عاش العالم عهدا بائسا سنوات قليلة حين زادت هيمنة القوميين المتطرفين، والعنصريين، والمحافظين والمتدينين المتشددين، وبخاصة منذ عام 2016 تولى الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب). وفي هذه السنوات الأربع تعززت مكانة التيار الشعبوي في دول العالم، فتصاعد خطاب الكراهية على ما سواه، حتى ضربت الشعبوية دولا من كبريات الديمقراطيات في العالم كالبرازيل. أما في أوروبا، وإن لم يصل إلى الحكم «ممثلون» عن هذا التيار في عديد البلدان، فاشتد عود اليمين الشعبوي المتطرف، وأصبح قوة لا يستهان بها، في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وهولندا وإسبانيا واليونان والدنمارك وبريطانيا والتشيك وسلوفاكيا! بل تردى الحال بحيث وصل حد أن عديد الأحزاب لم تعد تخفي توجهاتها النازية ودعوتها للنظم الفاشية والشمولية الدكتاتورية في حال تسلم الحكم. كانت هناك قواسم مشتركة ومتغيرات أسهمت في صعود الشعبوية؛ فبعض هذه الأحزاب استشعر تهديدات تستهدف الأمن والاستقرار الاقتصادي فرفضوا الآخر. وقد لخص الكاتب الأمريكي (بول كروجمان) أهم سبب لتصاعد الشعبوية في بلدان أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بالقول: «النقطة الأساسية هي أننا نُعاني من نفس المرض (العنصرية البيضاء التي تجتاح العالم)، الذي استطاع أن يُدمر الديمقراطية في دول غربية. ونحن قريبون للغاية من نقطة اللاعودة». وقد «ازدهرت» النقاشات السياسية والاقتصادية والدينية، حتى ظن الجميع أن الشعبوية في العالم في طريقها للسيطرة، مستغلة قضية اللجوء واللاجئين والمهاجرين. وفي مقال لها، أحصت المتخصصة في الجغرافيا السياسية (آناليزا ميربلي) 20 دولة في العالم باتت محكومة بحركات شعبوية خلال السنوات القليلة الماضية، في حين أن هناك 14 دولة أخرى تلعب فيها الأحزاب الشعبوية دوراً محورياً في صنع السياسات. لقد كشف استطلاع كبير لمؤسسة YouGov (وهي واحدة من أبرز الشركات الرائدة عالمياً في مجال تقديم الخدمات الشاملة عن أبحاث السوق) أن «دعم المعتقدات الشعبوية في أوروبا انخفض بشكل ملحوظ خلال 2020». وقد أظهر مشروع YouGov-Cambridge Globalism، وهو مسح شمل حوالي 26000 شخص في 25 دولة تم تصميمه مع صحيفة «الجارديان»، «انخفاضًا حادًا في الاتجاهات الشعبوية في عام 2020 في الدول الأوروبية الثماني (بريطانيا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا والسويد)، على الأرجح مرتبط بوباء فيروس كورونا، لكن دعم المعتقدات الشعبوية قد يعود مع تحول تركيز الأزمة إلى الاقتصاد». وفي هذا السياق، قال (ماتيس رودوين) عالم الاجتماع السياسي بجامعة أمستردام والخبير في الشعبوية: «يمكن أن تفكر في الفيروس كأنه مثل البركان، فبعد أن أصاب الشعبوية بشدة فإنه سيترك وراءه أرضًا خصبة للمستقبل». وقد وجد الاستطلاع أنه «في هذه الدول الأوروبية -وفي أستراليا وكندا والولايات المتحدة أيضًا- تراجع عدد الأشخاص الذين يدعمون الشعبوية، بل إن الانخفاض في بعض البلدان كان كبيرا: من 33% إلى 22% في الدنمارك، بانخفاض 11 نقطة مئوية، مع انخفاض 9 نقاط في بريطانيا، و9 نقاط في ألمانيا، و8 في فرنسا، و6 في إيطاليا و4 في بولندا». ومع أن القومية الشعبوية لم تمت لكن يمكن تعزيز هزيمتها؛ فالأحزاب والحركات والتيارات الشعبوية وإن عاشت حالة صعود في كل أنحاء العالم تبقى تواجه منظومة قيم راسخة في عدد من بلدان الغرب تشكل مانعا أمامها، والمتمثلة في الانفتاح والتسامح ومناهضة العنصرية.
مشاركة :