تبدأ الاستحقاقات الكبرى بضوء الفكرة، وباجتراح مغامرة تحقيقها، وإيقاد السعي المتواصل رغبةً في رؤيتها تمشي على قدمين. وكم هم محظوظون أولئك الذين سمحوا لأفكارهم الصحيحة أن تتجسّد؛ كي تحملهم إلى المنصات، وتأخذ بيدهم إلى منطقة ضوء التقدير. في الثامن من مارس احتفل العالم بنسائه، وفي هذا اليوم نفسه أعلنت (جائزة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن للتميُّز النسائي) أسماء الفائزات في الدورة الثالثة في احتفال يتزامن و(اليومَ العالميَّ للمرأة)؛ ليكون هذا الإعلان دخولًا متميِّزًا إلى هذا اليوم من باب الإنجاز، ومن عتبة الفعل. بدأت الجائزة فكرة سارَّة ومضيئة نبعت من اسم (نورة بنت عبد الرحمن)، هذا الاسم الذي يجسِّد معاني البذل والحكمة والعمل والحبِّ والإيمان. وانطلقت في دورتها الأولى بعد استحداثها وفق قرار مجلس الوزراء ذي الرقم (345) المؤرخ بـ 22 رجب من عام 1436هـ، فكانت ميلادًا كبيرًا يحمل اسمًا كبيرًا يليق بالآمال الكبيرة. حرَصت الجائزة على تنوُّع مجالاتها فجاءت في مسارات مختلفة: (الدراساتِ الإنسانيَّة، العلومِ الطبيعيَّة، العلومِ الصحيَّة، الأدب، الأعمالِ الاجتماعيَّة، المشاريعِ الاقتصاديَّة، الأعمالِ الخيريَّة، الفنون)، وكانت هذه التعدُّدية في المسارات سبيلًا لتقصِّي الإبداع والتميُّز في كلِّ فضاءات المعرفة، وفي كلِّ جديد تفرضه الحياة المتسارعة التي تتولد فيها العلوم ومجالات الإبداع الإنساني، وهي اليوم في الدورة الثالثة من عمرها تسبغ على النساء السعوديَّات المتميِّزات معاني التكريم، النساء اللواتي دخلن منطقة الضوء بإنجازات تستند إلى وعي وإبداع، وخدمة للإنسان والوطن. ما حقَّقته نساء الجائزة لم يكن عمل آن، أو فكرة ولدت في ماضٍ ومضت دون امتداد، بل هو جهد يقوم على استقراء ما يُستحقُّ، وفعله تمكينه، وربطة بخريطة الإنجاز الوطنيَّة التي تكوَّنت جذورها وتفصيلاتها من جهود أفراد عاملين، من تحقُّق الشخصيِّ الذي تغذَّى بقيمة العامِّ، وآمن بأدواره فغدَا نموذجًا، وإلهامًا للآخرين. في حواره مع مجلة (The Atlantic) قال الأمير محمد بن سلمان حين سُئِل عن (مساواة المرأة): «أنا أدعم السعودية، ونصف السعودية من النساء. لذلك أنا أدعم النساء»، قولٌ يؤكِّد أدوار المواطنة، ويجلِّلها بقيم الرؤية وأهدافها، ويدعمها بالتمكين. إنَّ أجمل وأوقع ما يتعلَّق بهذه الرؤية المباركة هو تجاوزها قشرة الشعاراتيَّة، إلى الحقيقة والتنفيذ. وكم نحن محظوظون بانتمائنا إلى مملكة الأشياء التي تتحقَّق، لا مملكة الكلمات التي تُقال. لقد شرفت بالعمل مع فريق الجائزة في هذه الدورة التي انطلقت برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومنحني هذا العمل فرصة الرؤية عن قرب: رؤية أشهرٍ من العمل والشغف والحماس تجاه الإبداع النسائي السعودي؛ لرصد تجارب الإبداع والتميُّز؛ جهدٌ تُوِّج بحفل الإعلان، وقوَّة الإلهام التي خلَّفتها تلك الأعمال الفائزة، وإثباتِ أنَّ رحلة المرأة السعوديَّة تمتلئ بالشواهد الحيَّة، هذه الشواهد التي تلمع بالإنصاف، وتتوهَّج في سياق التمكين، ويبلغ نفعها الآخرين بالتقدير وإفساح الطريق. وإذا كانت الجائزة تقديرًا لجهود المبدعات من النساء السعوديَّات فإنِّ مسيرة الجائزة التي تجاوزت الآنَ دورتها الثالثة مسيرةٌ مبشِّرة، وصورةٌ من صور الإنجاز، فالضوء بعضٌ من روح مانحه. تقديرٌ كبيرٌ لكلِّ القائمات على هذا الإنجاز: لجنة الجائزة العليا برئاسة معالي رئيسة الجامعة الأستاذة الدكتورة إيناس بنت سليمان العيسى، ولجانها الفرعيَّة، وأمانة الجائزة التي تولَّتها باقتدار سعادة أمينة الجائزة: الدكتورة حصة الهذَّال، مع فريق عملها المتميِّز النشط، وفي النهاية فإنَّ كلِّ عمل مبدع ينبئ عن قيادة ملهمة. علينا ألَّا ننسى أنَّ المملكة اليوم قد غدت محطًّا للنظر، ونموذجًا للتحوُّل والتغيُّر وتجاوز العقبات؛ والجائزة بموقعها وقيمتها صارت في مقام يؤهِّلها لأن تكون جزءًا، بل من أهمِّ أجزاء هذا التحوُّل؛ لأنَّ كلَّ قيمة معرفيَّة وتطبيقيَّة تستحقُّ أن تُشهر وتُقدَّر وتُدعم، وأن توضع في مقام دليل النجاح للآخرين. نشأت الجائزة من فكرة وطنيَّة صافية، وهي اليوم في دورتها الثالثة تثبِّت قدمَها أكثر وأكثر في ساحة الجوائز ذات القيمة، والأملُ أن تكون اسمًا متألِّقًا بين جوائز العالم، بل إنَّ الطموح الأكبر هو أن تكون لاسم (نورة) جائزة عالميَّة تؤكِّد مفهوم القيمة الإنسانيَّة للمعرفة، ووحدة تقدير الإبداع والتميُّز أينما كان مكانه، وأيًّا من كان مُنجزه.
مشاركة :