بيروت - قال الأمين العام لجماعة حزب الله اللبنانية حسن نصر الله إنه لا ينبغي السماح بجر لبنان إلى حرب أهلية، مضيفا في كلمة بثها التلفزيون "أنا عندى معلومات أن هناك جهات خارجية وبعض الجهات المحلية (تدفع باتجاه) حرب أهلية ولكنها تبحث عن الوقود .. عن الزيت.. حتى الآن وعي اللبنانيين منع ذلك". وحاول فتح منافذ أوسع للتدخل الإيراني في أزمة لبنان بالقول، إن إيران تملك القدرة على مد لبنان بالوقود وبالليرة اللبنانية، محملا حاكم البنك المركزي مسؤولية تدهور العملة الوطنية. وألقى باللوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في انهيار العملة، قائلا "صلاحياتك وعلاقاتك وقدرتك يا حضرة الحاكم تمكنك أن تعمل شيء، أنت تعرف ونحن نعرف أنك قادر تعمل، مسؤوليتك أن لا تجعل الدولار يرتفع وتقدر على ذلك". وهوت الأزمة المالية بقيمة العملة بنسبة 90 بالمئة ودفعت كثيرا من اللبنانيين إلى براثن الفقر كما تهدد الواردات في ظل ندرة الدولار. وانهارت العملة بوتيرة سريعة في الأسابيع الأخيرة وخسرت ثلث قيمتها مما تسبب في خروج احتجاجات وإغلاق المتاجر. وقال إن حزبه "سيبذل ما بوسعه لتأمين بعض الاحتياجات وما يتعلق بالأسعار وغيرها من الإجراءات". وتابع "نحن لن نتخلى عن مسؤولياتنا وعن واجبنا وعندما نصل إلى جوع حقيقي في البلد مع عجزنا عن تطبيق بعض الخطوات عبر الدولة، وقتها سنتحرك ولن أعلن الآن عن هذه الخطوات". وكان نصر الله أوضح أن "الأزمة التي نحن فيها لها عدة أسباب، وإذا أردنا أن نعالج سببا واحدا ونتجاهل باقي الأسباب فإن ذلك لن يؤدي إلى نتيجة". وأكد أن تشكيل حكومة جديدة هو المخرج الوحيد للبلاد من الأزمة المالية، لكنه حذر من أن حكومة اختصاصيين لن تدوم، مشككا أيضا في كيفية تنفيذ الحكومة الجديدة للإصلاحات المطلوبة لتنفيذ اتفاق صندوق النقد الدولي. وقال إن حكومة تسعى إلى تنفيذ الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد ستجد صعوبة في قضايا مثل إلغاء الدعم، مضيفا "إذا جاء صندوق النقد مثلا وقال يجب أن نرفع الدعم، هل الشعب اللبناني يتحمل هذا الموضوع؟". وتوقفت المحادثات مع صندوق النقد في العام الماضي بسبب خلافات بين مسؤولي الحكومة والمصرفيين والأحزاب السياسية بشأن خسائر مالية ضخمة. وتأتي تحذيرات نصرالله من جرّ لبنان إلى حرب أهلية وتحفظه على تشكيل حكومة اختصاصيين بينما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه من الضروري "تغيير المقاربة" مع الساسة في لبنان الذي لا يزال من دون حكومة والغارق في أزمة اجتماعية اقتصادية غير مسبوقة، متهما المسؤولين اللبنانيين بالفشل في تحمّل مسؤولياتهم. كما تأتي تصريحاته بعد اجتماع جمع رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري الخميس بالرئيس ميشال عون لبحث الأزمة، في لقاء جاء بعد سجالات واتهامات متبادلة بينهما حول تعطيل تشكيل الحكومة. وشدد الحريري على أن الأولوية هي تشكيل الحكومة لوقف الانهيار الاقتصادي واستئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن هناك فرصة يجب الاستفادة منها. لكن أمين عام حزب الله حليف عون عقّب بالقول "إذا طلع الرئيس المكلف واتفق مع رئيس الجمهورية على حكومة اختصاصيين نحن ماشيين (نوافق)"، لكنه حذر من أن تشكيل حكومة خالية من السياسيين ستفشل. وقال ماكرون اليوم الخميس إنه سيدفع من أجل تبني نهج وأسلوب جديدين في الأسابيع القادمة في ما يتعلق بلبنان في ظل عجز الأطراف الرئيسية في البلاد عن تحقيق تقدم على مدى الأشهر السبعة الماضية لحل الأزمتين الاقتصادية والسياسية، مضيفا "يقترب وقت اختبار المسؤولية من الانتهاء وسنحتاج في الأسابيع المقبلة، بوضوح شديد، إلى تغيير مقاربتنا ونهجنا". وأخفق الساسة اللبنانيون منذ أواخر 2019 في الاتفاق على خطة إنقاذ تمكّن لبنان من الحصول على تمويل خارجي يحتاجه بشدة. وتقود فرنسا جهود مساعدة لبنان الذي كان مستعمرة فرنسية فيما مضى، لكن نفوذ حزب الله وسعيه لتثبيت تمثيله في الحكومة المقبلة يعثر المساعدات الدولية إلى لبنان لاسيما وأن دولا خليجية وغربية تصنف الجماعة الشيعية على لائحة التنظيمات الإرهابية. وقال دبلوماسي فرنسي أمس الأربعاء إن بلاده وشركاءها الدوليين سيحاولون زيادة الضغط على الساسة اللبنانيين في الأشهر المقبلة. وقال الحريري في مؤتمر صحفي "الهدف الأساسي من أي حكومة هو وقف الانهيار الذي نواجهه اليوم" والمضي قدما لمعالجة الأزمة مع صندوق النقد واستعادة ثقة المجتمع الدولي. وأعلن أنه اتفق مع عون على عقد اجتماع ثنائي بينهما الاثنين المقبل، لبحث إمكانية الوصول لحكومة جديدة بأسرع وقت ممكن، مضيفا "سيكون هناك أجوبة حول إمكانية وصولنا إلى حكومة في أسرع وقت ممكن"، دون مزيد من التفاصيل. ويأتي اجتماع الخميس بعدما دعا الرئيس عون رئيس الوزراء المكلف أمس الأربعاء إلى تشكيل حكومة جديدة على الفور أو إفساح الطريق لآخر يستطيع ذلك. ورد الحريري بالقول إنه سيجتمع مع عون مجددا لبحث الأسماء التي قدمها "قبل أسابيع" للحكومة، لكن إذا لم يكن بمقدور عون الموافقة عليها فإنه عندئذ سيدعو لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وأشار الحريري إلى أن اجتماعه اليوم مع الرئيس عون، جاء "للتخفيف من الصدام الذي ظهر أمس ولتهدئة الأمور"، موضحا أنه استمع إلى ملاحظات رئيس البلاد، وتحدث معه حول تطلعاته لتشكيل حكومة اختصاصيين تضم 18 وزيرا لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الحالية. وتابع "الهدف الأساسي لأي حكومة هو وقف الانهيار الاقتصادي"، مضيفا "سأبقى صريحا. الآن هناك فرصة (لتشكيل الحكومة) يجب الاستفادة منها"، دون أن يذكر تفاصيل أكثر حول هذه الفرصة. وعقب شهرين من تكليفه أعلن الحريري أنه قدم إلى رئيس البلاد "تشكيلة حكومية تضم 18 وزيرا من الاختصاصيين غير الحزبيين". لكن عون أعلن آنذاك اعتراضه على ما سماه بـ"تفرد الحريري بتسمية الوزراء خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة". ومنذ أكثر من عام يعاني لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وفاقمتها تداعيات جائحة كورونا، وانفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي. وبينما تتراكم الأزمات في لبنان على وقع انهيار الليرة وارتفاع الأسعار الجنوني وتردي الأوضاع، وارتباك القطاعات الحيوية في البلاد، أضربت الخميس صيدليات في كامل أنحاء البلاد عن العمل وحددت محطات البنزين حصصا لتوزيع الوقود الشحيح مع تنامي الغضب الشعبي إزاء الانهيار الاقتصادي المتسارع في البلاد دون مؤشرات تُذكر على نهاية الجمود السياسي. وهوت الليرة اللبنانية 90 بالمئة، مما أدى ذلك إلى سقوط كثيرين في براثن الفقر وعرَّض واردات أساسية للخطر مع تزايد شُح الدولار. وقال محمد الحاج علي من مركز كارنيجي للشرق الأوسط "نحن ننظر حقا إلى الهاوية، ونراها بوضوح شديد"، مشيرا إلى الإخفاق المستمر منذ وقت طويل في تشكيل حكومة جديدة قادرة على الاستمرار وإطلاق إصلاحات. وأضاف أن الأحزاب السياسية الرئيسية ومنها جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحليفة عون، تعيد تقييم مواقفها لأن التأخير يؤدي إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي وتنامي الاضطرابات. وعلى ضوء انهيار الليرة أغلقت محلات البقالة أمس الأربعاء وحذرت المخابز من أنها قد تضطر إلى أن تحذو حذوها. كما أغلقت كثير من الصيدليات أبوابها اليوم الخميس ووضعت لافتات مضيئة مكتوب عليها إضراب. وقال الصيدلي علي عبيد وهو من بيروت إنه لم يعد في مقدوره تحمل النفقات. وأضاف "الصيدليات ستغلق بصورة دائمة لو استمر الوضع على ما هو عليه". وأثارت تعليقات باحتمال إنهاء الدعم على مواد أساسية بينها الوقود والقمح والدواء، وهو أثار ا موجة شراء قوية، حيث اصطفت السيارات أمام محطات الوقود هذا الأسبوع وأثارت مشاهد المشاجرات على السلع المدعومة في المراكز التجارية مخاوف اللبنانيين بخصوص احتياجاتهم الأساسية، في مشهد يشبه مشاهد المجتمعات التي تعاني المجاعة. وتسبب الانخفاض الحاد في قيمة الليرة في خروج المحتجين إلى الشوارع هذا الشهر حيث أغلقوا الطرق غضبا من الطبقة السياسية التي تهيمن على مقاليد الأمور منذ تسعينات القرن الماضي. ويعاني لبنان أزمة مالية تشكل أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
مشاركة :