يؤكد على أن الاقتصاد القطري هو اقتصاد نابض بالحياة وذو قدرة على مقاومة الصدمات الخارجية. وقد استخدمت قطر مواردها للتحوط ضد عدم الاستقرار وبناء إرث للأجيال القادمة. وأنشأت قطر صناديق أموال موقوفة كبيرة في وقت مبكر لتحقيق الاستمرارية والقدرة على تمويل الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم من خلال استقرار العائدات الهيدروكربونية، والاستثمار الحكومي المتواصل في مشاريع البنية التحتية التي تؤدي إلى تنويع الاقتصاد، وكذلك الفائض المالي الكبير. ومع استمرار تراجع الأسواق العالمية وانخفاض أسعار النفط، فإن التوقعات بالنسبة لدولة قطر تبقى إيجابية.

مشاركة :