الاستاذ احمد بن عبدالله محمد العمري الفيفي

  • 3/20/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يتميز بقوة الارادة والاصرار والصبر، وهي سمات تجعل من صاحبها ناجحا، وله تأثير ايجابي في محيطه، وما اجملها من ميزة في مجال التربية والتعليم، فالتعامل في هذا المحيط ليس بالسهولة، حتى تكون فيه شخصا مؤثرا وناجحا، وقد عمل في هذا المجال لأكثر من ثلاثين سنة، عمل معلما ثم قياديا في احدى انجح مدارس فيفاء (العدوين)، واتسم عمله فيها بالنجاح والابداع، وسار فيه على طريق واضح المعالم، واختط له اسلوبا حكيما، كان يؤدى به عمله معلما ومربيا ناجحا، توصل إليه من خلال تجاربه وخبراته التراكمية، ويلخصه في هذه العبارة الموجزة (اذا احبك طلابك احبوا مادتك)، وبالطبع حب الطالب للمادة يسهل عليه فهمها واستيعابها، وعلى العكس إن لم يحبها تعسر عليه فهمها، والسر يكمن في العلاقة الحميمة بين الطالب ومعلمه، الذي يترتب عليها حبه للمادة أو بغضه لها، وللوصول إلى اكتساب هذه المحبة، فالأمر ليس عسيرا، وفي نفس الوقت ليس سهلا، يتحدد من خلال شخصية المعلم ومدى اخلاصه، وفي قربه من طلابه وتبسطه معهم وحسن اخلاقه، والتعامل الراقي معهم ومراعاة مشاعرهم، وفي المشاركة في حل مشاكلهم، فضلا عن المامه التام بمادته، وجهده في حسن تحضير دروسها، وكلها امور ليست سهلة، وفي نفس الوقت ليست صعبة، منبعها الحقيقي اخلاق المعلم الاصيلة، واخلاصه ورغبته في اداء واجبه، وعلمه وثقافته، وثقته في قدراته.    وكذلك الأمر في مجال الادارة المدرسية، وإن كانت اوسع واشد تأثيرا، لأن تعاملك فيها ليس محصورا في عدد محدود من الطلاب، ولكن دائرتها تتسع لتشمل كامل المؤسسة التعليمية (المدرسة)، بكل مكوناتها من طلاب ومعلمين واداريين، ولكنها تخضع لنفس الشروط السابقة في المعلم الناجح، مع اختلافها في انماط الاشخاص وشخصياتهم، فدوما حسن الخلق مطلب في كل نواحي الحياة، مع مكوناته من التواضع والتعامل الجميل مع كل المحيط، فسر نجاح القائد يكمن في علاقاته الطيبة مع مرؤوسيه، وفي قربه الحسي والمعنوي من معلميه، لأنهم الادوات التنفيذية بين يديه، فاذا شاركهم عملهم وهمومهم ومشاكلهم اليومية، سواء ما كان منها في محيط العمل أو حتى في خارجه، وعمل على تخفيفها ومراعاة ظروف كل واحد منهم، وفرغه لعمله الرئيسي، وحفزه للبذل والعمل بهمة عالية، واستفاد من كامل طاقته في اداء رسالته، ولن يستطيع الوصول إلى ذلك بمجرد تطبيق الأنظمة وحدها، فالأخلاق الحسنة والتعامل المرن توصله للغاية اكثر من غيرها، لأن العمل الاداري المدرسي عمل ميداني تفاعلي، يختلف عن كل انماط الادارات الاخرى، لأنه عمل متجدد يتغير من يوم إلى آخر، وكلما حسنت اساليبك وتعاملك ومهاراتك، حققت فيه النجاح المنشود، وهذا بالفعل ما عرف به وما طبقه تمام التطبيق، فنجح نجاحا باهرا، وأثر فيمن حوله وادى رسالته كما ينبغي، وترك له بصمة واضحة، وفقه الله وجزاه خيرا. أنه الاستاذ الفاضل والمربي احمد بن عبدالله بن محمد العمري الفيفي حفظه الله .   والده عبدالله بن محمد علي حسن العمري من آل حسن مسفرة من آل هلال رحمه الله وغفر له، كان انسان واعيا بأهمية العلم، ضحى كثيرا لكي يتعلم ابناؤه، رغم بعد منزله عن المدارس القائمة في فيفاء، وحاجته الشديدة إلى وجودهم بجانبه، في عمله الرئيسي في مزرعته، ورغم ما وجده ممن حوله من التثبيط فيما قام به من تعليمهم، زيادة على تضحياته المتعددة من اجل تعلمهم، فقد هجر بلدته وترك بيته مغتربا من اجلهم، حتى يتيح لهم فرصة أن يواصلوا تعليمهم من بعد المرحلة الابتدائية، التي لم يكن متوفرا غيرها في فيفاء ذلك الوقت، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه، وكتب له اجر ما قدم لهم ولمجتمعه من خلالهم. واما امه فهي الفاضلة مريم بنت يحيى ساري العمري من آل حسين سليمان اهل قفعة، اخت الشاعر سلمان بن يحيى ساري رحمهما الله، امرأة حازمة قوية، صارمة في تربية اولادها، ولا تفرط في شيء في سبيل ذلك، فهي التي تقوم بعملية التأديب والمحاسبة على الأخطاء، حتى أنه يكفي من الاب مع حزمها التوجيه الشفوي والأشراف فقط، رحمها الله وغفر لها. ولد لهذين الفاضلين في عام 1374هـ، في بيتهم الغمرة في غربي جبل العمريين، وله توأمه (حسن) حفظهما الله، لا يفرق بينهما في الولادة الا دقائق معدودة، وتربى كما يتربى الاولاد في ذلك الزمن الصعب، الكل لا بد أن يعمل في خدمة الاسرة، يتعاون الجميع في الرعي وجلب الحطب، وفي الحرث والمعاونة في الزرع وصرام الثمار، وغيرها من الاعمال اليومية، وفي الذهاب إلى سوق النفيعة أو عيبان لجلب المقاضي، اما بحملها على ظهره أو تحميلها على الحمير، واحيانا في جلب الماء من وادي جورى ومن الاودية البعيدة، وبعد فترة انتقلت الاسرة إلى بيتهم السرية في نفس البقعة، يتعلمان في كل يوم شيئا جديدا. تعليمه:  كان والدهما (رحمه الله) حريص على تعليمهما، وكانت المدارس آنذاك في المحيط القريب قاصرة على الكتاتيب (المعلامة)، فالحقه واخوه التوأم حسن في معلامة وكتاب السيد علي بن أحسن، وولداه أحسن وضيف الله، وكانت تقع قرب جامع الدرب، بغربي جبل آل حسن بن قاسم في قبيلة آل داثر، وهي بعيدة عن منزلهم بما يزيد على نصف ساعة سيرا على الاقدام، الوسيلة الوحيدة، ثم بعد فترة فتح كتاب آخر في جهة جامع كرعان، الاقرب إلى بيتهم، وانتقلا إليه واكملا فيه حفظ القرآن الكريم، على يد السيد ابراهيم بن عبدالله آل مشكاع، ويساعده الفاضل احمد بن محمد حسن العمري، وذلك في حوالي العامين 1384و1385هـ. وفي العام التالي 1386هـ وقد اشتد عوديهما، التحقا بالتعليم العام في مدرسة فيفاء الوحيدة، مدرسة النفيعة الابتدائية، التابعة لوزارة المعارف، كان موقعها بجوار سوق النفيعة شمالا، في مبناها القديم المعروف بالطلحة، بجوار منزل مأمور المالية حينها، وقد كان معلمه في الصف الأول في ذلك العام، الاستاذ حسين بن جابر جبران الخسافي رحمه الله، مع بداية تعيينه معلما في المدرسة، وفي السنة التالية وهو في الصف الثاني الابتدائي، انتقلت المدرسة إلى مبناها الجديد الملاصق للسوق.   كان والديهما يدعمانهما على مواصلة الدراسة، ويتحملان مشقة تفريغهما عن كل الاعمال الخاصة لأجل ذلك، ولا يسمعان للمثبطين من حولهما، والضغوط المستميتة من كثير من الناس لثنيهما عن مواصلة دراستهما، لأنهم يرون أن الأجدر بابيهما أن يمنعهما عنها، ويتحججون بانها تضرهما اكثر من نفعها لهما، ويستشهدون بما يرونه من حال المعلمين فيها، ومعظمهم من المتعاقدين الاجانب، لأنهم يرونهم يلبسون اللباس الافرنجي، ويحلقون لحاهم، ويشربون الدخان، ويستمعون للموسيقى والغناء، وغيرها من الامور التي ينكرونها عليهم، ولا تليق بالمعلم القدوة، فضلا عن انها تخالف ما هو سائد ومتعارف عليه في هذه المجتمعات، ولا شك أن الطلاب سيقتبسونها منهم، ويتربون عليها ولا ينكرونها، ثم انهم يتصورون أن الغاية من هذه المدارس هي استقطاب الابناء من الدولة، وانهم سيفقدونهم إذا كبروا كما يتخيلون، هكذا كان فكر معظم الناس أو بعض منهم حينها، وهم يرون انفسهم انما يمخضونه النصيحة، ولكنه كان رحمه الله وجزاه كل خير ذا بصيرة وفكر مستنير، قد استوعب مصلحة ابنائه ومستقبلهم الزاهر، لذلك  لم يلتفت أبدا لكل تلك الاراجيف، بل سعى يواصل حثهم على مواصلة دراستهم، والسير فيها والترقي في هذا المجال الحيوي، وكان يهيئ لهما كل ما يعينهما على خوض هذا الطريق المنير، والمسلك القويم، ورغم بعد بيته الكبير عن مقر المدرسة، حيث كانت الطريق إلى المدرسة طويلة وصعبة وشاقة، وكلها صعود متواصل لا ينتهي، يبدأ من بيتهم اسفل بقعة ذا امشفا، إلى حشيش ومنها الى جذيمة ثم وادي يناعن، والحبيل ومبسط إلى بيت النغوة، ومنها إلى سوق النفيعة، ليصلا الى المدرسة بجواره، بما يستغرق منهما اكثر من ساعة، والعودة بنفس الطريق ونفس الوقت، وكان كل منهما يشجع الاخر، فواصلا دراستهما يجدان ويحققان النجاح المطرد عاما بعد عام.     ولهما ذكريات منها المتعب ومنها السعيد، واكثرها جمالا في حصول المفارقات من تشابهما الشديد، وفي عدم سهولة التفريق بينهما، فهما يكادان يتطابقان في كل شيء، حتى انهما يتعمدان زيادة التورية في تطابق اللبس، وفي تماثل الحقائب والاقلام، فهنا تحدث المفارقات من خلال هذه الخاصية، فسبحان الله العظيم، وما زالا كذلك إلى اليوم حفظهما الله، فلا يكاد الا قلة يفرقون بين احدهما من الآخر. واصلا دراستهما في تلك المدرسة، إلى أن تخرجا منها في نهاية العام الدراسي1390/1391هـ، وكانت آخر مرحلة متوفرة في فيفاء آنذاك، ولن يستطيعا التغرب وحدهما في جيزان لمواصلة الدراسة، ولن يطيقا اعباء مصاريفهما فيها، وحرصا من والدهما رحمه الله على أن يواصلا دراستهما، لذا قرر اخذ الاسرة بكاملها إلى مكة المكرمة، ليستقر فيها ويبحث له عن عمل، وبالفعل فقد تحقق له ذلك، ووجد عملا له في مشروع الحرم المكي الشريف، الذي استطاع من خلاله أن يوفر لهما ما يحتاجانه للدراسة، فجزاه الله خير الجزاء. ذكريات السفر إلى مكة المكرمة:   بعدما تقرر سفر الاسرة إلى مكة، والامور في ذلك الوقت بدائية صعبة، لا يتوفر حينها وسائل النقل الميسرة، واقرب نقطة تصلها السيارات حينها سوق عيبان، في سفح الجبل الغربي من فيفاء، فاتجهت الاسرة إلى هناك مشيا على الاقدام، يحملون على اكتافهم بعض مستلزمات السفر، وارتاحوا في الطريق في منطقة السربة، التي تقع في منتصف الطريق إلى عيبان، وباتوا عند بعض من جماعتهم فيها، وكان الوقت صيفا شديد الحرارة، في اشد موسم الغبرة، ولا ينسى أنه في تلك الليلة سمع اسمه يعلن من خلال الاذاعة، ضمن اسماء الناجحين في ذلك العام من المرحلة الابتدائية، حيث كانت تعلن اسماء الناجحين بواسطة الاذاعة الرسمية، فكم كانت فرحته وسروره وزهوة، حتى أنه نسي معها كل العوامل المحيطة، من التعب والغبرة والحر ولسع البعوض والناموس، وغمره احساس داخلي بالفرحة والسرور لسماع اسمه، رغم علمه بنجاحه من قبل عن طريق المدرسة، واستلامه منها شهادة التخرج، ولكن سماع اسمه من المذياع أمر آخر وشعور مختلف.    واصلوا سيرهم في الصباح الباكر إلى سوق عيبان، ومن هناك ركبوا سيارة نقل (مرسيدس) إلى صبيا، وكانت الاجرة لا تتجاوز عشر ريالات على الجميع، ولكن كان لها قيمة كبيرة في ذلك الوقت، ومضوا في رحلة شاقة ومتعبة، بسبب صعوبة الطريق البدائية، فلا طرق واضحة انما السيارة تسير في بطون الاودية وحواف الهضاب، في نزول وطلوع متعب وغبار وتغاريز، وشدة زحام داخل السيارة بين الركاب، حتى أن بعض من الركاب يتعلق خارج السيارة، استمر سيرهم لساعات طويلة حتى وصلوا إلى صبيا، ومنها واصلوا سيرهم في سيارة اخرى مماثلة إلى مدينة الخميس، وعلى نفس النمط في الطريق السابق، فلا يختلف عنه كثيرا، ومن خميس مشيط اتفقوا مع احد اصحاب السيارات المتجهة إلى مدينة الطائف، ولم تكن توجد بالطبع من وسائل النقل حينها إلا سيارات الشحن الكبيرة (مرسيدس)، لأنها السيارات الوحيدة التي تستطيع اجتياز هذه الطرق البدائية، فالطرق معظمها برية وصحراوية، فاخذوا طريقهم من بعد الخميس مرورا بوادي بن هشبل، ثم منها على خيبر الجنوب وصمخ وبيشة، ومنها إلى تربة ووادي لية إلى الطائف، لتستغرق بهم هذه الرحلة ما يقارب اليومين، وكانت السيارة تجهز لكي تستوعب اكبر حمولة ممكنة، فتعد من الداخل على عدة ادوار، الدور السفلي منها للحيوانات من الماشية والغنم والبقر، والركاب يكونون فوقها في الدور العلوي المكشوف، يتعرضون مباشرة للشمس والامطار والبرد والغبار، وكل العوامل الجوية ليلا ونهارا، فما اشد الشمس بالنهار، وما اشد البرد في الليل، ومع ذلك فالناس لا تتضجر ولا تتململ، بل يعتبرونه نوعا من الرفاهية والراحة، لما سبقه من صعوبات السفر، وما يعيشون فيه من الواقع الصعب.    واصلوا سيرهم وتنقلهم من بعد الطائف إلى مكة المكرمة، ومن هنا كانت النقلة بالنسبة لهم مختلفة وكبيرة جدا، فالفرق شاسع بين ما هي عليه الطائف ومكة في ذلك الوقت، وبقية المناطق التي جاؤوا منها، فقد سبقتهم هاتين المدينتين كثيرا، وكانت الطائف حينها مصيف المملكة، وعاصمة الدولة الصيفية، ومكة هي ام القرى ومهوى افئدة كل المسلمين.   استقرت الاسرة بكاملها في مكة، حيث تقرر سكنهم في الحي الذي اختاره والدهم، بما يتناسب مع ظروفه المادية ودخله البسيط، حيث كان عامل بسيط في الحرم المكي الشريف، فاستأجر بيتا صغيرا في اطراف مكة، فيما يعرف حينها بالحوض (حوض البقر)، وهو حي العزيزية المعروف فيما بعد، الذي يعتبر اليوم من ارقى الاحياء في مكة، كان هذا البيت شعبيا كمعظم البيوت حينها، ولا يوجد فيه شيء من وسائل الرفاهية والتكييف، لا يوجد فيه الا مروحة واحدة في السقف، لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى أنهم في الليل يضطرون للنوم على سطح البيت، الذي يهيئونه لذلك من بعد صلاة العصر، فيرشونه بالماء حتى يبرد ويلطف قليلا، وقد يستيقظ احدهم من شدة حر المكان في نصف الليل، لينتقل منه إلى مكان آخر احسن منه قليلا .   سعى مباشرة إلى التسجيل في المعهد العلمي، رغبة منه في نوعية المواد المقررة فيه، ولما يصرف فيه من المكافآت للطلاب، لأنها ستعينه وتعين والده على مصروفاته المدرسية الضرورية، ولكن لم يحالفه الحظ في القبول في المعهد، لفوات موعد التسجيل المحدد الذي تأخر عنه، ولذلك اتجه إلى التسجيل في معهد الحرم المكي، لنفس المبررات السابقة بعدما ارشده إليه بعضهم، وبالفعل تم قبوله فيه بحمد الله،  وهذا المعهد المتخصص العريق، كان يجمع بين اسلوبي المدارس الحديثة والقديمة، والدراسة فيه تتم داخل الحرم الشريف، موزعة فصوله في بعض اروقة الحرم، عبارة عن ست حلقات (فصول)، تشمل المرحلتين المتوسطة والثانوية، والطلاب يدرسون على بسط من الحنابل على الارض مباشرة، وتدرس فيه العلوم الشرعية، من الفقه والتوحيد والحديث، واصول التفسير والقران وعلومه، والنحو والبلاغة، والفرائض وما يتعلق بذلك من المتون، وكان من مشايخه الذين درس على يديهم حينها، فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد السبيل، واخوه الشيخ احمد السبيل، والشيخ محمد الامين الشنقيطي، والشيخ صالح المقوشي، والشيخ محمد الخضيري، وغيرهم من العلماء الاجلاء.    ولكن اخاه حسن لم يقبل معه في المعهد، فقد افترقا عن بعضهما لأول مرة في حياتهما، واتجه حسن للتسجيل في احدى المدارس المتوسطة، حيث تم قبوله في مدرسة عرفات، احدى مدارس وزارة المعارف، وتقع في حي جوار الحرم، ولكنه لم يستطع مواصلة دراسته فيها ، ولم يتأقلم وينسجم مع زملائه، مما جعله يتركها بعد ما يقارب الشهرين، ليلتحق بوظيفة عسكرية في حرس الحدود، بعد أن اتم دورة دراسية متخصصة في معهد حرس الحدود في الرياض، واستمر يعمل في هذا الجهاز إلى أن تقاعد منه، حفظه الله ووفقه.   وانتظم احمد في دراسته، وتأقلم مع نظام المعهد ومواده وطريقته، وواصل دراسته بجد واجتهاد رغم الصعوبات التي كان يواجهها في كل يوم، من مشقة البعد والمعاناة في المواصلات، فكان يبتدر كل يوم من بيتهم في الصباح الباكر، ليلحق بخط البلدة في اطراف حيهم، ليركب فيه إلى جوار الحرم، وكانت قيمة التذكرة الواحدة أربعة قروش، وتعتبر قيمة غالية وصعبة المنال، ويفطر في احد المطاعم حول المسجد قبل ابتداء الدرس، بما يكلفه مبلغ ثلاثة قروش، (قرش قيمة نصف حبة تميس، وآخر قيمة صحن الفول، وكوب من الشاهي بقرش آخر)، وكانت مكافأة الطالب في المعهد مائة وخمسين ريالا في الشهر، تغطي له جميع مستلزماته المدرسية ومواصلاته، ويساهم كذلك بجزء منها في مستلزمات الاسرة، وفي اجرة البيت تكاتفا مع ابيه، واحساسا منه بالمسؤولية ايضا، كان يحرص على العمل في العطل الصيفية، حيث لا توجد اعمال إلا في بعض المصانع الصغيرة في شارع المنصور، فقد عمل في مصانع شنط الحديد، ومصانع أواني الألمنيوم، مقابل اجرة لا تتجاوز الخمس ريالات في اليوم، ويحرص أن لا يتخلف عن الحضور إليها يوميا، رغم صعوبة الاجواء في الصيف، وقد يتصادف أن تكون العطلة في شهر رمضان المبارك، مما يجعل التعب والارهاق مضاعفا، فكان يتنقل للوصول إلى المصانع من سيارة إلى اخرى، وهكذا سارت به الايام طوال اعوام الدراسة في مكة المكرمة، ورغم صعوبتها حينها إلا انها ايام ماتعة وذكريات جميلة لا تنسى، كانت تتناسب مع تلك الايام، ومع شباب ذلك الزمن، حيث واصل دراسته بكل عزيمة واصرار، إلى أن استكمل دراسة في المرحلتين المقررة في المعهد (المتوسطة والثانوية)، وكانت الحياة في مكة في بداياتها الاولى، قبل النهضة التالية التي نراها عليها اليوم، ومن ذكرياته عن الحرم في تلك الايام ، أن ساحاته كانت مفروش بالحصوات، تتخللها ممرات بسيطة مبلطة، وكان ماء زمزم يوزع بدوارق من الطين في هذه الساحات، توزع بانتظام امام فرش الصلاة، بحيث يكون لكل فرد دورق ماء امامه ليشرب منه، وخاصة في شهر رمضان في صلاة الليل، وهناك زمازمة لهم مراكز محددة داخل الحرم، يوجد لديهم ماء زمزم مثلج، يوزعونه لمن جاء اليهم في أواني زجاجية زاهية الالوان، ومبخرة بالمستكى الطيب الرائحة، وقد يعطيهم الشارب قليلا مما تيسر من القروش، وكان ائمة الحرم حينها، هم الشيخ محمد بن عبدالله السبيل، والشيخ عبدالله بن محمد الخليفي والشيخ عبدالله بن عبدالغني خياط رحمهم الله، ولا يكاد يمتلئ صحن المطاف والحصوات امام الكعبة في صلاة التراويح، اما صلاة التهجد فكانت لا تزيد الصفوف على ثلاثة حول الكعبة. تخرج من معهد الحرم في نهاية العام الدراسي 1397/1398هـ، يحمل الشهادة الثانوية، وكان متحيرا إلى أن يكون اتجاهه في الدراسة الجامعية، فالتقى حينها بزميله في المرحلة الابتدائية الاستاذ حسن بن محمد الداثري، وكان هو ايضا قد تخرج في ذلك العام من ثانوية المعهد العلمي بجيزان، فشجعا بعضهما على الالتحاق  بكلية اصول الدين المحدثة ذلك العام في مدينة ابها، وبالفعل سعى إلى تحقيق هذه الخطوة، وتم قبولهما جميعا في نفس الكلية، وكان عدد المقبولين فيها ذلك العام سبعة عشر طالبا، منهم اربعة من اليمن وواحد من نيجريا والبقية سعوديين.    وفي ابها مقر الكلية عمل جادا على تهيئة سكنه، وحرص على أن يكون قريبا من الكلية، حيث اجتمعوا مجموعة من الطلاب من ابناء فيفاء، واستأجروا لهم بيتا في حي شمسان، يذكر من هولاء الاخوة الزملاء، زميله حسن بن محمد الداثري، واحمد بن سليمان آل طارش الطالب في كلية الشريعة، ومحمد بن سلمان العمري، ومبره بن ابراهيم العمري، وكان الحي من حولهم عامر بكثير من الطلاب امثالهم، يذكر منهم الاخوة يحيى بن محمد المخشمي، ومحمد بن يحيى المخشمي، واحمد بن موسى آل خفشة، وحسين بن موسى آل خفشة، ويحيى بن جابر الثويعي، وجابربن يحيى الثويعي، ثم انضم معهم في سكنهم الشيخ محمد بن فرحان الداثري، الذي انتقلت وظيفته حينها من الرياض إلى ابها، فكان بالنسبة لهم ابا شفيقا، وله فضل كبير عليهم، واضافة قوية في تجمعهم، اعانهم في ادارة السكن، وفي تنظيمه وترتيب اوقاتهم، وفي الانضباط في الدراسة، رحمه الله وجزاه عنهم كل خير، وجعلها في موازين حسناته.   انتظم في دراسته، وسارت به الامور من نجاح إلى اخر، وما اسرع ما تصرمت الاعوام ومضت السنين، ليتخرج بعدها من كلية اصول الدين، فرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في ابها، مع نهاية العام الجامعي 1401/1402هـ، وما اسرع ما انخرط بعدها في العمل الوظيفي، واتخذ التدريس مجالا له لكونه يحبه ويميل إليه، ولم يكتفي بما قد جمعه من معلومات وعلوم في دراسته النظامية، بل كان في اثناء العمل وعلى مدى السنوات التالية، لا يفرط في اختبال كل فرصة تعليمية تتاح امامه، فقد سعى إلى الالتحاق بعدد من الدورات الانمائية والتطويرية، منها ما كان في تخصصه التربوي والاداري، وغيرها من المجالات ، التي رأى أنها تزيد في تنمية مهاراته والرفع من قدراته، في كل المجالات الفكرية والثقافية، والمرادفة لتخصصه ولأداء عمله كما ينبغي، ومن ذلك ما يلي: 1.   دورة في التطوير الإداري لمدراء المدارس، في معهد الامير محمد بن فهد بالشرقية، حيث اختير لها ثلاثة عشر مديرا متميزا من منطقة جازان، وكان هو واحدا من ضمن هولاء، حيث كان القائم بأعمال ادارة المدرسة الثانوية في العدوين، وتزامل معه فيها الاستاذ عيسى بن علي قاسم الخسافي، وصاحب هذه الدورة برنامجا لزيارة بعض المدارس المتميزة في المنطقة الشرقية، للاطلاع على اعمالهم وتجاربهم. 2.   دورة في البرمجة اللغوية والتنويم المغناطيسي . 3.   دورة في الاسعافات الأولية. 4.   دورة في التخطيط واعداد الموازنات. 5.   دورة في قيادة المنظمات غير الربحية. 6.   دورة في تحقيق النتائج من خلال الاخرين. 7.   دورة كيف تدير مشروعك الصغير. 8.   دورة في الارشاد الطلابي. 9.   دورة في عمل الاحصاء. 10.                دورة في عمل الانتخابات البلدية. العمل الوظيفي :   تعين مباشرة بعد تخرجه معلما في مدينة سراة عبيدة، وكانت حينها تابعة لإدارة تعليم عسير، وكانت بداية مشواره الجميل في هذه المهنة، حيث اكتشف فيها قدراته وميوله، وكون له شخصية متميزة في هذا المجال الحيوي المهم، وامضى في السراة سنة دراسية واحدة، ثم سعى إلى الانتقال إلى ادارة تعليم صبيا المحدثة في ذلك العام، ليكون قريبا من والديه بعدما عادا للاستقرار في فيفاء، وتمت الموافقة على نقله، وبعد مراجعته لإدارة التعليم في صبيا تم توجيهه الى مدرسة العدوين المتوسطة والابتدائية، وبقي فيها لم يغادرها إلى أن تقاعد من التعليم، بعد أن امضى فيه ما يقارب واحد وثلاثين سنة.   عمل فيها معلما إلى عام 1413هـ، وحينها انتقل مدير المدرسة السابق الاستاذ حسين بن جابر رحمه الله إلى مكة المكرمة، واستلم الإدارة من بعده الاستاذ حسن بن حسين حفظه الله ، وكلف هو ليكون وكيلا للمدرسة، واستمر يؤدي عمله هذا إلى عام 1418هـ، حيث افتتح في ذلك العام المرحلة الثانوية في المدرسة، واحتاج الامر إلى عودته للتعليم فيها، وعمل في ذلك لمدة عام دراسي، وفي عام 1419هـ كلف وكيلا للثانوية العامة، وبقي كذلك لمدة عامين، وبعدها كلف بإدارة الثانوية بعد فصلها عن بقية المراحل في عام 1421هـ، واستمر يودي هذا العمل القيادي، على اكمل وجه الى أن تقاعد في عام 1434هـ، لبلوغه السن النظامية للتقاعد (ستين) سنة.    شارك طوال هذه السنوات المليئة بالمهام والاعمال، التي لا يكاد يلتقط انفاسه فيها، في عدد من الانشطة والفعاليات، الاجتماعية والانمائية، داخل المجتمع كعضو فاعل، حيث شارك في فرق الاحصاء السكاني، لثلاث دورات متتالية، وشارك في الانتخابات البلدية لدورتين، ثم في ادارة الجمعية الخيرية بفيفاء لمدة ثلاث سنوات، ومازال حتى بعد تقاعده متطوعا في هذه الجمعية الخيرية، وعضوا في قسم الجاليات في الجمعية الدعوية، بارك الله فيه، ونفع به، وجزاه كل خير، ورفع من درجاته. وقد خرج من هذه المسير الطويلة بالعديد من الخبرات، ويحمل تجارب نافعة ومفيدة، لخصها في نقطتين عظيمتين، تنفع كل من سلك هذا المجال، ورغب في ان يكون ناجحا ومؤثرا فيه، النقطة الاولى ما يتعلق بالمعلم لكي يكون معلما ناجحا، ويكمن النجاح في التعامل الايجابي النافع مع الطلاب، وتتلخص في عبارة واحدة حوت كل المعاني، وهي: (اذا احبك الطلاب احبوا مادتك)، ويبرز ذلك بكل وضح في التوجهات المستقبلية لمعظم الطلاب، سواء في دراساتهم الجامعية، أو في تخصصاتهم في الدراسات العليا، فالملاحظ أن معظم هولاء يميلون إلى مادة المعلم الذي احبوه، في السنوات والمراحل السابقة من التعليم العام، واما النقطة الثانية فهي ما يتعلق بمجال الادارة المدرسية، فيقول إن نجاحها يكمن في العلاقات الاجتماعية، وفي القرب الشديد من المعلم، وفي التفاعل معه ومشاركته همومه ومشاكله، مما يجعله يعمل بكل طاقته، ويعطي اكثر مما يوجبه عليه النظام، ويقول أن العمل الاداري المدرسي ليس عملا مكتبيا، بل هو عمل ميداني تفاعلي مع الواقع الفعلي.    لقد وصل بعد هذه السنوات الطويلة، التي تجاوزت الثلاثين عاما، إلى سن التقاعد المحتم، وقد خرج منها وهو مرتاح الضمير، سعيد بما قدم وبذل في مجال من اعظم مجالات نفع الناس، بعد أن أمضى فيها سنين شبابه، وعنفوان قوته وحدة فكره وغاية خبراته، وهو اليوم بعد سن التقاعد، وبعد تفرغه التام من العمل الرسمي، التفت إلى حظوظ نفسه وأهله وأولاده، ثم لأعماله الخاصة، وشؤونه الشخصية، التي كان يشغله عنها ويزاحمه فيها العمل، وارتباطاته الرسمية والادبية، فتفرغ اليوم لتحقيق كثير من هواياته ورغباته العديدة، فيما يتعلق بالسفر والسياحة والراحة، وفي ممارسة الرياضة والانشطة البدنية والاجتماعية، ومن هواياته المؤجلة الرسم والرحلات والمشي، وهو اليوم عضو فاعل في رياضة الهايكنج السعودية، فالتقاعد كما يصفه نعمة جليلة، ومرحلة جديدة ومهمة في حياة الانسان، يعيشها ويتعايش معها بكل تفاعل ورغبة، نسال الله أن يوفقه ويبارك له في وقته، ويختم لنا وله بالصالحات. الحالة الاجتماعية: متزوج من الفاضلة عافية بنت احمد حسن العمري، التي شاركته مسيرته الطويلة بكل تفاعل، واعانته كثيرا على اداء واجباته كما ينبغي، بعد أن هيأت له كثيرا من اسباب الراحة، ومن الجو الاسري المريح الخالي من المنغصات، فهي ربة بيت مدبرة، وام فاضلة ومربية شفيقة، وقد رزقا بثمانية من الاولاد، خمسة ابناء وثلاث بنات، والابناء هم ( محمد وعبدالعزيز وفيصل وعبدالمجيد وفهد) والبنات هن (أمل ودلال ونورة) حفظهم الله وبارك فيهم ، وبارك فيه وفي حياته ونفع به، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله العاملين المخلصين.                       والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.                   الرياض في 6/8/1442هـغرِّدشارك هذا الموضوع:انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :