يعد «فقدان الذاكرة» إحدى النتائج المباشرة للصدمات الشديدة التي تصيب الدماغ؛ إثر حوادث السيارات أو السقوط من أماكن مرتفعة، أو الإصابات الرياضية، خاصة في لعبة الملاكمة، وهناك أيضًا أسباب وراثية تجعل الذاكرة تتأثر بالتقدم في العمر، وأسباب مرضية كوجود أورام في المخ، وتتراوح درجة «الفقدان» بين طويلة وقصيرة الأمد، مع أعراض مؤقتة في الغالب، منها: ضعف التركيز، والصداع، والغثيان، والإرهاق، وتأثر الذاكرة، والضبابية بالتفكير.حادث سيارةيقول أحد المصابين بفقدان الذاكرة سابقا، نواف الخان، إن المسبب الرئيسي لفقدان الذاكرة الذي مر به هو تعرضه لحادث انفلات «قلص» السيارة، في الوقت الذي كان يساعد إحدى العوائل في البر، فأفلت «القلص» متجهًا إلى رأسه، وعلى إثره تهشمت جمجمته، وتم تشخيص الحالة بإصابة وفقدان أجزاء من الدماغ، وخضع لأنواع عديدة من الاختبارات الشاملة للدماغ، واختبارات مكثفة مع طبيب نفسي، ولكن ذلك لم يعالج حالة فقدان الذاكرة التي أصابته.بداية جديدةوأوضح أنه بعد الحادث بفترة، تعلم الحروف الأبجدية من الألف إلى الياء، وهو ما تم بصعوبة شديدة؛ إذ كان يتعامل مع الحروف كالطفل الذي يراها لأول مرة دون أن يدرك معناها، وبعد ذلك تعلم كتابة كل حرف، والفوارق بين الحروف المتشابهة، واستغرق فترة في تعلم الحروف فقط وليس الكلمات المتشابكة؛ لأن الكلمات وتوصيل الحروف كانا يشكلان صعوبة أكبر ويستغرق فيهما وقتا أطول، ثم اتجه بعد ذلك لتعلم الحروف باللغة الإنجليزية، وكانت بالنسبة له أسهل من العربية، ورغم تأكيد الأطباء لذويه عدم قدرته على العودة لسابق قدراته، فإنه استرجع قواه واستخدم طاقته الكامنة كي يعود إلى ما كان عليه، وكان يتعامل مع كل ما يحدث له باعتباره أحلامًا مزعجة يريد أن يصحو منها، لكن حينما استطاع بإرادته أن يعبر هذه العثرة الكبيرة أصبح يشعر بالفخر، وأن ما أصابه ليس إلا درسًا كبيرًا أكسبه خبرة واسعة جعلته يضاهي نضج من هم أكبر منه بعشرات الأعوام.ضربة بالدماغوقال استشاري المخ والأعصاب د. أنس البراك: تأثر الذاكرة من الأعراض الشائعة بعد حدوث ضربة بالدماغ، ومن أشهر أسبابها حوادث السيارات، والسقوط، وإصابات اللاعبين أثناء ممارسة الرياضة، مثل كرة القدم والملاكمة، ومصطلح «ارتجاج الدماغ» يصف أي تغيّر في وظائف الدماغ نتيجة إصابات الرأس البسيطة، بغض النظر عن التعرض للإغماء وقت الإصابة من عدمه، وفي الإصابات البسيطة تكون معظم الأعراض مؤقتة، ومنها: ضعف التركيز، والصداع، والغثيان، والإرهاق، وتأثّر الذاكرة، والضبابية بالتفكير.النسيان الشائعوأضاف: أكثر أنواع النسيان حدوثا بعد الارتجاج هو نسيان وقت الحادث وما يحدث في الأيام التالية له، ثم تبدأ الذاكرة في العودة بشكل تدريجي، وبعكس ما هو شائع في المسلسلات الدرامية والأفلام؛ فإن تأثر الذاكرة وحدها دون وجود أعراض أخرى، مع نسيان الأحداث القديمة، وعدم تعرف المصاب على هويته وأهله وأصدقائه المقربين بعد إفاقته وخروجه من المستشفى، أمور نادرة الحدوث، أما إصابات الدماغ المتوسطة والشديدة، فقد ينتج عنها تأثر واضح - طويل أو قصير المدى - بالذاكرة، واختلال بعض الوظائف المعرفية للدماغ.فوائد النوموأشار إلى أنه لا يوجد وقت محدد لتعافي المصاب بفقدان الذاكرة، ولكن كلما كانت إصابة الدماغ أقل وانتهت المشاكل الأخرى المصاحبة، زادت احتمالية عودة الذاكرة بشكل سريع وكامل، وبيَّن أن للنوم أثره على الذاكرة بشكل عام، فيُنصح دائمًا بالنوم بشكل جيد وبيئة صحية لتعزيز الذاكرة، فالنوم من أهم الهبات الربانية للحفاظ على الصحة، موضحًا ذلك بقوله: في حال حصول الارتجاج، يُطلب من المصاب الراحة والنوم بشكل جيد، وتقليل الأنشطة التي تتطلب مجهودًا كبيرًا في أول يومين، خاصة إذا صاحب هذه الأنشطة تفاقم في الأعراض.تحديد النوعوقال مستشار تطوير الذات والمهتم بالشأن الاجتماعي، طلال أبا ذراع: فقدان الذاكرة له أنواع وأشكال متعددة، وقد يكون لأسباب وراثية، فقد يتعرض الإنسان في عمر معيّن لفقدان القدرة على تذكر الأشياء من حوله، لذا فمن الضروري معرفة التاريخ العائلي للمريض، ولا بد للمعالج - سواء كان معالجًا إكلينيكيًا أو سلوكيًا - أن يبدأ بتحديد نوع فقدان الذاكرة، وهل هو قصير أم طويل الأمد، ومتى بدأت مشاكل الذاكرة، وما العوامل المسببة لفقدانها، وهل هي بسبب حادث سيارة أم لوقوع جسم صلب على الرأس، أو لحادث سقوط، أو نتيجة تناول أنواع من الأدوية يكون لها آثار جانبية على الذاكرة.علامات وأعراضوأضاف: لا بد أن ينظر المعالج لعلامات وأعراض فقدان الذاكرة؛ كملاحظة الاضطرابات ومشاكل اللغة وتغيرات بالشخصية ذاتها، وملاحظة إن كان هناك عدم قدرة على الاعتناء بالنفس، وأيضًا لا بد من معرفة طبيعة النوبات التي تصيب المريض، كنسيان عنوان المنزل أو اسم أحد الأقارب، وإن كان يصاحب ذلك النسيان صداع مستمر أو اكتئاب، كما يجب على المعالج النفسي أن يتابع الحالة الجسدية للمصاب، فيراقب توازنه في المشي وأسلوبه في الكلام، ووظائفه الحيوية، وردود أفعاله، وقياس أداء مختلف حواسه، وحتى فحص النواحي الفسيولوجية لدى المصاب، وخضوعه لتصوير الرنين المغناطيسي، وربما حتى التصوير المقطعي الإلكتروني، وذلك للتحقق من وجود تلف أو اضطرابات في المخ.طرق العلاجوأوضح أن طرق العلاج تختلف من مستوى لآخر؛ فبعض الحالات يحتاج لإجراء عمليات جراحية، فإذا تبين وجود ورم في الدماغ يتم العمل على إزالته، وفي أحيان أخرى يتم العلاج بالأدوية، إذا كان هناك نقص في الفيتامينات أو البروتينات أو سوء تغذية، وهناك علاج وظيفي يبدأ من خلاله المعالج النفسي بعمل تدريبات ذهنية للتذكر، ولا بد أن تكون هناك مساعدة تكنولوجية يتم الاحتفاظ من خلالها بالمعلومات الأساسية للمصاب، كالعنوان والاسم وأرقام هواتف الأقارب، مؤكدًا ضرورة تقديم الدعم من قِبل الأهل والأصدقاء والبيئة المحيطة بالمصاب.
مشاركة :