يقضي الفلسطيني محمد زيدان، وهو من سكان مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، معظم وقته داخل عمله في النجارة لتصنيع الأثاث لزبائنه. وزيدان البالغ من العمر (40 عاما) ليس نجارا عاديا، إذ فقد ساقه اليمنى خلال غارة إسرائيلية في يناير عامك 2018 لدى محاولته انتشال إصابات وضحايا أثناء عمله السابق في جهاز الدفاع المدني. ويقول زيدان بينما كان يعمل على تقطيع لوح خشبي بمنشار كهربائي لتحويله إلى كرسي، إن "الغارة الإسرائيلية لم تكلفني ساقي فحسب، بل عملي أيضا كرجل إطفاء". ويضيف زيدان بوجه حزين وصوت متقطع لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "الغارة جعلت مني شخصا معاقا دون ساق، وأصبحت عاطلا عن العمل يعتمد على الآخرين بعد الإصابة". ودفع ذلك الرجل الأربعيني للتفكير خارج الصندوق لمواصلة الحياة وعدم الاستسلام لإصابته، عبر إنشاء منجرة لتصنيع الأثاث تشجعه على العمل لساعات طويلة يوميا. وواجه زيدان صعوبة في بداية العمل بسبب إصابته ببتر من منطقة فوق الركبة، فيما يتطلب عمله حرية حركة، ما دفعه للتفكير بالسفر خارج حدود القطاع لصناعة طرف اصطناعي. ويقول "كنت بحاجة للذهاب إلى ألمانيا من أجل عمل طرف اصطناعي، لكن الحدود كانت مغلقة والتكاليف المادية باهظة ولم أستطع تحمل ذلك"، فقرر قبول العيش مبتور الطرف والاعتماد على العكازات من أجل تحدي إعاقته. ولم يكن حال زيدان مختلفا عن حال المزارع صهيب قديح، وهو من سكان مدينة خانيونس جنوب القطاع، الذي فقد ساقه اليمنى جراء إصابته بطلق ناري من الجيش الإسرائيلي استهدفه أثناء مشاركته في مسيرات العودة الشعبية على الحدود الشرقية في مارس 2018. ورفض قديح البالغ من العمر (34 عاما) الاستسلام لإعاقته، وقرر العمل في الزراعة داخل مزرعته، التي تبلغ مساحتها 14 دونما، وهو يتنقل على عكازيه كما يمشي الأسوياء. ويقول قديح الأب لسبعة أطفال لـ((شينخوا)) إنه "على مدار عامين واجه العديد من العقبات في عمله بسبب حالة البتر، ما ضاعف حالة التعب والإرهاق". ووجد زيدان وقديح غايتهما عندما أبلغا بفرصة الحصول على طرف اصطناعي في أحد المستشفيات المحلية في قطاع غزة، التي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وكلاهما كانا من بين 297 شخصا من ذوي الإعاقة حصلوا على أطراف صناعية من مستشفى "حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية" التي تعمل في غزة. وأنشئ المستشفى على مساحة 12 دونما، ومبنى مكون من 5 طوابق أواخر عام 2019 بتمويل من قطر، ويقدم خدمات إعادة التأهيل الطبي للمرضى الذين يعانون من إعاقة مركبة. ويقول رئيس قسم الأطراف بالمستشفى أحمد العبسي، لـ((شينخوا))، إن "المستشفى هو التخصصي الأول في صناعة الأطراف الصناعية لمبتوري الأطراف الذين يعانون من إصابات خطيرة". ويضيف العبسي، أن المستشفى يقدم "خدماته لذوي بتر الأطراف في قطاع غزة للحد من السفر إلى الخارج للحصول على الأطراف الصناعية". ويشير إلى أن قسم الأطراف يعمل على توفير "دائرة علاجية متكاملة للأشخاص الذين يحتاجون إلى أطراف صناعية، وتنقسم على 3 مراحل إعادة تأهيل نفسي وجسدي ومن ثم إنتاج الطرف وتثبيته ثم تدريب المريض على استخدامه". وتتراوح المرحلة الثالثة ما بين شهرين إلى ثلاثة أشهر من التدريب لكل مريض يتلقاها داخل المستشفى، بحسب العبسي. ويقول "نحن فخورون للغاية بما قدمناه للمرضى في غزة، والذي مكنهم من استعادة حياتهم الطبيعية"، مشيرا إلى أن بعضهم "استعادوا قدرتهم على المشي بنسبة 96 في المائة كما الأسوياء". ويعرب زيدان وقديح عن سعادتهما البالغة كونهما تمكنا أخيرا من تجاوز محنتهما والعودة إلى حياتهما الطبيعية دون انتظار مساعدة الآخرين. ويوجد في قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل ما يقرب من 49 ألف شخص من ذوي الإعاقة، أي ما يعادل 2.4 في المائة من إجمالي سكانه، وفق مسؤولين في جمعيات فلسطينية.
مشاركة :