ظهرت ازدواجية قناة الجزيرة القطرية واضحة في طريقة متابعتها لوفاة نوال السعداوي، حيث انتهجت الجزيرة، كما حدث في قضايا جدلية أخرى، خطابا متناقضا أحدهما "حريص على الأديان" موجه إلى الجمهور العربي، والآخر داعم للحريات موجه إلى الغرب باللغة الإنجليزية. الدوحة – نشرت قناة الجزيرة القطرية تدوينتين عن وفاة الدكتورة نوال السعداوي على حساباتها في مواقع التواصل، واختلف موقف القناة من الناشطة الحقوقية باختلاف لغة التدوينة، في ازدواجية وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالفاضحة. وتحدثت الجزيرة في قناتها الإنجليزية عن السعداوي باعتبارها أيقونة نسوية مصرية مدافعة عن حقوق المرأة، بينما في القناة العربية قالت الجزيرة إن الراحلة “هاجمت الأديان وطالبت بتقنين الدعارة وشككت في القرآن، ورحلت بعد 90 عاما من الأفكار المناقضة لثقافة المجتمع”. وتعتبر ازدواجية الخطاب صفة ملازمة للجزيرة ومتوافقة مع طبيعة المشروع الأيديولوجي الذي تتبناه وتدافع عنه منذ تأسيسها عام 1996، ورصدت تقارير عربية وغربية الاختلاف الجوهري بين خطاب القناة باللغة العربية وبين المقدم باللغة الإنجليزية، حيث بدا كل منهما واضحا في صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لهما. ويعتمد خطاب الجزيرة الموجه إلى العرب على التعاطف مع التطرف والتشدد وقوى الإسلام السياسي وانتقاد كل ما يتناقض مع مشروع الإخوان حتى على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي من حداثة وانفتاح وحريات شخصية. في المقابل يعكس الخطاب الموجه إلى الغرب باللغة الإنجليزية، موقفا مغايرا يدافع عن الديمقراطية والحريات والانفتاح وينتقد التطرف والإرهاب. وذهب عادل إسكندر، أستاذ الإعلام في جامعة جورج تاون، في تصريحات سابقة إلى اعتبار أن الجزيرة العربية هي “الرأي” بينما الإنجليزية هي “الرأي الآخر”، والدافع لهذا التصنيف هو التفاوت في خطاب القناتين. وتجلت سياسة الجزيرة في هذا الشأن واضحة خلال تغطيتها للقرارات السعودية الجديدة، حيث ركزت باللغة العربية على تعليقات فئة قليلة من المتشددين، في حين كانت صفحاتها بالإنجليزية ترصد المواقف المناقضة تماماً، فهي تدافع عن الحريات في السعودية ضمن خطابها الموجه إلى الغرب، بينما تهاجم قرارات الحداثة والانفتاح في الخطاب الموجه إلى العرب، ولاسيما أنها تدرك أن خطابها موجه إلى الإخوان والجماعات المتشددة وإلى من تحاول استقطابهم لمشروعها. خطاب الجزيرة العربية يعتمد على تصوير الأحداث في قالب عاطفي مؤدلج بما يتناسب ورغبات جمهور غالبيته من المتشددين وأشار كتاب “الجزيرة وقطر.. خطابات السياسة وسياسات الخطاب”، للباحث الفلسطيني محمد أحمد أبوالرب أن “ما يميز عمل كل من القناتين، أن النموذج العربي يعتمد على تصوير الأحداث بقالب عاطفي مؤدلج بما يتناسب ورغبات الجمهور العربي، ويعترف المحرر في الجزيرة إبراهيم هلال أن العاطفة جزء من القصة، وأن روح الكذب الإخباري في العاطفة”. وأضاف الكتاب أن “قناة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية تطبق النموذج الأميركي في الإعلام، حيث إن خسارة الهدوء تعني خسارة الموضوعية، وخسارة الموضوعية تعني أن النقاش وما يصدر على أنه حقائق، إنما توقعات”. ولم تعد ازدواجية خطاب الجزيرة وتناقض مواقفها بين العربية والإنجليزية خافية حتى على الإعلام الأجنبي، فقد سبق أن تناولت صحيفة “تودو نوتيثياس” الأرجنتينية تحقيقا عن تعاطي الجزيرة مع الأحداث وتناقضاتها وكيفية تعاملها مع قضايا المثليين بالعالم في قنواتها وحساباتها باللغات المختلفة، حيث تسوّق للمثليين وتدافع عن قضاياهم باللغات المختلفة وتمنع الحديث عنها في منصاتها باللغة العربية. ونقلت الصحيفة عن الكاتب سيث فرانتسمان، انتقاده قناة الجزيرة القطرية لخطابها الواضح في ما يتعلق بالتعامل مع الجندر الجنسي. ففي حسابها على تويتر باللغة الإنجليزية لمنصتها AJ +، والتابع لمجموعة قطر الإعلامية نشرت فيديو ترويجياً عن حياة المثليين بالتغريدات وصور للمظاهرات مع ملصقات للزواج في الفيديو. وظهرت في حسابات AJ + باللغات الأخرى، تقارير عن مسيرة مونتيري وآخر عن النساء المتحولات، تم إنتاجهما في المكسيك ونشرتهما AJ + باللغة الإسبانية وكذلك حسابها باللغة الفرنسية، وظهرت على حسابها باللغة الإنجليزية تدوينة حول أصوات المثليين في مناقشة الإجهاض القانوني. "العاطفة جزء من القصة.. وروح الكذب الإخباري في العاطفة "العاطفة جزء من القصة.. وروح الكذب الإخباري في العاطفة" ولم تذكر المنصة أي شيء عن هذه القضايا عبر حسابها بالنسخة العربية. بدورها كشفت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، أن هناك ازدواجية تنتهجها شبكة قنوات الجزيرة القطرية، في التعامل مع المثليين والمتحولين جنسيًا في قطر. وأكدت أنه بعد مراجعة لمحتوى الجزيرة أن لديها قسمًا كاملًا مخصصًا لمقالات حول حقوق المثليين، لا يشار فيها إلى حملة القمع التي تشنها قطر. وعلق متابعون عبر الإنترنت على تقرير الصحيفة، مشيرين إلى النفاق الذي تتعامل به قطر حيث يوجد مقر شبكة الجزيرة، لأن السلطات هناك تعمل على إسكات الحقوق التي تدعمها وسائل إعلامها لمن هم في الخارج. وتقوم المؤسسة الدولية “إيلغا” المكرسة لتحقيق المساواة في الحقوق للأشخاص المثليين في جميع أنحاء العالم، بتوثيق القوانين القطرية المناهضة لحقوق المثليين. كما يؤكد متابعون عرب أن تغطية الجزيرة لقضايا الحريات لا تختلف سواء كانت اجتماعية أو سياسية، فهي تخضع لأجندة الدوحة وعلاقاتها مع الدول، فالشبكة الإعلامية القطرية الممولة بمبالغ ضخمة، تتناول أخبار المنطقة بانتقائية تضخم أحداث دول وتختلقها أحيانا، وتعتم على أخبار دول أخرى وما يجري فيها، مثلما تجاهلت المظاهرات التي شهدتها عدة مدن إيرانية في نوفمبر الماضي، فيما كانت الجزيرة تفرد مساحات واسعة لاستقبال شخصيات إخوانية تدعو المصريين إلى الخروج للشوارع والتظاهر.
مشاركة :