قانون أحكام الأسرة وضع مصلحة «المحضون» فوق كل اعتبار

  • 9/17/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكد قضاة وخبراء قانونيون أن القسم الأول من قانون أحكام الأسرة رقم (19 لسنة 2009) تضمن الكثير من المواد المتعلقة بـ الحضانة والتي أراد المشرِّع من خلالها وضع مصلحة المحضون فوق كل اعتبار، بما يضمن تنشئة جيل سليم صحياً ونفسياً، ويحقق للأسرة استقرارها، ويقي المجتمع من مظاهر العنف والانحراف. لكنهم أشاروا إلى وجود اختلافات تتعلق بمسألة الحضانة بين المحاكم السنية من جهة والجعفرية من جهة أخرى، تتعلق بسن الحضانة وبترتيب مستحقي الحضانة، وأكدوا أن سرعة إقرار القسم الثاني من قانون أحكام الاسرة من شأنه تعزيز فكرة العدالة والمساواة بين أبناء المجتمع البحريني الواحد، ويضمن وجود معايير ونصوص محددة في القانون تؤدي إلى وضوح الإجراءات والأحكام وسهولة وسرعة تنفيذها. الحضانة حفظ الولد ورعايته وأوضح المستشار القانوني لدى المجلس الأعلى للمرأة الدكتور محمد وليد المصري أن المشرع استهل المواد المطبقة على الحضانة بتعريفها بشكل صريح للدلالة على اهمية ودور الحضانة في رعاية شؤون المحضون والسهر على تربيته، حيث نصت المادة ( 127 ) من قانون احكام الاسرة على أن : الحضانة حفظ الولد وتربيته ورعايته بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية على النفس. ومن خلال استعراض أحكام الحضانة في هذا القانون يتضح كيف ان المشرع اولى هذه المسألة عناية فائقة عندما حدد سن الحضانة وشروطها والضمانات التي يشترط توافرها وغيرها من الاحكام التي تستهدف مصلحة المحضون ورعايته. فقد نصَّت المادة ( 128 ) من قانون احكام الاسرة صراحة على أن تنتهي حضانة النساء ببلوغ الغلام خمس عشرة سنة وبالنسبة للأنثى حتى تتزوج ويدخل بها الزوج، وبهذا التحديد الصريح لسن الحضانة أزال المشرع كل الملابسات حول هذا الموضوع وأغلق أي اجتهاد بشأنه. وأكد الدكتور المصري ان الاحكام التي يصدرها القضاة بشان الحضانة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المحضون، لان الحضانة ليست حقاً للحاضن أو صك تمليك يمنح له، بل تستند الى معايير وضوابط شرعية وضمانات تعنى بمصلحة الطفل ورعايته بالمقام الاول. فقد نصت المادة ( 132) من قانون احكام الاسرة على أن الحضانة من واجبات الأبوين معاً ما دامت الزوجية قائمة بينهما، فإن افترقا فهي للأم، ثم لأم الأم وإن علت، ثم لأم الأب ،ثم للأب، كما تكون الحضانة لأخت المحضون، ثم خالته، ثم جدته لأبيه، ثم بنت أخيه، ثم بنت أخته، مالم يقرر القاضي خلاف ذلك لمصلحة المحضون ، ويقدم في الجميع الشقيق ثم لأم ثم لأب، كما ان مواد اخرى في القانون أكدت في عدة مواضع على مصلحة الطفل بخصوص تقرير الحضانة. واشار الدكتور المصري الى حق الخيار الممنوح للمحضون بدءاً من سن حددته المادة 129 من قانون احكام الاسرة التي جاء فيها: إذا بلغ الغلام خمس عشرة سنة، أو بلغت الأنثى سبع عشرة سنة ولم تتزوج ولم يدخل بها الزوج، فلكل منهما الخيار في الانضمام إلى من يشاء من أبويه أو ممن له الحق في حضانته، فإن اختار أيٌ منهما الحاضنة استمر معها دون أجر حضانة، وهكذا وضع المشرع مصلحة المحضون فوق كل اعتبار، وأسند إليه أهلية الاختيار عند بلوغه السن المحدد. وهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والأمانة، والقدرة على تربية المحضون وحفظه ورعايته وتدبير مصالحه، والسلامة من الأمراض المعدية الخطيرة ( المادة 130 قانون احكام الاسرة ). وبحسب المستشار القانوني للمجلس الأعلى للمرأة لم يقف المشرع عند هذا الحد بل امعن في التحقق من توافر الظروف العائلية السليمة والمحيط الملائم الذي سيعيش فيه المحضون، حيث نصت المادة ( 131 قانون احكام الاسرة ) على إذا كان - الحاضن - امرأة فيجب ألا تكون متزوجة بأجنبي عن المحضون إلا إذا قدرت المحكمة خلاف ذلك لمصلحة المحضون، وإذا كان - الحاضن - رجلاً أن يكون عنده من يصلح للحضانة من النساء، وأن يكون ذا رحم محرم للمحضون إذا كان المحضون أنثى. المشرع كان واضحاً في أحكام الحضانة من جانبه أوضح الخبير القانوني والمحامي فريد غازي أن إقرار القسم السني من قانون أحكام الأسرة بتاريخ 15/6/2009، وبدء تطبيق أحكامه في المحاكم الشرعية السنية ابتداء من 1/7/2009، أسهم في حل الكثير من القضايا بشكل شبه فوري قياسا بالفترة التي كانت تستغرقها ذات القضايا سابقا، بما في ذلك قضايا الحضانة ومتشعباتها، وأكد أن إصدار القسم الثاني (الجعفري) من قانون الأسرة لن يؤدي إلى حل الكثير من معاناة ذوي الأطفال أصحاب الحق بحضانتهم ويحقق مصلحة الأطفال المحتضنين فقط، وإنما يؤدي إلى المساهمة في تقليل معاناة الأسرة من النواحي الاجتماعية في جوانب عدة منها الزواج، الطلاق، الولاية في عقد الزواج، نفقة الأطفال، تنظيم الحضانة وغيرها، بالإضافة إلى سرعة الإجراءات، وتقليص مدة نظر الدعاوى. وأوضح غازي أن قانون أحكام الاسرة ترك للقاضي تقدير بعض الحالات، كما جاء في المادة 133 التي تنص على أنه إذا لم يوجد الأبوان، ولم يقبل الحضانة مستحق لها، اختار القاضي من يراه صالحاً من أقارب المحضون، ثم من غيرهم، أو إحدى المؤسسات المؤهلة لهذا الغرض، كما أنه للقاضي بموجب القانون ذاته الاستعانة بذوي الاختصاص والخبرة في الشئون النفسية والاجتماعية عند الحكم بتقرير الحضانة مراعاة للمصلحة الراجحة للأولاد. وقال بسبب حساسية القضايا الاسرية، وبغية التعجيل فيها نص القانون على أن الحكم بالحضانة يستتبع الحكم للحاضن بكافة أوراق المحضون الثبوتية ويكون هذا الحكم مشمولاً بالنفاذ المعجل، كما ألزم القانون الأم بحاضنة طفلها إذا كان صغيرا لا يستغنى عنها، وحتى إذا تركت الأم بيت الزوجية لخلاف أو غيره فتكون الحضانة لها ما لم يقدر القاضي خلاف ذلك لأسباب سائغة، لكنه منعها من السفر بالمحضون إلى دولة أخرى للإقامة إلا بإذن وليه أو وصيه، وكذلك الأمر منع القانون ولي المحضون أباً كان أو غيره أن يسافر بالمحضون سفر إقامة في مدة حضانته إلا بإذن حاضنته. ولفت الخبير غازي إلى أن المشرع راعى كثيرا من الحالات الإنسانية، من بينها أنه منح مستحق الحضانة الحق في الإقامة في البلاد مدة حضانته إذا كان المحضون يحمل الجنسية البحرينية، مالم يصدر الحاضن حكم يقضي بتسفيره، لكنه وفي ذات الوقت أسقط حق الحاضن في الحضانة في عدة حالات من بينها إذا استوطن الحاضن بلداً يصعب معه على ولي المحضون القيام بواجباته، وإذا سكت مستحق الحضانة عن المطالبة بها مدة سنة من غير عذر، وإذا سكنت الحاضنة الجديدة مع من سقطت حضانتها لسبب غير العجز البدني، ما لم يقبل مستحق الحضانة ذلك صراحة أو ضمنا. وخص غازي بالذكر المادة 142 من قانون أحكام الأسرة التي نصت على أنه إذا كان المحضون في حضانة أحد الأبوين، فيحق للآخر زيارته واستزارته واصطحابه حسبما يقرر القاضي، وإذا كان أحد أبوي المحضون متوفى أو غائباً يحق لأقارب المحضون المحارم زيارته واستزارته واصطحابه حسبما يقرر القاضي، وإذا كان المحضون لدى غير أبويه يعين القاضي مستحق الزيارة من أقاربه المحارم، أما إذا تعذر تنظيم الزيارة اتفاقاً نظمها القاضي، على أن تتم في مكان لا يضر بالصغير أو الصغيرة نفسيا. أحكام الحضانة واحدة لدى المحاكم الجعفرية من جانبه أوضح رئيس الأوقاف الجعفرية سماحة الشيخ محسن آل عصفور أن أحكام الحضانة المعمول بها أمام المحاكم الجعفرية تختلف عن نظيرتها في المحاكم السنية، لكنه اشار إلى عدم وجود اختلاف بين المحاكم الجعفرية في تلك الأحكام، كونها واضحة وثابتة وملزمة لجميع القضاة الجعفريين. وأوضح الشيخ آل عصفور أنه بالنسبة للمحاكم الجعفرية فإن الحضانة هي من واجب الأبوين معا، فإذا حدث طلاق يبقى المحتضن الذكر في كنف والدته حتى يصبح عمره سبع سنوات، يأخذه الأب بعدها، ولكن عندما يبلغ من العمر 15 سنة يكون للأم الحق في تخييره بين البقاء مع الأب أو العودة لها. وتابع أما بالنسبة للمحتضنة الأنثى فتبقى في حضانة والدتها حتى يصبح عمرها 9 سنوات، وعندها من حق الأب طلب تخييرها بين الانتقال لحضانته أو البقاء مع أمها. وأشار الشيخ ال عصفور إلى أن الأب ملزم في جميع الحالات، سواء أكان المحتضن أو المحتضنة (أو كليهما أو جميع المحتضنين) في كنفه أو كنف طليقته، ملزم بالإنفاق على البنت المحتضنة حتى تتزوج، وعلى الولد المحتضن حتى يبلغ أشده ويكون قادرا على إعالة نفسه، وأوضح أن النفقة تشمل نفقة شهرية إضافة إلى كسوة العيدين ومصاريف الدراسة. وأكد أن هذه الأمور ثابتة لدى مختلف المحاكم الجعفرية، وليس هناك خلاف عليها، ولا مجال للاجتهاد فيها. قانون الأسرة مرجعية المحاكم السنية من جانبه أكد القاضي والوكيل بالمحكمة الكبرى الشرعية (الدائرة السنية) فضيلة الشيخ نواف محمد المرباطي أن المحاكم الشرعية السنية شهدت تغييرا إيجابيا ملحوظا بعد تطبيق قانون أحكام الأسرة تمثل في سرعة البت في القضايا، وتيسير الإجراءات على المتقاضين، ولاسيما في قضايا الحضانة والنفقة والطلاق للضرر، بما ساهم بشكل كبير في تخفيف المعاناة عن الأسر عامة وعن المرأة والأطفال بالأخص باعتبارهم أكبر المتضررين والحلقة الأضعف في قضايا الأسرة. وأوضح أن أهمية القضايا الأسرية تأتي لكونها تؤثر على أمن واستقرار وطمأنينة المجتمع ككل، وخص بالذكر مسألة الحضانة، وأهميتها بالنسبة لتنشئة جيل صحيح بدنيا ومعافى نفسيا وعاطفيا، وقال عندما نؤكد على مصلحة المحضون أولا، فهذا يعني أننا نستثمر في المستقبل، ونريد أن يكون الجيل كله سليم معافى قادر على المساهمة في بناء المجتمع وتجنيبه مخاطر العنف والانحراف. وتابع القاضي المرباطي كان من شأن إقرار القسم الثاني من قانون الاسرة توفر الاستقرار والحماية للأسرة البحرينية ببيان حقوق وواجبات كل أطرافها، وفقا لمبادئ وأحكام الدين الحنيف، بما يحفظ للأسرة كيانها ويقوي أواصرها، كما يقوم بتسهيل المعاملات والإجراءات في المحاكم الشرعية على القضاة والمتقاضين بما يتلاءم مع أحكام الشريعة، كما أن إقرار القسم الثاني من القانون يؤدي إلى تفادي صدور أحكام متناقضة ومختلفة في المسألة الواحدة بما في ذلك الحضانة، حتى لا يجري الإخلال بفكرة العدالة والمساواة، كما ان وضوح الأحكام لاستنادها إلى معايير ونصوص محددة في القانون سوف يضمن سهولة وسرعة تنفيذها.

مشاركة :