يبدو أن معرض «آرت إنترناشونال» الذي أقيم في إسطنبول الأسبوع الماضي، تزامناً مع افتتاح «بينالي إسطنبول» الرابع عشر، يتطوّر بسرعة، وصار هواة جمع الأعمال الفنية وأصحاب الغاليري والفنانون يحسبون له حساباً، ليس كمكان تجاري بل كمنصة حيوية ونافذة على سوق الشرق الأوسط. فقد استضاف المعرض 87 غاليري من 27 دولة، وزاره 32 ألف شخص خلال 3 أيام فقط، واستقطب عشاق الفن الدوليين وهواة تجميع وأمناء متاحف عالمية وقيّمين وشباباً، من تركيا وأوروبا ودول الخليج العربي. وبلغت مبيعاته 30 مليون دولار خلال 3 أيام، وهو رقم جيّد جداً لمعرض جديد لا يزال يؤسّس لركيزة فنية للفن المعاصر في الشرق الأوسط. وهذا العام، استفاد «آرت إنترناشونال» في دورته الثالثة من تزامنه مع البينالي، لاستقطاب عدد أكبر من الزوار الذين ينتظرون هذه التظاهرة الفنية كل سنتين، خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، حين صار لإسطنبول موقع خاص وحيوي في عالم الفن، وتحديداً المعاصر. وقال ساندي أغنوس، وهو أحد مؤسسي المعرض، إن دورته الثالثة تخطت التوقعات وفاجأتنا بأعداد الزوار التي ارتفعت 10 آلاف عن السنة الماضية. وأشار الى الانطباعات المشجّعة والإيجابية التي سمعها من أصحاب الغاليري وممثلي المتاحف العالمية مثل غوغنهايم وميتروبوليتان و «نيو ميوزيوم» الأميركيين، والمتحف البريطاني، ومتحف سنغافورة للفن، وسنتر بومبيدو الفرنسي، ومتحف «فيكتوريا أند ألبرت» ومؤسسة الشارقة للفنون وغيرها من المؤسسات التي ترعى الفن وتجمع القطع الفنية الفريدة. ولكن المبيعات وإن كانت جيّدة، ليست هي المعوَّل عليها من أصحاب الغاليريات مثل «ANDERSSON/SANDSTROM» من استوكهولم، و «Andipa» من لندن، و«Upstream» من أمستردام، و«Rukshaan» من مومباي، و«Assar Art» من طهران، و«Joan Gaspar» من برشلونة، و «AD Gallery» من برشلونة، و«Charim» من فيينا، و«Lelong» من باريس، و«Edouard Malingue» من هونغ كونغ، و«Victoria Miro» من لندن، إذ اعتبر غالبية المشاركين أن هناك أعمالاً تعرض هنا ولا تباع ولكنها تباع لاحقاً بعد اختتام المعرض. ويرى أصحاب هذه الغاليريات أن مجرّد المشاركة في معرض محترف ومنظّم وفيه برامج ثقافية وحوارات مرموقة، في قلب المتوسط، هي فرصة ذهبية لاستقطاب زبائن جدد من الشرق الأوسط (عرب وأتراك)، لافتين الى أنهم يبيعون في معارض كهذا بين 60 و70 في المئة من الأعمال. وأكد هؤلاء سرورهم بالمشاركة في المعرض التركي الأنيق والموزّعة أعماله بشكل هندسي بارع يسمح للزائر بالتحرك والاطلاع على الأعمال بشكل مريح، كما يسمح لكل عمل فني معروض بأن يأخذ حقّه في العرض. اعتبر مشاركون تحدتث اليهم «الحياة» التجربة إيجابية وتشجّعهم على المشاركة كل عام، ومنهم جنيفر كارولاين إيليس من غاليري «إدوارد مالينغ» في هونغ كونغ، التي أكدت لـ «الحياة» أنها باعت 3 أعمال خلال الساعات الأولى من افتتاح المعرض. وباعت غاليري بول كاسمين من نيويورك، لوحة للفنان تانير سيلان من سلسلة «العصر الذهبي» بـ 150 ألف دولار في اليوم الأول للمعرض، فيما باعت عملاً لإيفان نافارو بـ 95 ألف دولار. أما غاليري فيكتوريا ميرو اللندنية التي تشارك للمرة الأولى، فقد علمت «الحياة» أن جامعاً سعودياً اشترى عملاً لغرايسون بيري، وهو عبارة عن سجادة كبيرة مرسوم عليها أجواء عائلية مبهجة، كما باعت الغاليري عملاً للفنان يايوي كوساما بحوالى 500 ألف دولار، إضافة الى 3 أعمال لإدريس خان. وأفاد فرانسوا دورن من غاليري «Lelong» الباريسية أن السوق التركية تنمو بسرعة وهي مهمة لنا كمنفذ على الشرق الأوسط. لاحظ المشاركون أن هناك جيلاً تركياً جديداً يعرف جيداً ماذا يريد ويفهم في شؤون الفن التشكيلي المعاصر ويتابع تطوراته حول العالم، وهو المعوّل عليه في الدورات السابقة وفي السوق عامة، إذ يشمل عدداً كبيراً من هواة تجميع الأعمال الفنية الذين يحسنون انتقاء القطع الفريدة والمميزة، هذا عدا عن جيل مخضرم من الفنانين الأتراك اللامعين عالمياً مثل نيل يالتر، ورمضان بيرق أوغلو، وتانر سيلان، وسلمى غوربوز، وغيرهم من الذين شاركوا في المعرض. «الحضور» العربي وعلى رغم وجود زوار عرب، خصوصاً من الخليج لـ «آرت إنترناشونال» وهم من يعوّل عليهم المعرض، لوحظ عدم مشاركة غاليريات عربية في المعرض، لكن عدداً من الغاليريات الأخرى المشاركة تعرض أعمال فنانين عرب، على غرار غاليري Officine dell Immagine التي تعرض أعمال جوهر دشتي، أو Galeri Zilberman التي تعرض أعمال وليد سيتي، أو غاليري «Lelong» الفرنسية التي تعرض أعمال إيتيل عدنان. وبدورها، تستثمر مؤسسة «ستارت» الخيرية في دبي «آرت إنترناشونال» كمنصة لتعزيز الدعم المقدّم لأعمالها الخيرية في المنطقة، عبر بيعها أعمالاً فنية في المعرض. ولكن على عكس المعارض العالمية، مثل «آرموري شو» في نيويورك، أو معرض الفن في باريس وسنغافورة ودبي وأبوظبي، لم نلاحظ أسعاراً خيالية في «آرت إنترناشونال»، وإن كانت هناك أعمال باهظة الثمن الذي لا يرتبط بالضرورة بقيمة كبيرة للفنان، الذي أنتجها أو للعمل نفسه. وسألت «الحياة» مديرة المعرض ديالى نسيبة لماذا ترتفع أسعار الأعمال الفنية في العالم، بشكل غير مفهوم؟ ومن يحدّد أسعارها؟ ومن يتحكم برفعها وانخفاضها؟ وكيف تنافس أعمال شباب مغمورين في الفن المعاصر، أعمالَ فنانين مشهورين مثلاً في الفن الحديث، من حيث السعر (كما شاهدنا في نيويورك في معرض «THE ARMORY SHOW»؟ وقالت نسيبة: «يُعرف عالم الفنون بافتقاره إلى الشفافية على صعيد أرقام المبيعات الفعلية، الأمر الذي يسبب مشكلة، عند محاولة تحليل السوق، ناهيك بأن الأسعار مصطنعة إلى حدّ كبير بتحفيز من المضاربة وتحريك الأصول». ولكن أُرسيَ نظام لاستحداث القيمة، يسلّط الضوء بشكل أساسي على عناصر عدّة، كما تشرح نسيبة. أولاً، العثور على غاليري تمثلك تكون ذات مصداقية. ثانياً، التعرف إلى هاوي أعمال فنية أو اثنين لشراء أعمالك. ثالثاً، تنظيم عرض في متحف محترم (في العادة، ستساعدك الغاليري التي تتعاون معها على الانطلاق في ذلك). وأشارت إلى أن الأسعار الواردة في السؤال هي أسعار نراها في غاليريات كبرى على غرار Gagosian، أو White Cube أو Thaddaeus Ropac، وهي بمثابة إمبراطوريات فنون ذات مساحات فنية في أرجاء العالم، ومن شأن هذه الغاليريات أن تعرض عمل فنان مجهول نسبياً أمام جامع أعمال فنية عملاق أو في سياق معرض في أحد المتاحف بسهولة نسبيّة. وأضافت: «غالباً ما تختار فنانا ما بعد أن تكون غاليري صغيرة بذلت جهوداً حثيثة معه لسنوات لتجعله بمستوى يخوّله عرض أعماله على هواة التجميع، وبعد ذلك تختار غاليري كبيرة الفنان المذكور، ويتهافت الناس فجأة على شراء أعماله». وأوضحت أن «مضاربة من هذا القبيل تدفع الأسعار إلى الارتفاع، إذ يفترض الجميع أنّ الأسعار ستواصل ارتفاعها لعدد من السنوات الإضافيّة. أما الفن المعاصر، فليس فيه هذا المقدار من المضاربة، وقد بدأت عمليّة التصفية، وبالتالي تراجعت مستويات المضاربة، ونتيجة لذلك باتت أسعار الأعمال أكثر استقراراً».
مشاركة :