منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وعلى مدار عقدين من الزمان، كانت مكافحة الإرهاب الهم الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية. وفي أعقاب أحداث سبتمبر مباشرة، خصصت الولايات المتحدة 260 مليار دولار سنويا على جهود مكافحة الإرهاب، بينما تنفق حالياً حوالي 175 مليار دولار كل سنة. لكن الإدارة الأمريكية تسعى الآن إلى أن تحول إنفاقها نحو مهام أخرى ترتئيها أكثر إلحاحا، مثل طمأنة الحلفاء، وردع إيران، ودعم الديمقراطية ومجابهة روسيا والصين. وهو الأمر الذي دفع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في الرابع من فبراير/شباط الماضي للإعلان عن أن وزارته ستراجع وضع القوات الأمريكية ومواردها وإستراتيجيتها ومهامها. أما الاستخبارات الأمريكية فحذرت في تقرير لها من تنامي خطر الإرهاب الداخلي في الولايات المتحدة على حساب التهديدات الخارجية، معتبرا أن الميليشيات المسلحة والعنصريين البيض باتوا يشكلون الخطر الأبرز في 2021. التقرير اعتبر أن نظرية المؤامرة المحيطة بالانتخابات الرئاسية وتفشي فيروس كورونا واقتحام الكابيتول ستؤدي لأعمال عنف ينفذها متشددون محليون على رأسهم جماعات مؤمنة بتفوق العرق الأبيض. كما حذرت الاستخبارات الأمريكية إدارة بايدن من خطر وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للعنف، مع صعوبة تعقبهم في حالة عدم انتماء المتطرفين إلى مجموعات منظمة، وتنفيذهم هجماتهم كـذئاب منفردة. أما المشرعون الأمريكيون فيطالبون بسن قوانين جديدة لأن القانون الأمريكي الحالي لا تشمل مواده تهمة القيام بأعمال إرهابية داخلية. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> في هذا السياق، قالت المستشارة السابقة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لوري واتكينز، إن تقرير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) الذي حذر من أن الإرهاب الداخلي أخطر على الولايات المتحدة من الإرهاب المتنامي خارج الحدود لم يكن مبالغاً. وأشارت واتكينز، خلال لقاء لها ببرنامج “مدار الغد”، إلى أن هناك مجموعات مسلحة ومنظمة تستهدف قوات إنفاذ القانون والأقليات من أصول أفريقية وآسيوية، مؤكدة أن هذه مشكلة كبيرة فعلياً، وأن الكونجرس يتعاون مع عدد من الوكالات بشأن هذا الأمر. وأضافت أن هناك ضغوطا لاتخاذ تدابير أمنية قوية من قبل الجمهوريين، بينما يبحث الديمقراطيون عن مزيد من الحريات. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> وأشارت واتكينز إلى أن هناك وتيرة متزايدة من العنف في الولايات المتحدة، بسبب سياسات معينة، مشيرة إلى أنه نُظر للرئيس السابق، دونالد ترامب، بأنه يستخدم لغة حفّزت تلك التوجهات، هي اللغة التي تحدث بها ضد الأمريكيين من الأصول الآسيوية، كذلك اللغة التي استخدمها ضد الفيروس والصين، مؤكدة أن تلك الكلمات التي استخدمها ترامب كان لها دور في حدوث انفجار للعنف الداخلي وظهور سلوكيات سيئة بين مواطني الولايات المتحدة. وتابعت أن التقارير حذرت من أن متشددين أمريكيين سيلجأون إلى فكرة “الذئاب المنفردة” وينفذون هجمات في الداخل الأمريكي، كما حذرت من ميليشيات مسلحة يمكن أن تستهدف منشآت أمريكية، وهو أمر وارد، مؤكدة أن الاستخبارات صاغت التقرير بعد بحوث واسعة النطاق. وأكدت وجود عنصرية متزايدة ومتصاعدة داخل الولايات المتحدة، وأن هناك مشاكل للفئات غير البيضاء وتهديدات واضحة. وعزت تلك الموجة من العنف إلى التطورات الاجتماعية والسياسية الواضحة بشأن عدة ملفات، منها الشكوك حول تزييف الانتخابات وكوفيد 19 وأيضا ما حدث في مبنى الكابيتول ممن لم يتفقوا مع تلك التطورات والأحداث. ولفتت إلى أن الوكالات الأمنية ربما لا تتفق بالكامل مع الشرطة الفيدرالية فيما يتعلق بقانون التطرف المحلي بسبب حرية التعبير والحصول على الأسلحة، مشيرة إلى أن الديمقراطيين يناهضون أكثر الأمر المتعلق بالحريات المدنية، بينما يبحث الجمهوريون عن المزيد من التدابير الأمنية. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> من جانبه، قال كبير الباحثين في مجموعة الأمن القومي الأمريكي، ماثيو بروديسكي، إن ملف الإرهاب الداخلي يتم استغلاله في الوقت الحالي من قبل الأطراف السياسية “الأحزاب”، وهناك إعادة تعريف للإرهاب الدخلي من قبل اليسار ومطالبات بأن يكون كل شيء محفزا بسبب العنصرية أو الإرهاب. ورأى بروديسكي أن من اقتحموا مبنى الكابيتول كانوا أغبياء، إذ لم يكن لديهم أي خطة أو أي فعل ليقوموا به، بل كانوا يبحثون عن حل سريع لما نراه من العنصرية ضد الأفارقة والآسيويين، مؤكداً أن التعريف الوحيد الذي يهمنا هو مقاضاة الإرهاب المحلي. ولفت إلى أن تقرير (CIA) كان وثيقة سياسية ولم يكن استخباراتيا بالمقام الأول، وصدر كإرشادات استراتيجية للأمن القومي لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بادين، وأن تلك الوثائق مصممة لتظهر كيف يمكن التعامل سياسيا مع الشأن الداخلي. وتابع: “هذه وصفة للحرب داخل الولايات المتحدة، حيث نجد كل من هو ضمن اليمين يُنظر إليه على أنه متطرف في كل شيء”. وأكد بروديسكي أن الأجزاء التي نُشرت من قبل الجهات الاستخباراتية قد تم تسييسها. فيما قال المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، نورمان رول، إن “لدينا عنفا محليا ولّدها المتطرفون في الولايات المتحدة”، مؤكداً أنه من المهم التركيز على الإجراءات التي تتسم بالعنف. وتابع رول أن “هناك احتمالية كبيرة بأن تكون هناك زيادة في وتيرة العنف والإرهاب المحلي، ومعظم هذه المشاكل تركز على الأنشطة الواردة في القوانين”، مضيفا: “علينا أن نحدد تعريف استخدام الأسلحة والأيديولوجيات الواردة في المواقع التواصل الاجتماعي”. frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture" allowfullscreen> ولفت إلى أن التقارير التي تصدر عن الوكالات الاستخباراتية تُستخدم بطرق مختلفة من قبل السياسيين والإعلاميين، متابعاً أن التقرير الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية شاركت فيه 16 من الوكالات الوطنية من الخبراء والمختصين. وأكد رول أن هناك عنفا داخليا قائما على العنصرية من خلال ميليشيات أو من خلال مجموعات مسلحة، وأن اللغة المستخدمة جزء منها هو السياق السياسي الذي تشهده البلاد، متابعاً: “ربما هذا التقرير يمثل تحذيراً لبايدن من صعود وتيرة العنف في البلاد خلال الفترة المقبلة”. واستطرد أن التطرف في الولايات المتحدة ينتج من فئات عدة، سواء من اليمين أو من نشطاء آخرين من اليسار كذلك، ورأى أن المجموعات التي تظاهرت في يناير الماضي واقتحمت مبنى الكونجرس لم يكن كل المشاركين فيها يتسمون بالعنف.
مشاركة :