في الوقت الذي تترقب فيه المصارف الكويتية على أحر من الجمر طرح سندات وصكوك حكومية بعد أن أعيتها سنوات ما بعد الأزمة المالية العالمية، جاء إعلان أنس الصالح وزير المالية الكويتي للمرة الأولى أمس عزم بلاده طرح سندات وصكوك لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة التي قد تصل إلى نحو ثمانية مليارات دينار (26.5 مليار دولار). وقال الصالح، إن بلاده تعتزم إصدار سندات بالدينار الكويتي قبل نهاية السنة الحالية لتمويل العجز، لكنه امتنع عن تحديد قيمة الإصدار. ووفقاً لـ"رويترز"، فقد أقرت الحكومة ميزانية تقشفية للسنة المالية الحالية تتضمن مصروفات متوقعة قدرها 19.073 مليار دينار في ميزانية 2015–2016 وهي أقل بنسبة 17.8 في المائة عما كان مقررا في السنة المالية السابقة بسبب الهبوط المستمر لأسعار النفط. ويبلغ إجمالي قيمة الإيرادات المتوقعة 12.05 مليار دينار في ميزانية 2015–2016 منها 10.59 مليار دينار إيرادات نفطية و1.45 مليار دينار إيرادات غير نفطية. وكان وزير المالية، قد أوضح في كانون الثاني (يناير)، أن العجز المتوقع في ميزانية 2015–2016 سيكون 8.22 مليار دينار بعد استقطاع نسبة احتياطي الأجيال القادمة وهي نسبة لا تقل عن 10 في المائة من الإيرادات النفطية تدخرها الكويت سنويا للمستقبل ويتم استثمارها في استثمارات قليلة المخاطر، في وقت اعتمدت فيه الحكومة سعر 45 دولارا لبرميل النفط وبمعدل إنتاج 2.7 مليون برميل يوميا. وعليه، قال الصالح، إنه إذا استمر سعر برميل النفط عند 45 دولارا فإن العجز في الميزانية سيبلغ ثمانية مليارات دينار وسيقل هذا الرقم إلى النصف إن وصل سعر النفط إلى 60 دولارا للبرميل، بينما ستصل الميزانية لسعر التعادل وينتفي العجز إذا وصل سعر البرميل إلى 73 دولارا. وعبرت قيادات مصرفية عن ترقبها للسندات التي ستطرحها الحكومة لسد عجز الميزانية حيث ستسهم هذه الخطوة في زيادة أرباح المصارف التي تعاني تكدس السيولة لديها كما أن مخاطرها ستكون في الحد الأدنى نظرا لأن المقترض هو الحكومة ذاتها. من جهته، قال ماجد العجيل؛ نائب رئيس اتحاد المصارف الكويتية، إن المصارف الكويتية مستعدة "في أقرب وقت ممكن" لتمويل عجز الميزانية الحكومية من خلال السندات، فيما لم يستبعد مشاركة بنوك أجنبية في تغطية هذه السندات. وقال العجيل إن الأمر سيعتمد على الطريقة التي ستعتمدها الحكومة وما إذا كانت السندات على دفعات متعددة أم دفعة واحدة. وبسؤاله حول ما إذا كانت المصارف ستستفيد من هبوط أسعار النفط، قال العجيل "رب ضارة نافعة، (إنه) كأي عمل بنكي وكأي استثماري. لكنه أكيد سيكون (الأمر) إيجابيا". من ناحيتها، قالت إلهام محفوظ رئيسة الجهاز التنفيذي للبنك التجاري الكويتي، إنه سيكون صعبا على المصارف تغطية سندات قيمتها مليارات الدنانير. وأضافت، أن هناك عدة جهات يمكن أن تساهم إلى جانب المصارف في تغطية السندات هي الهيئة العامة للاستثمار وهي المؤسسة الحكومية التي تدير الصندوق السيادي لدولة الكويت ومؤسسة التأمينات الاجتماعية إضافة إلى البنوك الأجنبية ولا سيما العاملة في الكويت. لكن محفوظ أوضحت أن طرح السندات بالدينار الكويتي سوف يمثل عقبة أمام المصارف الأجنبية التي لا تمتلك الدينار الكويتي مرجحة أن يتم طرح جزء من السندات بالدينار والجزء الآخر بالعملة الأجنبية. وبسؤالها حول تأثير مثل هذه الخطوة في حال تنفيذها على المصارف الكويتية اكتفت محفوظ بالقول إن "المصارف تنتظر" مثل هذا الطرح. وعانت المصارف الكويتية قسوة الأوضاع في الكويت عقب سنة 2008 حيث فرض عليها بنك الكويت المركزي عددا من الإجراءات الصارمة من أجل تقليل نسبة المخاطر وتضمنت هذه الإجراءات احتفاظ المصارف بمئات الملايين من الدنانير في صورة مخصصات احترازية مقابل ديون متعثرة. كما تحفظت المصارف في إقراض الشركات والأفراد ولا سيما الشركات المتعثرة وهو ما تسبب في زيادة السيولة لدى هذه المصارف في ظل تباطؤ نمو القطاعات الرئيسية في الدولة مثل القطاع العقاري وهبوط البورصة بشكل كبير. ورغم الصعوبات التي واجهت المصارف فقد تمكنت من اجتياز الأزمة بصعوبة حيث يحقق معظمها أو كلها حاليا نسبا مختلفة من النمو السنوي في الأرباح الصافية، لكنها لا تزال تترقب فرصة للانطلاق بدلا من السير بخطى بطيئة. وقد تتمثل هذه الفرصة في تمويل المشاريع التنموية التي تطرحها الحكومة إضافة إلى إقراض الحكومة ذاتها من خلال شراء السندات. ورغم حالة التقشف إلا أن الحكومة الكويتية تؤكد دائما أن هذا التقشف لن يؤثر في المشاريع التنموية التي تعتزم تنفيذها خلال السنوات المقبلة والتي تتضمن مطارا جديدا ومصفاة للنفط ومحطات لتوليد الكهرباء والماء وعددا كبيرا من الطرق والجسور والمناطق السكنية الجديدة. وبالعودة إلى الصالح وزير المالية، قال إن إجمالي تكلفة المشاريع التي طرحتها الحكومة أخيرا بنظام البناء والتشغيل والتسليم (بي.أو.تي) يبلغ ثلاثة مليارات دينار. ومن هذه المشروعات محطتا الزور والخيران للطاقة الكهربائية وتحلية المياه، ومحطة العبدلي لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية، ومشروع كبد لتدوير النفايات. وسجلت ميزانية الكويت عضو منظمة أوبك، عجزا فعليا قدره 2.72 مليار دينار في السنة المالية 2014-2015 المنتهية في 31 آذار (مارس) الماضي وهو الأول منذ 1998–1999. وتسعى الكويت لأخذ عدد من الخطوات التقشفية لمواجهة الهبوط الكبير في أسعار النفط الذي يشكل المورد الأساسي وشبه الوحيد لتمويل الميزانية العامة. وفيما قالت الكويت في كانون الثاني (يناير) الماضي، إنها ستقوم بتغطية العجز في ميزانية 2015-2016 من خلال الاقتراض من الاحتياطي العام أو من الأسواق الرأسمالية المحلية أو الأجنبية أو مزيج بين كل ذلك، إلا أن العجز الفعلي قد لا يقترب من هذا الحجم الكبير، وسيعتمد العجز على أسعار النفط.
مشاركة :