لأن الاستنساخ عقيدتنا والنقل مرجعيتنا والتقليد غايتنا، فحري بنا أن نبدع في الاقتباس ونسهب في السرد وننوع في النسخ. وبدلاً من سنوات أمضيناها في التنويع على صنوف من برامج الـ «توك شو» المنقولة من دون اجتهاد، وبعيداً من نماذج مكررة من برامج المسابقات وجهود تلفزيون الواقع، حري بالقائمين على أمر التلفزيون في البلاد أن يجددوا فكر الاقتباس وينعشوا طريق الاستنساخ. لتكن بداية جديدة من مراحل الاستنساخ العربي لكل ما هو غربي من برامج مثل «غوغل بوكس»، وهو البرنامج البريطاني الذي حقق شعبية كاسحة على القناة الرابعة في بريطانيا. تتلخص الفكرة في متابعة آخرين من داخل بيوتهم وهم يتابعون برامج التلفزيون، ولكن مع إضافة تعليقاتهم وتقويمهم ونقدهم واستحسانهم وسخريتهم وحزنهم وشوقهم وقرفهم مما يشاهدون. ويبدو أن جانباً من نجاح البرنامج ذي الفكرة العجيبة والمتابعة الغريبة يكمن في دوره كمرآة لكل من يشاهد التلفزيون. فأنت تسمع وتشاهد آخرين يتفوهون بما تتفوه به في السر بين أفراد عائلتك. تكتشف أنك لست وحدك الذي تسخر من ربطة عنق المذيع الذي يتقاضى الملايين، ويشاركك آخرون في إطلاق عبارات الغزل المبطنة للمذيعة المتألقة، وتعرفين أنك لست الوحيدة التي تنظر إلى زوجها شزراً بينما يدقق في تفاصيل الفنانة الفاتنة من أسفل نظارته الطبية، ويعرف الأبناء أن هناك من يشاركهم تعليقاتهم المنفرة أثناء مشاهدة الأب البرنامج السخيف أو متابعة الأم التقرير الممل. وينجذب المشاهد تماماً، كما فعل من قبل في برامج تلفزيون الواقع حيث يعشق البشر التلصص من خلف الأبواب المغلقة على حياة الآخرين، وهو ما تحققه برامج تلفزيون الواقع، وإن في شكل مصطنع، لكنّ «غوغل بوكس» يقدم التلصص بنكهة الطبيعة. فئات شتى، وطبقات عدة، وانتماءات متعددة، وتركيبات مختلفة من داخل المجتمع البريطاني تنقل أفكارها السياسية وتقويـــماتها الاجتماعية ومواقفها الاقتصادية ورد فعلها تجاه كل كبيرة وصغيرة تصدر عن جهاز التلفزيون. من على أريكة في برايتون إلى غرفة جلوس في هاكني (لندن) ومنهما إلى برمنغهام وعودة إلى كينغستون (لندن)، يبدو الجميع على رغم الاخـــــتلافات والتنويعات مجتمعين على عامل واحد لا غير، ألا وهو هذا الجهاز السحري العجيب الـــذي يجمع الكل أمامه، ويفجر الانتقادات حوله، وينقل المعلومات والآراء مكتسباً صدقية من نوع خاص لا يحظى بها إلا كل من يظهر عبر الشاشة. يشاهد المشاهدون المشاهدين بينما يشاهدون التلفزيون. بعضهم يشاهده مباشرة، وآخرون يتابعه عبر متابعة آخرين له. إنه متعة مشاهدة مشاهدة الآخرين وهم يشاهدون. فهل من مستنسخ؟