لو فتحت سحّارة أي امرأة عجوز ، لرأيت فيها عدداً من الأشياء القديمة التي نسج البِلى خيوطه عليها رغم أنها تقلبها كل يوم، يبدو لك مافي السحّارة بقايا عجوز بلا معنى، وأشياء مكانها الزبالة، ولكن هيهات فإن مكان تلك القِطع والمتناثرات القديمة قلب هذه المرأة المسنة، تعرف كل قطعة كما تعرف وجوه أبنائها، وتذكر مناسبتها وتشم رائحة زمانها .. الأمر لايقتصر على العجائز .. كثير من الشابات تجد في أدراجها أشياء عتيقة لاهي من لازماتها ولا زمانها : نظارة رجالية خاوية لأبيها الراحل من عشرين سنة، قطعة قماش بالية تعود لأمها الراحلة، خطابات كاد يمحى حبرها لصديقة من أيام الطفولة، وأشياء من هذا النوع لا تعني لك شيئاً لكنها تعني لها الكثير فهي جزء من حياتها أصيل ورمز لوفائها الجميل وعبق من الماضي تصل به الحاضر وتحضن من خلاله الأحباب .. قلب المرأة متحف للذكريات .. الرجل قد يحتفظ بتذكارات سعيدة لمجده ، لكن من النادر أن يحتفظ بما يحزنه ، المرأه تختلف : حزنها جزء من حبها وفائها نسيج وجودها ، غريزة الأمومة أقوى مافيها، والأمومة هي الأبقى والأرقى والأصدق في التضحية والعطاء والوفاء ، ملايين النساء متن وهن يلدن، هاتوا رجلاً واحد فعل ذلك ؟ وفي الحب الفاشل يتألم الرجل فترة، ثم يولي ظهره فيقتل حبه ويقطع شجرة ذكرياته من عروقها حتى لايتألم .. أما المرأه فان حبها الصادق - إذا فشل - تحمله في قلبها ،وتطعمه من روحها، وتسقي شجرة الذكريات بدموعها لتظل خضراء تظللها بالانتماء والوفاء .. ورغم مايثيره ذلك فيها من ألم، إلا انها تستعذب ذلك الألم ، وتمزجة بقصة حياتها من بدئها لختامها بأفراحها وآلامها .. . الرجل إذا أيقن من فشل حبه طوى صفحة الماضي واستعان باليأس ، والمرأه اذا فشل حبها فتحت صفحاته القديمة كل يوم، وعاشت معه حياة نابضه محاطة بالكتمان .. حتى إنها تقلّب المواجع القديمة شقيّةً سعيدة .. وتعطّر الواقع بقطرات من ذكريات الماضي رقيقة .. . المرأة حتى مع الحبيب الهاجر تنزل من علياء كبريائها على درج مُذهّب بذكرياتها مزركش بأحلامها محاط بآلامها فتنادي الحبيب البعيد الهاجر وتستحضره وتناجيه .. تخاطبه وتسترجيه .. تزيل عنها وعنه أي خطأ أو قصور وتلقي ذلك على الزمن والمجتمع والظروف .. قلب المرأة أعظم متحف للذكريات في العالم .
مشاركة :