قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إن التطرف والإرهاب تنبذه جميع الأديان السماوية، فضلًا عن الإسلام الذي نهى عن التطرف والغلو في غير نص قرآني أو نبوي، ومنها قوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77].وأضاف المرصد في تقرير له، أن الإسلام قرَّر أن التطرف في الدين به مشقة تتعارض مع تعاليم الإسلام الذي يدعو إلى اليُسر ورفع الحرج، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ} [الحج: 78].كما نهى الدين عن كل ما يتنج عن التطرف كالقتل واتساع الفرقة بين المسلمين، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون} [الأنعام:159].وأكد المرصد أن المرأة تعتبر من العناصر الأكثر تأثيرًا في المجتمع؛ نظرًا لما تملكه من دور اجتماعيّ مميز، وما تتمتع به من صفاتٍ لا توجد في شقيقها (الرجل)؛ وقد كان لها دور فعَّال في المجال العلمي، والسياسي، والاقتصاد منذ الرعيل الأول، وهذا الدور ليس وليد العصر الحالي، ولا يغفله إلا جاهلٌ أو مغرض، وعليه فالمرأة بهذا شريك أصيل في مواجهة كل السلوكيات التي لا تنتمي إلى الإسلام ، وتتنافى مع الفطرة، وتتعارض مع روح التسامح؛ لا سيما مع ما أصاب المجتمعات من داء التطرف والإرهاب في العصر الحالي.وتابع: ولو سلَّطنا الضوء لإبراز دور المرأة العربية في مواجهة التطرف والإرهاب، فإننا سنجد نماذج مشرفة لنساءٍ فضليات تصدين للإرهاب والتطرف، سواء من الناحية الفكرية أو الميدانية؛ فمن الناحية الفكرية برزت الدكتورة "فاطمة السالم"، الأستاذة بكلية الإعلام بجامعة الكويت، في مكافحة التطرف من خلال تقديمها الكثير من الدراسات التي تركز على مواجهة التطرف، ومشاركتها المثمرة في محاضرات دولية، سلَّطت الضوء من خلالها على دور الإعلام الإلكتروني في محاربة الإرهاب، حتى تبوأت مقعدًا ضمن المراتب الثلاثة الأول في مبادرة تحدي الإرهاب والتطرف العنيف عام 2016، والتي تُقام برعاية إدارة التعليم والعلاقات الثقافية في الخارجية الأمريكية.ومن الناحية الميدانية فقد نشطت السيدة "لطيفة بن زياتن"، وهي امرأة فرنسية من أصول مغربية تبلغ من العمر (61) عامًا، برزت في مكافحة التطرف ونشر التسامح من خلال إنشائها جمعية "عماد من أجل الشباب والسلام"، والتي تقوم هي والمتطوعون من خلالها بزيارة المدارس، والسجون، والأحياء المهمشة، والجمعيات، لتوعية الشباب ومنع تطرفهم، منذ اغتيال ابنها "عماد" في مدينة تولوز جنوب فرنسا، على يد المتطرف محمد مراح في 11 مارس 2012.السيدة لطيفة بن زياتنوالعجيب أنّ امرأةً كهذه جريحة تسعى للانتقام بقوانين العادة، وما يثيره الظلم الفاحش الذي وقع عليها، إلا أنها استحضرت أنّ عليها مسؤولية تسمو على الرغبة في الانتقام، وأن هذه المسؤولية تستوجب عليها عدم النظر إلى ذاتها، ونشر ما هو مفروضٌ على كل مسلم من صحيح الدين؛ ومن رحم أحزانها استمدت قوتها لتثنيَ الشباب عن الوقوع في براثن التطرف؛ لذا ذهبت السيدة لطيفة، إلى المدينة التي كان يسكن فيها المتطرف، والتقت هناك بنحو (5) من الشباب، وسألتهم عن بيت المتطرف محمد مراح، فأجاب أحدهم قائلًا: سيدتي ألا تشاهدين التلفاز؟ محمد مراح شهيد وبطل في الإسلام! في هذه اللحظة قالت لنفسها: "هناك خطأ ما"، ثمّ سألتهم: "كيف تقولون وهو قاتل ولدي؟!" فتغير لون وجوههم، وتأسفوا بشدة، لكنهم لفتوا نظرها إلى واقع مرير كانت تجهله، وقالوا لها: "انظري أين نعيش، نحن كالجرذان مقفل علينا في هذا الحي، وعندما تصاب الفئران بالصرع وتهيج تكون هذه هي النتيجة" من هنا أدركت الأم المكلومة أن عليها أنّ تمد يد العون لهؤلاء من خلال إنشاء الجمعية المشار إليها في مدينة تولوز وباريس وكذلك في مدن مغربية. وتقديرًا لمجهوداتها ونشاطها، تسلمت السيدة لطيفة، في الرابع من فبراير المنصرم، جائزة الشيخ زايد للأخوة الإنسانية، في (أبو ظبي) بدولة الإمارات الشقيقة، خلال حفل افتراضي مع الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش".وقالت خلال الحفل: "أنا سعيدة وأفتخر جدًا بحصولي على جائزة زايد للأخوة الإنسانية، وأعتبر أنّ العالم في حاجة ماسة ليتمعن في المعاني والرسائل التي تبعثها هذه الجائزة من دعوة إلى السلام والتسامح والحب التعايش والأخوة، وأدعو من خلالها كلَّ شخص لبذل ولو خمسة بالمئة من طاقته، لتكريس هذه القيم والمبادئ في المجتمع، وأنا من جانبي تحفزني هذه الجائزة على الاستمرار في عملي وفتح أبواب الأمل في وجه الشباب الذي هو في حاجة للمساعدة".عبلة الكحلاويوفي ضوء حديثنا عن دور المرأة في مكافحة التطرف كان لزامًا علينا أن نذكر من جاهدت بالكلمة والقلم، ونشرت التسامح والتعايش وصحيح الدين، الأزهرية المخلصة، الراحلة صاحبة الوجه الصافي والقلب الطيب الفقيهة الأستاذة الدكتورة الأزهرية عبلة الكحلاوي، وذلك من خلال مؤلفاتها وبرامجها والتي منها: "في حب المصطفى" و"مودة ورحمة"، و"فقه المغتربين".ومن هذا المنطلق نقول: إن دور المرأة في التصحيح لا يقلُّ بحالٍ من الأحوال عن دور الرجل؛ بل أحيانًا قد يزيد، ولا أدلَّ على ذلك من أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يخصص الرجال بمسؤولية مكافحة الظواهر السلبية –والتي منها التطرف- في المجتمع، بل بيَّن أن للمرأة دورًا لا يمكن أن يُتغافل عنه، وهذا يتضح جليًّا من خلال قوله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ"، فإذا حلَّت بالمجتمع رزية كالإرهاب فإنّ على كلٍّ من الرجل والمرأة المسؤولية كاملة، لا على الرجل وحده، ولو أردنا أن نأتي بنصٍّ أكثر تَعلُّق بما نتحدث عنه، فهذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين». وهنا نلاحظ أنّه لم يخصّ الرجال في مكافحة أهل الغلو والتشدد والفهم الخاطئ للدين على غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل إنّ المفهوم من كلامه صلى الله عليه وسلم عدم التفرقة بين المرأة والرجل، وأنّ الأمر كله يتعلق بالعدول والرسوخ في العلم، ولم لا وقد أوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنح حق التعلم لكل من الرجل والمرأة على السوء، حيث قال: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ".وعليه فكل هذه النصوص ناطقة بأن المرأة رفيقة الدرب في تصحيح المسار، وأنها شريك فاعل، وعنصر مؤثر في مكافحة التطرف، بل هي مسؤولة أمام الله والمجتمع الذي منحها هذا الدور الكبير، الذي قد يكون أعظم من دور الرجل أحيانا، خاصة فيما يتعلق بالتربية والتنشئة الصحيحة، وبناء عقول الأطفال منذ الصغر، بالإضافة إلى مجال المكافحة الفكرية، والنشاط الميداني في مقابل المكافحة العسكرية.ومن هنا يرى المرصد أنّ مما يجب الاهتمام به زيادة مشاركة المرأة في وضع وتنفيذ ومراقبة وتقييم الاستراتيجيات التي تقوم على تفتيت الفكر المتطرف.
مشاركة :